يعدّ
مفهوم العولمة من المفاهيم العالمية المعاصرة التي استطاعت أن تفرض نفسها
بقوة على الساحة الدولية سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، وأصبحت
الشغل الشاغل للعديد من المفكرين والمحللين والباحثين والدارسين في مختلف
المجالات والميادين,شأنه شأن أيّ مفهوم جديد لا يزال محل اختلاف من حيث
الاصطلاح والتحديد.
تصور مقترح لتفعيل دور المؤسسات التعليمية في مواجهة التأثيرات
التربوية والتعليمية للعولمة
"رؤية تحليلية"
د. أحمد حسين عبد المعطي
مدرس أصول التربية – كلية التربية – جامعة أسيوط
مقدمة ومشكلة البحث:
يعدّ مفهوم العولمة من المفاهيم العالمية المعاصرة التي استطاعت أن
تفرض نفسها بقوة على الساحة الدولية سياسياً واقتصادياً وثقافياً
واجتماعياً، وأصبحت الشغل الشاغل للعديد من المفكرين والمحللين والباحثين
والدارسين في مختلف المجالات والميادين,شأنه شأن أيّ مفهوم جديد لا يزال
محل اختلاف من حيث الاصطلاح والتحديد (26: 453).
ولما كانت المدارس إحدى أهم المؤسسات التربوية المسؤولة عن حل مشكلات
المجتمع، لذا فإنها سوف تتأثر بقوة بالتحديات التربوية للعولمة، وذلك
باعتبارها أكثر مؤسّسات المجتمع اتصالاً بالمجتمع بحكم نشاطها في إعداد
الكوادر البشرية للعمل في المؤسسات التربوية والتعليمية المختلفة في
المجتمع.
لذا تهدف الدراسة الحالية إلى: التعرف على التأثيرات التربوية
والتعليمية للعولمة والتوصّل إلى تصور مقترح لتفعيل دور المؤسسات التعليمية
في التصدي للتأثيرات التربوية والتعليمية للعولمة.
وتحاول الدراسة الإجابة عن التساؤلات التالية: ما التأثيرات
التربوية والتعليمية المترتبة على العولمة؟ وما التصور المقترح لتفعيل دور
المؤسسات التعليمية في التصدي للتأثيرات التربوية والتعليمية للعولمة؟
الإطار الفكري والفلسفي للدراسة:
يعرف الباحث العولمة بأنها مجموعة العمليات التي تقوم بتجسيد التغيرات
الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية والمعلوماتية والاتصالية التي ظهرت في
العقد الأخير من القرن العشرين في الحيز التنظيمي للعلاقات الاجتماعية
لأفراد المجتمع بهدف خلق عالم واحد بلا حدود اقتصادية وسياسية وبلا حدود
ثقافية واجتماعية وبغرض هيمنة الشعوب والمجتمعات الأكثر قوة وتقدماً على
جميع أنحاء العالم.
التأثيرات التربوية والتعليمية لظاهرة العولمة:
يواجه الميدان التربوي مجموعة من التحديات التي أفرزتها المتغيرات
المعاصرة والتي بدأت بالتقدم في علوم الحاسب الآلي وما يرتبط به من عتاد
وبرمجيات، والاستخدام المتزايد للّغة الإنجليزية كلغة عالمية والتطورات
الاقتصادية وغيرها من المتغيرات التي نتج عنها ظاهرة إنسانية جديدة أطلق
عليها ظاهرة العولمة،الأمر الذي فرض الكثير من التحديات على القائمين
بتطوير العملية التعليمية لمواجهة تحدياتها التربوية (44: 57-58).
والعولمة من خلال أبعادها المختلفة تضع التربية والنظام
التعليمي في أي ّمجتمع في منعطف خطير بيـن قبول متغيراتها وما يصاحبها من
تأثيرات سلبية أو إيجابية مختلفة وبين رفضها أو الوقـوف منها موقف النقد
المبني على وعي وإدراك لطبيعة متغيراتها وبمضمون التأثيرات التي تلقيها على
كاهل المجتمع ومؤسساتها التعليمية المختلفة النظامية وغير النظامية؛ الأمر
الذي يفرض على المؤسسات التعليمية ضرورة الآخذ في الاعتبار هذه الانعكاسات
ومنها:
1- اتساع الفجوة بين طبقات المجتمع
تسهم العولمة الاقتصادية من خلال آلياتها، البنك الدولي وصندوق النقد
الدولي، في اتساع الفجوة الاجتماعية وزيادة حدّة التفاوتات الاقتصادية
والاجتماعية بين طبقات المجتمع الواحد في العديد من دول العالم الثالث
النامية، وذلك نظرا ًلاعتبارات عدّة أهمها أن"سياسات الإصلاح الاقتصادي
التي تنتهجها بعض الدول تهتم بتحقيق أهداف كلّ من البنك الدولي وصندوق
النقد الدولي والتي من أهمها:تخفيض أو إلغاء الدعم عن غالبية المواد
والخدمات المدعومة الضرورية واللازمة للأفراد،وتشجيع التخصصية ودعم القطاع
الخاص وتهيئة المناخ المناسب لذلك" (34: 67).
