بسم الله الرحمن الرحيم
إن
الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً
مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله .
أما بعد ..
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي
محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل
بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) . (آل عمران: 102).
(
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث
منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله
كان عليكم رقيبا) (النساء : 1).
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله
وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله
ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) . (الأحزاب : 70، 71).
وبعد :
فقد أخرج أبوداود( 3641),والترمذي ( 2682) وابن ماجه(223)
من حديث كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ :
كُنْتُ
جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ
فَقَالَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ
الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ
تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا
جِئْتُ لِحَاجَةٍ قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا
سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ
الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ
الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ
عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ
الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ
الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا
الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ )) واللفظ لأبي داود .
في
هذا الحديث العظيم يبين النبي صلى الله عليه وسلم فضل العلم وفضل طلبه
وفضل أهله ألا وهم العلماء والأمور الثلاثة متلازمة , فالعلم هو النور الذي
أنزله الله على رسله عليهم الصلاة والسلام ,قال تعالى : ( أَوَمَنْ كَانَ
مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي
النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا
كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام (122) .
والعلماء
هم الذين ورثوا النور عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , فمن تدبر الحديث
عرف قدر العلماء وعظم منزلتهم عند الله تعالى , فهم خلفاء أنبياء الله في
تبليغ دين الله للناس , وهم الأمناء الذين حفظ الله بهم دينه ولذلك قال
النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : (( وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ
وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا
دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ
بِحَظٍّ وَافِرٍ )) .
فالحديث يدل على أن الدين إنما يتلقى عن أنبياء
الله ورسله في حياتهم ,وبعد موتهم يتلقى عن ورثة الأنبياء في العلم وهم
العلماء , فهم الذين ورثوا الأنبياء , فدل الحديث على فضل العلماء وعظم
مناقبهم وحاجة الناس إليهم .
وما أجمل ما ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه ( مفتاح دار السعادة ) في بيانه لفضل العلم وأهله فقال :
"
وقوله ان العلماء ورثة الانبياء هذا من اعظم المناقب لاهل العلم فإن
الانبياء خير خلق الله فورثتهم خير الخلق بعدهم ولما كان كل موروث ينتقل
ميراثه الى ورثته إذ هم الذين يقومون مقامه من بعده ولم يكن بعد الرسل من
يقوم مقامهم في تبليغ ما أرسلوا به إلا العلماء كانوا احق الناس بميراثهم
وفي هذا تنبيه على أنهم اقرب الناس إليهم فإن الميراث إنما يكون لأقرب
الناس إلى الموروث وهذا كما انه ثابت في ميراث الدينار والدرهم فكذلك هو في
ميراث النبوة والله يختص برحمته من يشاء وفيه أيضا إرشاد وأمر للأمة
بطاعتهم واحترامهم وتعزيزهم وتوقيرهم وإجلالهم فإنهم ورثة من هذه بعض
حقوقهم على الأمة وخلفاؤهم فيهم وفيه تنبيه على أن محبتهم من الدين وبغضهم
مناف للدين كما هو ثابت لموروثهم وكذلك معاداتهم ومحاربتهم معاداة ومحاربة
لله كما هو في موروثهم قال على كرم الله وجهه ورضي عنه محبة العلماء دين
يدان به وقال صلى الله عليه و سلم فيما يروى عن ربه عز و جل من عادى لي
وليا فقد بارزني بالمحاربة وورثة الأنبياء سادات أولياء الله عز و جل ".
فابن
القيم رحمه الله تعالى في كلامه بين مدى صلة العلماء بالأنبياء , وأن
للعلم صلة كما أن للنسب صلة , فصلة العلماء بالأنبياء هو العلم ولذلك هم
الذين ورثوا الأنبياء فأخذوا بعض حقوقهم , وكذلك ذكر ابن القيم في كلامه
واجب الأمة تجاه العلماء فيجب على الأمة أن يطيعوا العلماء ويتلقوا عنهم
دينهم , وأن يحبوهم ويوقروهم ويدافعوا عنهم , فهم ورثة الأنبياء , وأولياء
الله تعالى .
