بسم الله الرحمن الرحيم
هل
أنت ملتزم ؟ قد يبدو السؤال غريباً أو مستفزاً ، لو سألتَ أحد الشباب
الملتزمين هذا السؤال ربما نظر إليك بازدراء ولسانه حاله يقول : ألا
تعرفني؟ أنا فلان، التزمت منذ سبع سنوات !
تعال معي نقف وقفة تأمل قصيرة نلقي من خلالها الضوء على هذه الحقيقة ، حقيقة الالتزام !
تعجبت
كثيراً من مقولةٍ نقلها ابن القيم رحمه الله في كتابه (مدارج السالكين) عن
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه كان يقول : (والله إني إلى
الآن أجدد إسلامي كل وقت ، وما أسلمت بعد إسلاماً جيداً) !
من هنا
أتساءل ، هل نحن ملتزمون حقيقة ؟ أم أننا نخدع أنفسنا بمظاهر الصلاح
والاستقامة ونحن أبعد ما نكون عنها ؟!! قد يكون أحدنا إماماً لأحد المساجد ،
أو مدرساً للقرآن الكريم ، أو موظفاً في مؤسسة إسلامية ، لكن هل هذا دليل
كافٍ على استقامته وصلاحه ؟!
تعال معي نتأمل في حال بعض الملتزمين اليوم ، من خلال النقاط التالية :
-
ملتزم لكنه لا يدري لماذا التزم ؟ رأى نفسه مع صحبة صالحة منذ صغره واجتمع
بهم في المسجد أو في حلقات تحفيظ القرآن فظن أنه من الصالحين ، ولم يجدد
نيته في سلوك هذا الطريق.
- ملتزم لكنه يرائي بكثير من أعماله الصالحة ، ولا يفتأ يخبر الناس بما فعل بعبارة صريحة أو بإشارة خفية.
- ملتزم لكنه يدخل إلى المسجد يوم الجمعة مع قول الخطيب : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان ...)
- ملتزم لكنه قاطع لرحمه ، لا يزورهم ولا يسأل عن أخبارهم ، ولا يكاد يرى أحداً منهم إلا لماماً .
- ملتزم لكنه دائم التأخر عن صلاة الجماعة ، لا تراه إلا في آخر الصفوف يقضي ما فاته ، أما (الخشوع) فالثريا أقرب منالاً منه .
- ملتزم لكنه لم يحفظ القرآن حتى الآن ؛ فهو مشغول لا وقت له .
- ملتزم لكنه دائم العبوس ، مكفهر الوجه ، مقطب الجبين ، سيء الخلق ، إذا غضب رأيت وجهه كالليل إذا عسعس .
- ملتزم لكنه ما زال يصافح بعض النساء من أهله ؛ خوفاً من (الإحراج) !
- ملتزم لكنه ما زال يتابع المباريات المهمة في الدوري الأسباني ، وكأس العالم ، ومباريات الكأس المحلية !
-
ملتزم لكن لسانه لا يسكت عن غيبة المسلمين ، والكلام في أعراضهم ، قد مكر
به الشيطان فأوقعه في سوء عمله ، فولغ في أعراض العلماء والدعاة ، وأصبح
لسانه يفري فيهم ليلاً ونهاراً ، وهو يرى أنها غضبة لله ، ودفاعٌ عن السنة ،
وذبٌ عن منهج السلف ، ويبقى السؤال : أحقاً كان ذلك (لله) ؟ وما أصدق قول
ابن القيم رحمه الله : (ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ من أكل
الحرام والظلم والسرقة وشرب الخمر ، ومن النظر المحرم وغير ذلك ، ويصعب
عليه التحفظ من حركة لسانه ، حتى ترى ذلك الرجل يشار إليه بالدين والزهد
والعبادة ، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالاً ، ينزل
بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب ، وكم ترى من رجل متورع
عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ، ولا يبالي ما
يقول) !
- ملتزم لكنه تزبب قبل أن يتحصرم ، أغراه طلبه للعلم عدة سنوات
فظن أنه علامة عصره ، ووحيد دهره ، فاغتر بذلك وأصيب بمرض التعالم ، وتجرأ
على الفتوى في أمور لو عرضت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر ! فترى
الشاب الملتزم في زماننا يستطيع أن يفتي في أي مسألة ، فهو يتكلم عن مسائل
الجهاد المعاصرة ، ويستطيع تنزيل أحكام التكفير على الأعيان ، ويصدر
الأحكام على أهل العلم ، بل حتى على الجماعات والفرق ، بناء على ما أوصله
إليه (اجتهاده)!
- ملتزم لكنه لا يقبل النصيحة ، فإذا نصحته تمعر وجهه ، وضاق صدره ، وتذمر منك .
-
ملتزم لكنه ما زال مفتوناً بالدنيا ، فهو يتابع آخر الموضات ، ولا يستخدم
إلا أحدث أجهزة الجوال ، ويبحث عن آخر موديلات السيارات ، وأغلى أنواع
الساعات .
- ملتزم لكنه لا يتحمل البرامج الجادة ، فإذا كان البرنامج
مرحاً ممتعاً بالنسبة له وجدته أول الحاضرين ، أما الدروس العملية والجلسات
التربوية ، فلا يظهر له فيها أثر .
- ملتزم لكن الفوضى تملأ حياته ،
فلا يلتزم بمواعيد ، ولا يعرف قيمة الوقت ، ولم يحدد أهداف حياته فضلاً عن
التخطيط لها ومتابعة تنفيذها .
- ملتزم لكن ليس له تخصص واضح يسير عليه ، يخدم الدين من خلاله .
-
ملتزم لكنه لا ينكر المنكرات ، يمر منذ الصباح بعشرات المنكرات في طريقه ،
ومكان عمله ، ومع أصدقائه ، بل حتى في بيته ، فلا ينكر منها شيئاً ، بل
ربما جالس أهل المنكر وهم على منكرهم .
- ملتزم لكنه متساهل ببعض
المحرمات ، فهو يسبل إزاره أحياناً ، خصوصاً في وقت العمل ، ولا يجد بأساً
في المزاح مع المرأة الأجنبية ، كما أنه لا يبالي بسماع موسيقى الأخبار ،
ولا يتورع عن النظر إلى بعض الصور المحرمة على الفيس بوك .
- ملتزم لكن
لا حظ له من قيام الليل ، وليس له ورد يومي من القرآن ، وليس له دروس ثابتة
في طلب العلم ، ولا يحرص على الأذكار ، والسنن الرواتب ، ولا تدمع عينه من
خشية الله .
أليس هذا هو حال كثير من الملتزمين اليوم ؟