وتحقيق هذه الأهداف بشكل أو بآخر سوف يؤدي إلى زيادة الأعباء الملقاة
على الفقراء ومحدودي الدخل وهؤلاء يشكلون قطاعات كبيرة في العديد من دول
العالم الثالث النامية. وفي المقابل،توجد فئات اجتماعية محدودة استطاعت
تحقيق مكاسب مادية كبيرة من جراء تلك السياسات ومن بين تلك وهؤلاء تظهر
معالم الفجوة الاجتماعية بين طبقات المجتمع(12: 204)، الأمر الذي من شأنه
أن يؤدي إلى بعض التأثيرات التربوية السلبية منها:زيادة الهدر التعليمي
لنظم التعليم الرسمية بسبب التسرّب الناتج عن قصور في العملية
التعليمية،وعدم قدرة الطبقات الفقيرة على إلحاق أبنائهم بالمدارس وهذا يؤثر
على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية لأفراد المجتمع الواحد بالسلب (34:
68).
وهنا تأتي أهمية التربية للجميع أو التربية المستمرة كأحد أهم
المتطلبات التربوية للتصدي لهذا التأثير السلبي، فهي تسعى للأفراد وتتكيف
مع ظروفهم وإمكاناتهم وقدرتهم على الإنجاز وفق حاجاتهم وفي أماكن تواجدهم
والوقت المناسب لهم.
2- ضعف أنماط التعاون بين المؤسسات التربوية وقطاعات الإنتاج
تسهم التنمية البشرية بدور فعال في تحقيق معدلات عالية من النمو
الاقتصادي في أيّ مجتمع وبالأخص في عصر العولمة، وذلك من منطلق العلاقة
الارتباطية بين ارتفاع المستوى التعليمي للأفراد وبين ارتفاع إنتاجية الفرد
في المجتمع.
ومن منطلق المظاهر والتطورات والمستجدات التي تصاحب العولمة الاقتصادية
يتبيّن أن هناك بعض المعوقات التي تعوق المؤسسات التربوية المختلفة عن ضبط
أنماط التعاون الممكنة بينها وبين قطاعات الإنتاج بصورة تقضي على الانفصال
القائم بين مخرجات التعليم والتخصصات الجديدة التي يتطلبها سوق العمل"
(38: 124), ومن أهم هذه المعوقات:ضعف الاهتمام بالدراسات البينية والتخصصات
الجديدة التي يتطلبها سوق العمل في العصر الحالي،صعوبة ربط التطورات
التكنولوجية الحديثة بحاجات المجتمع المحلي وتوظيفها بالصورة التي تدعم بها
دور المؤسسات ومراكز تسويق الخدمات في أداء دورها الأساسي في الخدمات
البحثية والمهنية بمستوى أفضل(11: 108).
3- التأكيد على تنمية القدرات التنافسية العالية:
إن امتلاك الأفراد في المؤسسات الإنتاجية للمزايا التنافسية التي تقوم
علي العمل بروح الفريق الواحد وعلى التجويد والتحسين المستمر في الإنتاج
وتقسيم العمل والإبـداع في النظم الإنتاجية والتسويقية والتمويلية بالصورة
التي تخلق شكلاً فعالاً من أشكال التعاون بين المؤسسات الإنتاجية يعدّ من
الأدوات الفعالة في التحكم بقانون السوق الحرة" (13: 121).
4-زيادة الإتقان في العمل والإنتاج:
تدعو العولمة الاقتصادية وبعض المفاهيم الّليبرالية الجديدة إلى إقامة
اقتصاد حرّ عبر التكتلات الاقتصادية الكبرى والشركات متعدّدة الجنسية وتدعو
في الوقت نفسه إلى تدعيم قيم المنافسة والإتقان في الإنتاج خصوصاً بعد
الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، لذا فإن تدعيم هذه القيمة يعدّ من
المتطلبات التربوية التي تفرض على التربية ضرورة الإيفاء بها،وذلك من منطلق
الأهمية العظيمة التي تحظى بها (34: 72).