هذا هو منهج أهل السنة والجماعة تجاه العلماء
الربانيين , فأهل السنة والجماعة لا يتلقون العلم والدين إلا عنهم ,
امتثالا لقول الله تعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا
رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواأَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ (44) )) النحل . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث
السابق (( وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ
الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا
الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ )) , وأهل السنة يحبون
العلماء ويجلونهم ويوقرونهم ويدافعوا عنهم ويدعوا الله لهم .
وما أحسن ما قاله الإمام النووي مبوبا به بابا من كتابه رياض الصالحين فقال :
باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم .
واستدل الإمام النووي على هذه الترجمة بقوله تعالى :
{ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب }.
وبقوله صلى الله عليه وسلم في حديث : أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(يؤم
القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن
كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا
ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه))
رواه مسلم .
وبقول أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري حيث قال :
((
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول استووا
ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى ثم الذين
يلونهم ثم الذين يلونهم )) رواه مسلم .
قال الشيخ ابن عثيمين في شرحه على رياض الصالحين :
"
قال المؤلف رحمه الله تعالى باب توقير العلماء وأهل الفضل وتقديمهم على
غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم يعني وما يتعلق بهذا من المعاني الجليلة
المؤلف رحمه الله يريد بالعلماء علماء الشريعة الذين هم ورثة النبي صلى
الله عليه وسلم فإن العلماء ورثة الأنبياء لأن الأنبياء لم يورثوا درهما
ولا دينارا فإن النبي صلى الله عليه وسلم توفي عن بنته فاطمة وعمه العباس
ولم يرثوا شيئا لأن الأنبياء لا يورثون إنما ورثوا العلم فالعلم شريعة الله
فمن أخذ العلم أخذ بحظ وافر من ميراث العلماء وإذا كان الأنبياء لهم حق
التبجيل والتعظيم والتكريم فلمن ورثهم نصيب من ذلك أن يبجل ويعظم ويكرم
فلهذا عقد المؤلف رحمه الله لهذه المسألة العظيمة بابا لأنها مسألة عظيمة
ومهمة وبتوقير العلماء توقر الشريعة لأنهم حاملوها وبإهانة العلماء تهان
الشريعة لأن العلماء إذا ذلوا وسقطوا أمام أعين الناس ذلت الشريعة التي
يحملونها ولم يبق لها قيمة عند الناس وصار كل إنسان يحتقرهم ويزدريهم فتضيع
الشريعة كما أن ولاة الأمر من الأمراء والسلاطين يجب احترامهم وتوقيرهم
وتعظيمهم وطاعتهم حسب ما جاءت به الشريعة لأنهم إذا احتقروا أمام الناس
وأذلوا وهون أمرهم ضاع الأمن وصارت البلاد فوضى ولم يكن للسلطان قوة ولا
نفوذ فهذان الصنفان من الناس العلماء والأمراء إذا احتقروا أمام الناس فسدت
الشريعة وفسد الأمن وضاعت الأمور وصار كل إنسان يرى أنه هو العالم وكل
إنسان يرى أنه الأمير فضاعت الشريعة وضاعت البلاد ولهذا أمر الله تعالى
بطاعة ولاة الأمور من العلماء والأمراء فقال (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا
الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ".
وبوب قبل النووي كذلك كل من الإمام الدارمي والنسائي في سننيهما
فقال الدارمي :باب في توقير العلماء .
وقال النسائي: توقير العلماء.
فيتلخص من ذلك أن للعلماء حق على الأمة يجب تأديته لهم وهذا من باب أداء الحقوق الواجبة وأهم هذه الحقوق هي :
أولا
: محبتهم وتوقيرهم وهذا من أهم الواجبات للعلماء على الأمة وأقل شيء تقدمه
الأمة للعلماء وخاصة طلاب العلم لما ينتفعوا منهم من العلم , ولما بذله
العلماء للأمة وللطلاب العلم من الخير والهدى والعلم , كما ثبت عن علي رضي
الله عنه أنه قال : ((محبة العلماء دين يدان )). ذكره السيوطي في الجامع
الكبير .
