قال يحيى بن معاذ :
القلوب كالقدور تغلي بما فيها ، وألسنتها مغارفها
فانظر إلى الرجل حين يتكلم ، فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه
حلو .. حامض .. عذب .. أجاج .. وغير ذلك ، ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه
صاحب النَّقب
كان مسلمة بن عبدالملك على رأس جيش
للمسلمين يحاصرون قلعة عظيمة للروم ، ولكن القلعة استعصت على جيش المسلمين
لارتفاع أسوارها ولإغلاق جميع المنافذ إليها ، الأمر الذي رجح كفة جنود
الروم فأخذوا يقذفون جيش المسلمين من أعلاها ، فازداد تعب وانهاك جنود
المسلمين .
وفي الليل قام أحد جنود المسلمين بفكرة
مستحيلة ، إذ أنه استخفى بمفرده إلى أن وصل باب القلعة وظل ينقب فيه وينقب
حتى استطاع أن يُحدث به نقباً ثم رجع دون أن يُخبر أحداً ، وعند الغد تأهب
المسلمون للقتال كعادتهم ، فدخل هذا البطل من النقب وقام بفتح الباب فتدافع
المسلمون وتسلقوا أسوار القلعة وما هي إلا لحظات حتى سمع الروم أصوات
تكبيرات المسلمين على أسوار قلعتهم وداخل ساحتها فتحقق لهم النصر .
وبعد المعركة جمع القائد مسلمة بن عبدالملك الجيش ، ونادى بأعلى صوته : مَن أحدث النقب في باب القلعة فاليخرج لنُكافئه ..
فلم يخرج أحد .. !
فعاد وقالها مرة أخرى ، من أحدث النقب فاليخرج ..
فلم يخرج أحد .. !
ثم وقف من الغد وأعاد ما قاله بالأمس ..
فلم يخرج أحد .. !
وفي اليوم الثالث ، وقف وقال : أقسمتُ على من أحدث النقب أن يأتيني أي وقت يشاء من ليل أو نهار .
وعند حلول الليل والقائد يجلس في خيمته ، دخل عليه رجلٌ ملثم ، فقال مسلمة : هل أنت صاحب النقب ؟
فقال الرجل : إنَّ صاحب النقب يريد أن يبر قسم أميره ولكن لديه ثلاثة شروط حتى يلبيَ الطلب .
فقال مسلمة : وماهي ؟
قال الرجل : أنْ لا تسأل عن اسمه ، ولا أن يكشف عن وجهه ، ولا أن تأمر له بعطاء .
فقال مسلمة : له ماطلب .
عندها قال الرجل : أنا صاحب النقب ، ثم عاد أدراجه مسرعاً واختفى بين خيام الجيش !
إنْ لم يكن للهِ فعلك خالصاً .. فكلُّ بناءٍ قد بنيْتَ خرابُ
فكان مسلمة بعد ذلك يقول في سجوده : اللهم احشرني مع صاحب النقب ، اللهم احشرني مع صاحب النقب .