وقد يرجع السبب في ذلك إلى"أن الشباب لا يدرك أن المقصــود ليس مجرد
العمل والإنتاج فقط وإنما المقصود هو الإحسان والإتقان في العمل. وعليه،
فإن الإطار الشامل لمفهوم الإتقان هو التمكن والإجادة والإخلاص،ومن هنا فإن
الإتقان والإحسان في العمل يشتمل على شقين،الأول خاص باستخدام الفرد أقصى
درجات المهارة والإتقان فيه،والثاني هو التوجه بالعمل لله ويقصد بهذا أن
يكون الإنسان مؤتمراً بأوامر الله ورسوله (23: 35-36) .
5- تزايد معدلات البطالة في المجتمع
ويرجع ذلك إلى العديد من الأسباب منها:" تقلص دور الدولة في خلق فرص
عمالة جديدة وتحقيق إدارة رشيدة للمؤسّسات الاقتصادية أو تحقيق التوازنات
الضرورية لحماية مصالحها القومية"(5: 5)،" تطويق الإنتاج القومي في الدول
النامية بمنافسة غير متكافئة مع غيرها من الدول المتقدمة" (16: 27) "إغفال
الجانب المهاري في تعليم الأفراد وعدم استجابة النظام التعليمي لمتطلبات
سوق العمل من التخصصات الجديدة" (34: 68-69).
ويؤكد البعض أن تنامي الاتجاه نحو الخصخصة، ولا سيما في ظل نظام السوق
الحر أدّى إلى تشجيع ما يسمّى بسياسات التعيين المؤقت أو غير الدائم وهذا
يتيـح حرية أكبر في الاستغناء عن العمالة أو تقبلها بأجور منخفضة، الأمر
الذي من شأنه أن يؤدي إلى تزايد معدلات البطالة بين الشباب(35: 112)، هذا
بالإضافة إلى"تزايد الاعتماد على الوظائف الأكـثر تخصّصاً خصوصاً في ظل
التقدم التكنولوجي والاتصالي والمعلوماتي المصاحب للعولمة الاقتصادية في
قطاعات الإنتاج المتنوعة، الأمر الذي أدّى إلى إحلال الميكنة بدلاً من
الإنسان في العديد من المؤسسات الإنتاجية واختفاء العديد من المهن والحرف"
(17: 84).
6- تنامي الاتجاه نحو خصخصة التعليم
مع ظهور العولمة الاقتصادية وتبنّى معظم الدول النامية لسياسات
الاقتصاد الحر بدأ يتنامى اتجاه عالمي نحو خصخصة التعليم،ويرجع ذلك إلي
العديد من المبررات منها:أن التعليم الخاص سريع الاستجابة لمتطلبات سوق
العمل من التخصصات الجديدة والقوى العاملة المدربة تدريباً عالياً وهذا قد
لا يتوافر في التعليم الحكومي، أن سيادة مفاهيم الحرية والديمقراطية في عصر
العولمة يتعارض مع فكرة أن تكون هناك قناة تعليمية واحدة لجميع الأفراد،إذ
يصبح من حق كلّ فرد أن يحصل على نوع التعليم الذي يتناسب مع قدراته
وإمكانياته ويصبح من حق الآباء توفير فرص تعليمية أفضل لأبنائهم من خلال
التعليم الخاص من دون أن يتعارض ذلك مع أهداف التعليم الحكومي الذي تنفق
عليه الدولة، أن التوجه الرأسمالي قد يؤدي إلى خلق فئات اجتماعية جديدة على
مستوى اقتصادي مرتفع لها مطالب اجتماعية في نوعية التعليم الذي يقدم لها
ووجود مؤسّسات للتعليم الخاص تسد هذه المطالب(4: 33-36).
وعلى الرغم من المبررات السابقة التي تؤكد على أهمية التعليم الخاص إلا
أن له من السلبيـات ما يجعله ذا تأثير سلبي على التربية والنظام التعليمي
بصفة خاصة منها:
- إضعاف مسؤوليات الدولة نحو تخصيص الاعتمادات المالية اللازمة لتقديم خدمات تعليمية مناسبة للمتعلمين(10: 70-71).
- التغابن الاجتماعي الذي قد ينشأ نتيجة تمتّع أبناء بعض الطبقات
والفئات الاجتماعية العليا بامتيازات تعليمية تعجز الغالبية العظمى من
أبناء الطبقات الدنيا على الحصول عليها(23: 44).
7- تزايد تهميش الّلغة العربية
إن مفهوم اللغة العربية يعني كياناً حياً نامياً في حالة تطوّر، ارتبط
بتطور حياة الأمم العربية وعناصر ثقافتها المادية والفكرية فالعربية لغة
القرآن الكريم وأبرز ملامح ثقافتنا العربية وأكثر الّلغات الإنسانية
ارتباطاً بالهوية القومية،وهي الرابط الموحد بين أفراد المجتمع والصلة
الوحيدة بين أجيالنا وأجداهم أدوات التواصل التي تشكل رؤيتنا وسلوكنا
وعليها يتوقف أداؤنا الاجتماعي. وعليه فالحفاظ على اللغة العربية والاعتزاز
بها واجب إنساني وروحي وقومي بكلّ المعايير والمقاييس.