قال الشيخ الفوزان في ( الأجوبة المفيدة ) :
" يجب احترام
علماء المسلمين، لأنهم ورثة الأنبياء , والاستخفاف بهم يُعتبر استخفافاً
بمقامهم، ووراثتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم -، واستخفافاً بالعلم الذي
يحملونه ,
ومن استخفّ بالعلماء استخفّ بغيرهم من المسلمين من باب أولى .
فالعلماء
يجب احترامهم لعلمهم ولمكانتهم في الأمة، ولمسئوليّتهم التي يتولونها
لصالح الإسلام والمسلمين، وإذا لم يوثق بالعلماء فبمن يوثق؟، وإذا ضاعت
الثقة بالعلماء فإلى من يرجع المسلمون لحل مشاكلهم، ولبيان الأحكام الشرعية
؟. وحينئذ تضيع الأمة، وتشيع الفوضى .
والعالِم إذا اجتهد وأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، والخطأ مغفور .
وما
من أحد استخفّ بالعلماء إلاّ وقد عرّض نفسه للعقوبة , والتاريخ خير شاهد
على ذلك قديمًا وحديثًا، ولاسيّما إذا كان هؤلاء العلماء ممن وُكِلَ إليهم
النظر في قضايا المسلمين، كالقُضاة، وهيئة كبار العلماء ".
ثانيا : التواضع لهم وبيان فضلهم وعلمهم وهذا من الشكر لهم , فلا يجوز التكبر عليهم وإنكار فضلهم .
ثالثا : الدعاء والإستغفار لهم , فإذا كانت الملائكة تستغفر للعالم فمن باب أولى أن يستغفر لهم المنتفعون منهم .
رابعا
: تلقي العلم عنهم والرجوع لهم والإهتمام بكلامهم خاصة فيما يتعلق
بالنوازل التي تنزل بالمسلميين من أنواع الفتن والمصائب , فلا يسلم العبد
فيها الا بالرجوع للعلماء الربانيين فإنهم والله أعلم وأفقه بالنوازل ممن
نزلت عليهم كيف لا وهم ورثة الإنبياء , وهم أنصح الناس للأمة يخافون عليهم
وعلى دينهم ومنهجهم .
وما أصاب الأمة من أنواع الفتن والبلايا الا
بالخروج على كلام العلماء والرجوع لكلام غيرهم من الجهال الذين لا ينتسبون
للعلم لا من قريب ولا بعيد قد ملكتهم عواطفهم وأغوتهم شهواتهم وأعماهم
جهلهم وأضلهم دعاة الضلالة والبدعة .
وإن الناظر في أحوال المسلميين
اليوم يرى ذلك واضحا جليا , فما جرى في الجزائر لم ينس , ومصيبة العراق لحد
الآن قائمة وأهله الى الآن يصيبهم من الإبتلاء والمصائب بسبب ذلك .
ولم
ينج الله في ذلك الا من تمسك بكلام العلماء ولم يخرج على كلامهم رغم ما
واجهوه من أنواع الفتن والمصائب , فسلموا على دينهم ومنهجهم وهذه والله
أعظم غنيمة يغنمها العبد , فبقى أهل السنة والجماعة متمسكون بدينهم
والتزامهم وطلبهم للعلم ودعوتهم لمنهج أهل السنة والجماعة مما جعل عموم
الناس يعرفون قدر الدعوة السلفية ويرجعون اليها والى أهلها , حتى أصبح
للدعوة السلفية شأن عظيم في الواقع العراقي على خلاف المتوقع بالحسابات
الظاهرة , وهذا بفضل الله ثم بفضل كلام علمائنا حفظهم الله تعالى وبارك
فيهم .
أما من لم يسمع كلام العلماء واتبع هواه والجهال من أهل البدع
والعواطف فإنهم أول ما خسروا في ذلك منهجهم فبعد أن كانوا من أهل السنة
أصبحوا من أهل البدع , أضافة الى ذلك أنهم خاضوا في الدماء والأموال
المحرمة نسأل الله العافية , وكذلك دخولهم في السياسة التي ضيعت عليهم
بقايا دينهم والتزامهم ولا حول ولا قوة الا بالله .
ولقد كان لعلمائنا
الدور البارز في ذلك خاصة الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في فتنة الجزائر ,
والشيخ ربيع حفظه الله تعالى في فتنة العراق وغيرها من البلدان فحفظ الله
على أهل السنة والجماعة منهجهم بكلام هؤلاء العلماء .
خامسا : الدفاع عن
العلماء ورد كذب وحقد المخالفين لهم وهذا تابع لبيان الحق والهدى , لأن
الطعن في العلماء يراد به الحط من منهجهم ودعوتهم , فالدفاع عنهم هو الدفاع
عن منهج أهل السنة والجماعة .
سادسا : الإعتذار لهم فيما أخطأؤوا فيه
لأنهم مجتهدون دائرون بين الأجر والأجرين , وخطئهم لا يخرج عن دائرة الخلاف
السائغ إجتهادا منهم وحرصا على إصابة الحق , لكن هذه سنة الله تبارك
وتعالى أن مما من عالم الا ويخطىء وتبقى العصمة لله ولكتابه ولرسوله صلى
الله علبيه وسلم , وما أجمل كلام ابن ابي العز في شرحه للطحاوية في باب
الإعتذار للعلماء فقال :" وكلهم ( أي العلماء) متفقون اتفاقا يقينا على
وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه و سلم ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء
حديث صحيح بخلافه - : فلا بد له في تركه من عذر وجماع الأعذارثلاثة أصناف :
أحدها : عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه و سلم قاله
والثاني : عدم اعتقاده أنه أراد تلك المسألة بذلك القول
والثالث
: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ فلهم الفضل علينا والمنة بالسبق وتبليغ ما
أرسل به الرسول صلى الله عليه و سلم إلينا وإيضاح ما كان منه يخفى علينا
فرضي الله عنهم وأرضاهم { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان
ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم } ".
فصار
حب العلماء وتوقيرهم وتلقي الدين عنهم من أعظم سمات منهج أهل السنة
والجماعة, وبه تميزوا عن أهل البدع والضلالات , فأهل البدع وقفوا موقفا
سيئا من العلماء سواء بنبذ أقوالهم وتركها وتقديم أقوال الجهال وزبالة
الأفكار على كلامهم , أو سواء بالطعن فيهم بشتى أنواع الطعن مما يدل على
حقد قلوبهم وضغائن نفوسهم للعلماء مع أنهم يعظمون ويقدسون مفكريهم ورؤساء
أحزابهم ويدافعون عنهم , فأهل البدع في كل زمان ومكان يحاربون العلماء
ويطعنون بهم , فلقد طعنوا في الصحابة رضي الله عنهم وطعنوا في كبار العلماء
من التابعين وتابعيهم , ولا زالوا يطعنون في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله تعالى وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وغيرهم من العلماء .
ولا بد
أن نعلم أن كل من تكلم في العلماء ابتلاه الله بأنواع الفتن والمصائب ,
لأن الله يدافع عنهم وعن دينه وانظر ما قاله الإمام ابن عساكر رحمه الله
تعالى في هذا المعنى فقال في مقدمة كتابه ( تبيين كذب المفتري ) : " وأعلم
يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم
العلماء -رحمة الله عليهم - مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم
معلومة، لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم، والتناول لأعراضهم
بالزور والإفتراء مرتع وخيم، والاختلاق على من اختاره الله منهم خُلق ذميم،
والاقتداء بما مدح الله به قول المتبعين إلى الاستغفار بمن سبقهم وصف
كريم، إذ قال مثنياً عليهم في كتابه - العزيز - وهو بمكارم الأخلاق وضدها
عليم : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ
لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ
فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ
} (الحشر: 10) . والارتكاب لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم - عن الاغتياب
وسب الأموات جسيم، { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ
أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (النور: 63)
" .
ولقد رأينا وشاهدنا في زماننا هذا أساليب أهل البدع في الطعن
بعلمائنا الكبار بشتى أنواع الطعن التي ينزهون عنها صغار أتباعهم , فلقد
طعنوا في العلماء الربانيين بأنهم : علماء السلاطين أو بأنهم علماء الدنيا ,
أو بأنهم علماء الحيض والنفاس , أو بأنهم جهال في فقه الواقع , إلى غير
ذلك من أنواع الطعن ,فلقد طعنوا في أئمة الهدى رحمهم الله تعالى الشيخ ابن
باز والشيخ الألباني وغيرهم من العلماء .