8- تزايد هجرة الكفاءات والعقول العلمية إلى الخارج
تعد الكفاءات والعقول العلمية رفيعة المستوى في أي مجتمع مورداً
واستثماراً استراتيجياً وحيوياً ونسيجاً أساسياً من أنسجة المجتمع الذي
ينبغي الحفاظ علية وتدعيمه.
وفي عصر العولمة ومع إزالة الحدود الفاصلة بين الدول بعضها
البعض كنتيجة أساسية للتطور الهائل الحادث في الجانب الاتصالي
والمعلوماتي،أصبح نزيف العقول العلمية العربية المتخصصة وهجرتها إلى الخارج
من أهم التأثيرات السلبية التي تواجه التربية، ولا سيما في"ضوء السياسات
الانتقائية التي تمارسها المجتمعات الغربية بهدف جذب العمال والمتخصصين من
الكفاءات فتفتح لهم أبواب الهجرة والإقامة وتوفّر لهم الامتيازات المادية
واللامادية اللازمة لذلك" (2: 172).
والخطورة هنا تكمن في التأثيرات الناتجة عن هجرة هذه الكفاءات
العلمية إلى الخارج، حيث "تعد انتقالاً حقيقياً غير مباشر للموارد
الإنتاجية من الدول النامية إلى الدول المتقدمة. فكلّ فرد مـن هؤلاء يحمل
معه قدراً من العلم والخبرة والمعلومات والمهارات إما بالتعليم أو بالتدريب
وما قد يصاحب ذلك من وقت وجهد ومال,ومن ثم فالانتقال بهذه الصورة يعد
انتقالاً لاستثمار بشري" (1: 280).
9- ضعف الهوية الثقافية
يشير الانفتاح الثقافي كأحد المؤشرات الدالة على العولمة الثقافيـة إلى
إمكانية انتقال العناصر الثقافية دون قيود أو رقابة بين الحدود الفاصلة
للمجتمعات المختلفة،وعلى هذا النحو فإن إمكانية الحفاظ على الهوية الثقافية
لأيّ مجتمع أصبحت تتوقف على مدى وعي وإدراك الأفراد بطبيعة التهديـدات
التي تضعها العولمة أمام الهوية الثقافية(19: 114).
فالعولمة لها تأثير واضح على الهوية الثقافية ويختلف المحللون
حول تحديد ذلك التأثير على الهوية الثقافية,فهناك من يرى" أن ليس هناك دليل
على أن اتجاه العولمة بالضرورة يهدف إلى إضعاف الهوية الثقافية ومن ثم لا
يوجد تناقض بين العولمة والهوية الثقافية،فالعولمة تسير في طريقها بينما
يصبح من حق كلّ فرد الاحتفاظ بهويته كما يشاء وبالطريقة التي يراها مناسبة
وخير مثال لذلك اليابان والصين وكوريا التي استطاعت مواكبة متغيرات العولمة
وفي الوقت نفسه الاحتفاظ بهويتهما المميزة(42: 70).
10- انتشار أنماط الاستهلاك غير المرغوب فيها
تقوم الشركات متعددة الجنسيات في عصر العولمة الاقتصادية بدور أساسي في
تدويـل الاستثمار والإنتاج والخدمات والتجارة،بهـدف سيادة أنماط عالمية من
الإنتاج من حيث علاقات الإنتاج وشكل ملكية الإنتاج والتسويق والاستهلاك
والاستثمار والإعلان والدعاية،الأمر الذي أدّى إلى انتشار نمط الاستهلاك
الغربي في البلدان العربية وأدّى إلى استنفاذ مواردها المالية.
لذا فإن طبيعة الاقتصاد المعولم يمجّد الاستهلاك لخلق أسواق جديدة
وإطلاق شهوات الاستهلاك إلي أقصى عنان لها،وتلك هي سمة الاقتصاد الرأسمالي
فهو يسعى إلي إقامة وتطوير حالة من عدم الرضى المستمرة عن المنتجات
الموجودة بالفعل وخلق حالة من الطلب المستمر على منتجات جديدة أو نماذج
مستحدثة، وذلك انطلاقاً من نظرية اقتصادية تحظى بقبول الفكر الرأسمالي
مفادها أن زيادة الاستهلاك محرك قوى لزيادة الإنتاج وتنشيط الاقتصاد وتشجع
العولمـة أنماطاً عدة من الاستهلاك منها: الاستهلاك الترفي وهو الاستهلاك
المبالغ في تكاليفه من دون أن يضيف جديداً إلى المهمة الحقيقية للسلعة سوى
أنها أخرجت بشكل جديد(14: 149).