ولقد رأينا من أساليبهم أنهم
لا يطعنون في العلماء جملة واحدة بل يطعنون عالما بعد عالم قاصدين بذلك
زعزعة ثقة الناس بهم وإظهار دعاتهم ومفكريهم للناس والله يدافع عن دينه
وأوليائه .
ولذلك جعل أهل السنة والجماعة الطعن في العلماء علامة أهل
البدع على إختلاف مناهجهم , كما قرر ذلك كثير من العلماء فقال الإمام أبي
حاتم الرازي رحمه الله تعالى في كتابه ( أصل السنة واعتقاد الدين ) : "
عَلامةُ أَهلِ البدَعِ الوَقيعةُ في أَهلِ الأَثَر ، وعَلاَمةُ الزنادِقَة
تَسْميَتُهُم أَهلَ الأَثَرِ حَشوية ، يُريدونَ إِبْطالَ الآثار ،
وَعَلامَةُ الجهمية تَسْميَتُهم أهلَ السنة مُشبهة ، وَعَلامَةُ القَدَرية
تَسْميَتُهم أَهلَ السنة مُجْبِرَة ، وعَلامَةُ المرجئَة تَسْميَتُهم أَهلَ
السنة مُخالفة وَنُقصانية ، وَعَلامَةُ الرافضَة تَسْمِيَتُهِم أَهلَ
السُّنَّة ناصِبَة ، ولا يَلْحقُ أَهل السنة إِلَّا اسْم وَاحِد ،
ويَسْتَحِيلُ أَنْ تَجْمَعَهُمْ هَذهِ الأَسْماء " .
وقال الإمام الطحاوي في عقيدته التي بين فيها عقيدة أهل السنة والجماعة :
"وعلماء
السلف من السابقين ومن بعدهم من اللاحقين، أهل الخبر والأثر وأهل الفقه
والنظر لا يُذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل " .
قالابن ابي العز الحنفي في شرحه لكلام الطحاوي :
قال تعالى : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } .
فيجب
على كل مسلم بعد موالاة الله ورسوله موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن
خصوصا الذين هم ورثة الأنبياء الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يهتدى بهم في
ظلمات البر والبحر وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم إذ كل أمة قبل
مبعث محمد صلى الله عليه و سلم علماؤها شرارها إلا المسلمين فإن علماءهم
خيارهم فإنهم خلفاء الرسول من أمته والمحيون لما مات من سنته فبهم قام
الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا " . شرح الطحاوية (380- 381) .
وهذا
ما يفعله المتحزبون اليوم من الإخوان وغيرهم ممن تأثر بهم من محاولة الطعن
بالعلماء والتنقيص من شأنهم والحط من درجتهم وبالمقابل تراهم يعظمون من
مفكريهم ورؤسائهم وهذا من أعظم الظلم والبغي والعدوان , بل هو علامة ضلالهم
وانحرافهم وبعدهم عن السنة وبغضهم لها وتعظيمهم للبدعة وأهلها والله
المستعان .
وهذا الموقف لا يستغرب من أهل البدعة فهو ديدنهم في كل وقت
وهو خلاصة دعوتهم , وإنما يستغرب ممن ينتسب للسنة وأهلها ويظهر الدفاع عنها
أن يبدأ بالطعن بالعلماء ويقلل من شأنهم ويستهزئ بكلامهم ويحاول التنقيص
من مرتبتهم وهو بذلك يتبع سبيل أهل البدعة في منهجهم , فلا يجتمع في منهج
أهل السنة والجماعة تعظيم شريعة رب العالمين والطعن في العلماء الربانيين .
والذي
دعاني لأن أكتب في هذا الأمر ما شاهدته وقرأته في الفترة الأخيرة من
محاولات للطعن في العلماء الكبار والتنقص منهم بل وصل الأمر إلى أن يستهزأ
بكلامهم ويوصفون بألقاب وأوصاف شنيعة إضافة إلى سوء الظن بهم وهذه والله
مصيبة عظيمة ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأحب أن أنبه إلى أن أغلب من
انحرف عن منهج أهل السنة والجماعة كان بسبب تركه لكلام العلماء وعدم
انتفاعه بكلامهم , وهذا ما حصل للتكفيرية فأول انحرافهم كان بسبب أنهم
نبذوا كلام العلماء واتبعوا كلام الجهال فانحرفوا وضلوا ضلالا بعيدا حتى
أنهم ابتلوا بأنواع من المصائب وما ذاك إلا بسبب تركهم لكلام العلماء
الربانيين فأدخلوا على الأمة فتنا ومصائب عظيمة .