11- التأكيد على تنمية القدرات الإبداعية والابتكارية
تتمثل القدرات الإبداعية والابتكارية في قدرة الفرد على خلق
أو إنتاج أو ابتكار أو اختراع شيء جديد على أن يكون أصيلاً وملائماً للواقع
ويسهم في حلّ مشكلة من مشكلات المجتمع أو يحقق هدفاً من الأهـداف المرجو
تحقيقها،وأن يحظى بالقبول الاجتماعي ويكون صاحبه قادراً على توصيله
للآخرين، لذا فالإبداع يعد ظاهرة شاملة تضم الجوانب المعرفية والوجدانية
والبيئية والاجتماعية وفى الوقت نفسه يعد موقفاً أخلاقياً، فالأصل هو
الالتزام بقضية أو هدف ثم يأتي بعد ذلك الدافعية للابتكار كما أنه يقوم
أساساً على الإتقان، لذا فالمتعلم لا بدّ أن يتوافر فيه الحد الأدنى من
إتقان المهارات والمعلومات في المجال الذي يرغب فيه كي يتأهل للدخول لمرحلة
الإبداع(1: 177-178).
12- ضرورة تنمية القدرة على الحوار والنقد والمشاركة السياسية
تعنى المشاركة بمعناها العام القدرة على الإسهام والتعاون في أيّ وجه
من أوجه النشاط وهي أحد المرتكزات الثلاثة التي تتطلبها المسؤولية
الاجتماعية في أيّ مجتمع وذلك من خلال"اشتراك الفرد مع الجماعة في إنجاز
الأعمال التي يمليها الاهتمام ويتطلبها الفهم وبما يساعد الجماعة في إشباع
حاجاتها وحل مشكلاتها والوصول إلى أهدافها والمحافظة على تقدمها"(23: 35).
وقد ترجع تلك المظاهر للعديد من الأسباب منها:التفاوتات الاجتماعية
الحادة بين الأفراد،انخفاض الوعي بأهمية المشاركة السياسية إما بسبب الأمية
أو بسبب الجهل أو الخوف من السلطة " (8: 53)،"الغلاء المعيشي،والبناء
الاجتماعي وما يتصـل به من قيم واتجاهات قـد تدفع إلى السلبية واللامبالاة
وأخيراً ضعف الثقافة السياسية لدى الأفراد.
13- التأكيد على تنمية الوعي بمبادئ حقوق الإنسان
تعكس قضية حقوق الإنسان مجموعة من المبادئ والقيم التي تحترم كرامـة
الإنسان وتعلي من قيمته، وقضية حقوق الإنسان من القضايا القديمة التي ترجع
إلى بدء الخليقة حيث دعت إليها الأديان السماوية وكان الإسلام أول من أعلن
حقوق الإنسان وناضل من أجلها كثيراً، ثم اتسعت مجالات حقوق الإنسان باتساع
دائرة المعرفة وبتطور النظام الدولي فأصبح لها ثلاثة أجيال: الأول خاص
بالحقوق السياسية والمدنية والثاني خاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية والثالث خاص بحق الفرد في التضامن والسلام العادل والتنمية
والبيئة النظيفة(33: 99-101).
وفي عصر العولمة تزايد الاهتمام بقضية حقوق الإنسان واحترام مبادئها
والتأكيد على عالميتها،الأمر الذي ترتب عنه بعض المميزات منها:أن شرعية
الحكم في أيّ دولة أصبحت تقاس بمدى احترامها وممارستها لمبادئ حقوق
الإنسان،وأصبحت جزءاً من القانون الدولي،ومن هنا اكتسبت قضية حقوق الإنسان
صفة العالمية وصدر لها إعلان عالمي أطلق عليه الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان،وبدأت الأمم المتحدة في إنشاء آليات لمراقبة تنفيذ تلك المبادئ
وتقديم تقارير دورية توضح فيها مدى التقدّم الحادث في تنفيذها(32: 5).
14- ضرورة تنمية الوعي بمفهوم التربية الدولية
أصبح من الصعب على أيّ مجتمع أن يعيش بمعزل عن غيره من الأمم، خصوصاً
في ضوء المستجدات والتطورات التكنولوجية والمعلوماتية المصاحبة للعولمة،حيث
تلاشت الحدود والمسافات وأصبح مصير كلّ فـــرد في العالم مرتبطاً بمصير
الآخرين،وأصبح تأثير المشكلات التي تتعرض لها أيّ دولة في أيّ مكان على سطح
الأرض لا يقتصر عند حدود هذه الدولة ولكن يمتد أثرها إلى دول وشعوب
أخرى،وهذا يعني عالمية المشكلات التي تبحث عن مخارج وحلول مشتركة. ومن هنا
جاءت فكرة المواجهة الشاملة التي تحمل في طياتها مؤشراً مؤداه أن الإنسان
في كلّ مكان ينبغي أن يتحمل قدراً من المسؤوليـة إزاء التغيرات والمشكلات
العالمية باعتباره مواطناً عالمياً له التزاماته الأخلاقية تجاه كلّ
مسؤوليات المواطنة(27: 294).
15- ضرورة تنمية الشعور بالولاء والانتماء الوطني
يعدّ الانتماء والولاء الوطني من المقومات الأساسية للشخصية الإنسانية
ومصدراً من مصادر سعادة الفرد وراحته، نظراً لقيامها بدور مهم في ربط الفرد
بالجماعة الإنسانية التي ينتمي إليها، وذلك من خلال مجموعة المصالح والقيم
المشتركة التي تلزم الفرد بالعمل لصالح الجماعة وتدفعه للعمل البناء
والتضحية من أجل بقاء الجماعة وتقدمها، لذا فإن" فقدان الفرد للانتماء
يدفعه لأن يعيش حالة من الاغتراب ويصبح طاقة مفقودة يمكن استخدامها كطاقة
هدامة في العنف والإرهاب والجريمة" (18: 288).
ويقصد بالاغتراب هنا الاغتراب السياسي وهو حالة من الانفصال والعزلة
وعدم الانتماء بصورة تجعل الفرد يعيش من دون هوية أو جذور تربطه بأشياء
ذات قيمة ومعنى،وبهذا فالاغتراب يعبّر عن مجموعة من الاستجابات الفردية
المتدرجـة في الحدة والشدة تتراوح بين السلبية والعزلة وبين العدوان
والعنف. ومن هذه الاستجابات انعدام الشعور بالأمن، الإحساس بالانهزامية
أمام القوى المهيمنة، الإحساس بالدونية، الجمود، الانطلاق الفكري،
الهامشية، التبعية السياسية للدول العظمى.
16- قصور دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية
تعدّ عملية التنشئة الاجتماعية من أهم العمليات التي تتمّ داخل البناء
الاجتماعي لأيّ مجتمع بهدف تنشئة الأفراد وتشكيل شخصيتهـم في ضوء ثقافة
المجتمع وأهدافه واتجاهاته والقيم والعادات المتعارف عليها ليكونوا أعضـاء
مسؤولين يمكن الاعتماد عليهم في المستقبل.
ومن منطلق التطورات والمستجدات المصاحبة للعولمة، فإن البعض
يتوقّع حدوث قصور لدور الأسرة في التنشئة الاجتماعية،ومظاهر القصور هنا
تأخذ عدة أشكال منها:"حدوث اضمحلال تدريجي للسلطة الأبوية في الأسرة وما قد
يصاحب ذلـك مـن انهيار في بعض القيم الاجتماعية وهذا يعود إلى انشغال
الأبوين بالعمل خارج البيت لساعات طويلة،وضعف الوعي الديني والتربوي لدى
بعض أفراد الأسرة بسبب السعي المتواصل وراء العائد المادي،وضعف قدرة الأسرة
على الاستمرار كمرجعية قيميه وأخلاقية للناشئة وهذا يرجع إلى وجود مصادر
جديدة لإنتاج القيم وتسويقها وفي مقدمة هذه المصادر:البث المباشر، الأقمار
الصناعية، شبكات الإنترنت"(37: 56)، "وافتقاد القدوة الصالحة داخل الأسرة
هذا بالإضافة إلى ضعف إمكانيات وقدرات الشباب على تكوين أسرة وعزوفهم عن
الزواج، الأمر الذي قد يترتب عنه العديد من المشكلات النفسية
والاجتماعية"(41: 211-212).
17- تزايد انتشار بعض الأمراض النفسية والعصبية
بالنسبة للأمراض النفسية التي قد تصاحب المستحدثات التكنولوجية
والاتصالية للعولمة،سوف تتزايد بشكل عام في السنوات القادمة بخاصة الاكتئاب
والقلق والاضطرابات العصبية وقد يرجع ذلك إلى ظهور الكومبيوتر والإنترنت
وغيرها من الوسائل الاتصالية الحديثة ودورها في عزلة الإنسان
وانطوائه،وإنهاء علاقته وترابطه الأسري، وجعله ينظر إلى ذاته من دون
الاهتمام بالآخرين،مما أحدث جموداً عاطفياً نتج عنه الاكتئاب والقلق وعدم
الرضا والخوف.