ووجد اليوم من يصف
العلماء بأنهم متحزبون أو دعاة إلى التحزب أو من يصفهم بأنهم متشددون أو من
يصفهم بأنهم مهلوسون أو أنهم يلعبون إلى غير ذلك من الأوصاف التي يتنزه
عنها علماؤنا , وهؤلاء ماوصفوا العلماء بذلك إلا لتغير في منهجهم واستبدال
لعلمائهم وإلا كانوا بالأمس يدافعون عنهم وينتفعون بكلامهم ويدعون الناس
إلى تلقي العلم عنهم فما الذي حدث إلا التغير في المناهج نسأل الله العافية
والثبات , فتراهم يثنون ويمدحون بعض الشخصيات التي أبرزتها الجماعات
الحزبية أو بعض الشخصيات التي تكلم فيها العلماء وقدحوا فيهم , فوقعوا في
مصيبتين عظيمتين هما :
الأولى : القدح بالعلماء الربانيين وسوء الظن بهم وترك تلقي العلم عنهم .
الثانية : مدح وتزكية من قدحهم العلماء وتكلموا فيهم , والدعوة لهم والدفاع عنهم .
فنتج عن ذلك تغير المنهج والابتعاد عن منهج أهل السنة والجماعة , وظهرت أنواع من الأخطاء في كلامهم وتصرفاتهم .
ومنهم
من يلمز العلماء وينبزهم بعدم العلم أو بعدم الفهم أو بعدم الإنصاف في
الأحكام الى غير ذلك وهؤلاء ما وصفوا العلماء بذلك إلا لجهلهم أو لتلبيس
أهل البدع عليهم لأن هذه الإعتراضات هي إعتراضات اهل البدع فكانوا ولا
زالوا يشيعون أن العلماء ليسوا من أهل الإنصاف كما هو حال أهل الموازنات
لأن الإنصاف عندهم مدح أهل البدع والثناء عليهم وذكر حسناتهم ولم يعلموا
حقيقة منهج أهل السنة والجماعة في موقفهم من أهل البدع وكيفية التحذير منهم
وما هي المصالح والمفاسد في التعامل معهم , والذي يريد أن يسلم له منهجه
فعليه بالإلتزام التام بمنهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع أهل البدع.
ومنهم من يسيء الظن بالعلماء ويحمل كلامهم ما لا يحتمل وما ذاك الا لتأثرهم
بالمناهج المخالفة التي تشيع مثل هذا الكلام والشبهات حول أهل العلم ,
وهذا المنهج معروف لأهل البدع قديما وحديثا .
فالواجب على هؤلاء أن
يراجعوا أنفسهم ويتوبوا إلى الله تعالى ويتمسكوا بمنهج أهل السنة والجماعة
ويربطوا منهجهم ودينهم بكلام أهل العلم , ويتركوا من تكلم فيهم العلماء
ويحذروا الناس منهم ويبينوا أخطائهم حتى تبرأ بذلك ذمتهم ويسلموا من الزلل
والضلال, وإلا فمصيرهم مصير من سبقهم من أهل البدع فمن رأى أحوالهم وسمع
كلامهم اعتبر بهم أسأل الله تعالى أن يهدينا للهدى والرشاد والسداد .
ولذلك
وجب على الأمة أن تعرف العلماء الربانيين الذين يتلقى عنهم العلم والمنهج
أمثال الشيخ صالح الفوزان , والشيخ النجمي ( رحمه الله ) والشيخ ربيع
المدخلي , والشيخ عبد المحسن العباد , والشيخ عبيد الجابري ( حفظهم الله
تعالى ) وغيرهم كثير .
وبمعرفة الأمة للعلماء الربانيين تعرف دين الله تعالى