أما الأمراض العضوية فيرى البعض"أن العولمة سوف تزيد من انتقال الأمراض
السارية عبر حدود الدولة كالإيدز والسل,وتزيد من مخاطر حرب الجراثيم بسبب
السياحة وتدفقها عبر الدول" (25: 592).
18- زيادة انتشار المشكلات الاجتماعية
أدت العولمة الى تزايد انتشار بعض المشكلات الاجتماعية التي يتجاوز
تأثيرها حدود الدولة الواحدة لتمتد إلى عدّة دول أخرى مكتسبةً بذلك
طابعـاً عالمياً ومهددة في الوقت نفسه مصالح الشعوب وأمنها منها:التطرف
والإرهاب،الجريمة المنظمة، الفقر، تدمير البيئة، المجاعة، الهجرة التعصب،
انتشار المخدرات،تجارة الأسلحة، الإتجار بالأعضاء الإنسانية وغيرها من هذه
المشكلات(28: 88).
19- تعميق الشعور بالاغتراب
يشهد العصر الحالي العديد من المتناقضات،فالصراع والتنافس على المادة
أدّى إلى تهاوي العديد من القيم والمعاني الإنسانية الجميلة، وفي الوقت
نفسه نجد أن التغير السريع والمفاجئ في إيقاع الحياة، خصوصاً في الجوانب
التكنولوجية أدى إلى إصابة بعض الأفراد باللامبالاة والعجز نتيجة عدم
توافقهم مع هذه التغيرات السريعة، الأمر الذي يجعل الفرد صريع العزلة.
ويقصد بالاغتراب في أبسط معانيه "انفصال الإنسان عن وجوده
الإنساني ،ويمثّل هذا الانفصال جملة من الأعراض من أهمها العزلة الاجتماعية
ويقصد بها الانفصال بين أهداف وغايات الفرد الذاتية والتي يحيا من أجل
تحقيقها وبين قيم المجتمع" (22: 162).
التصور المقترح للدراسة
لما كان أحد أهم أهداف الدراسة الحالية هو التوصل إلى تصوّر مقترح
لتفعيل دور المؤسّسات التعليمية في التصدي للتأثيرات التربوية والتعليمية
للعولمة، جاء التصور المقترح على النحو التالي:
1- فلسفة التصور المقترح
من منطلق أننا نعيش في عصر العولمة،العصر الذي تعتبر فيه التربية بصفة
عامة هي مدخلنا إلى تنمية شاملة ودرعنا الواقي ضدّ الغزو الاقتصادي
والسياسي والثقافي والاجتماعي,ويعتبر فيه التعليم بصفة خاصة كنزاً كامناً،
لذا فإن هذا العصر يتطلب تعليماً عاليا يودي إلي تنوع البشر وتمايزهم.
وتعليما يساعد الأفراد على الحصول على المعلومات وحسن استخدامها في
التفكير والتعبير والاتصال والإنتاج وبناء العلاقات، تعليماً ينتقل بالأمة
من الصناعات التقليدية إلى صناعات جديدة تعتمد على المعلومات والتكنولوجية
الحديثة،تعليما ينتقل بالأمة من التخصص الضيق إلى التخصص الذي يتميز
بالمرونة والمعرفة الشاملة ومن الاقتصاد المتأثر بعوامل داخلية فقط إلى
الاقتصاد المتأثر بعوامل داخلية وخارجية، ومن النمطية إلى التمايز، ومن
الخيار الواحد إلى الخيارات المتعددة، تعليماً ينتقل بالأفراد من الجمود
إلى المرونة،ومن التمركز الجغرافي إلى الانتشار,ومن الاعتماد على الحكومات
إلى الاعتماد على الذات والمؤسسات,,ومن ديمقراطية التمثيل الشمولي إلى
ديمقراطية المشاركة الشعبية، ومن التخطيط الجزئي إلى التخطيط الكلي،
تعليماً يكسب أفراده القدرة على حلّ إشكاليات التناقضات بين ما هو مادي وما
هو روحي, وما هو عالمي وما هو محلي، وبين التدفق المعرفي المتزايد، وقدرة
الإنسان على الاختيار والانتقاء والاستيعاب والتطبيق.
ومن منطلق التحديات التي تفرضها العولمة في شتّى مجالات الحياة، فإن
الأخذ بالتعليم والتدريب الجاد والاستعداد لاستيعاب الجديد وتطويره
والتركيز على ذلك في أنظمتنا التعليمية يعدّ ضرورة من ضرورات هذا العصر.
حيث إن الحوار الحقيقي في القرن القادم بين دول العالم سيكون هدفه الأساسي
تعظيم دور التنمية البشرية من خلال الإعداد الجيد والاهتمام بمهنة التعليم
التي تعدّ إحدى أهم مصادر إعداد القوى البشرية ذات التأهيل والتعلم المنتج.
ومن منطلق أن المدرسة هي إحدى المؤسسات التربوية المسؤولة عن حلّ
مشكلات المجتمع، فإنها سوف تتأثر بالتحديات التربوية للعولمة وهذا بدوره
سوف يؤثر بصورة قوية على العملية التربوية بما تتضمنه من معلمين ومتعلمين
ومناهج وأنشطة ونظم إدارية وهذا يفرض على المؤسسات التعليمية ضرورة التهيؤ
لمواجهة العولمة بتحدياتها التربوية المختلفة ووضع التصور المقترح اللازم
لتفعيل دورها في التصدي للتأثيرات التربوية.
2- الأسس التي ترتكز عليها فلسفة التصور
ترتكز فلسفة التصور على مجموعة من الأسس التربوية التي ينبغي أن تلتزم
بها المؤسسات التعليمية حتى يمكنها التصدي للتأثيرات التربوية والتعليمية
للعولمة وذلك على النحو التالي:
1- أن الظروف العصرية المصاحبة للعولمة، وما يترتب عنها من تحديات
تربوية للعولمة، تقتضي أساليب تربوية لها سمات خاصة، وهذه الأساليب تتطلب
من المؤسسات التعليمية الأخذ بها في إعدادها للمتعلم (الطالب) منها:
- المبدأ الإنساني: تأكيد مكانة الإنسان في نظام المجتمع العالمي.
- المبدأ الإيماني: ترسيخ الأيمان بالله.
- المبدأ القومي: جعل العمل من اجل الوحدة العربية محوراً رئيسياً.
- مبدأ التربية للعلم: ترسيخ قيمة العلم لدى المتعلم منهجا ًومحتوى ًوأسلوباً.
- مبدأ التربية للعمل: الربط بين الفكر والعمل وإعداد المتعلم لمطالب العمل وتطوراته المستقبلية.
- مبدأ التربية للحياة: توثيق الصلات بين التربية والمجتمع وتمكين المتعلم من التطورات المستقبلية
- مبدأ التربية المتكاملة: تربية شاملة متوازنة لجميع الجوانب، متصلة من المهد إلى الّلحد.
- مبدأ الأصالة والتجديد: تنمية الابتكار والإبداع,والتمسك بخير ما في الماضي في ضوء صلته بالحاضر والمستقبل.
- مبدأ التربية للإنسانية: وحدة الجنس البشري والمساواة بين شعوبه والأخوة والسلام والتعاون الدولي.
2- تختلف مجموعة العمليات والممارسات التي تقوم من خلالها المؤسسات
التعليمية بتفعيل دورها في التصدي للتأثيرات التربوية والتعليمية للعولمة
في كمّها ونوعها باختلاف تأثيرات مجالات العولمة المختلفة الحادثة في
المجتمع وما تفرضه من تحديات.
3- ضرورة مراعاة المهام والأدوار التي ينبغي أن يقوم بها المعلمون في التصدّى للتأثيرات التربوية للعولمة.
4- ضرورة مراعاة العلاقات التي تربط المؤسسات التعليمية بخارجها من
المنظومات الأخرى الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية في المجتمع.
5- ضرورة مراعاة العناصر الداخلية لمنظومة التعليم من معلم ومتعلم ومنهج وأنشطة ومنهجيات.
3- أهداف التصور المقترح
من خلال العرض السابق لفلسفة التصور المقترح ومرتكزاتة، يمكن تحديد أهداف التصور المقترح على النحو التالي:
أ- الكشف عن الجوانب المعرفية والمهارية والوجدانية المرتبطة بالتأثيرات التربوية للعولمة بمجالاتها المختلفة.
ب- تحديد الغايات الأساسية للمؤسسات التعليمية في عصر العولمة حتى تقوم
بدورها في التصدي للتأثيرات التربوية والتعليمية للعولمة وهذه الأهداف كما
يلي: تعلم لتكون وتعلم لتعرف وتعلم لتعمل وتعلم لتشارك الآخرين.
جـ- تحديد المهام والأدوار التي ينبغي أن يقوم بها المعلمون والقائمون
على العملية التعليمية في التصدي للتأثيرات التربوية والتعليمية للعولمة.
د- تحديد مجموعة من المواصفات التي ينبغي أن يتصف بها معلم الغد في عصر العولمة.
هـ– تحديد الأساليب التربوية المناسبة لتنمية الوعي بالتحديات التربوية
لكلّ بعد من أبعاد العولمة, وما يتطلب ذلك من أنشطة وخدمات تربوية تقدم
لطلابها.
4- تحديد الإجراءات:
يتطلب تحقيق الأهداف السابقة من المسؤولين في المؤسّسات التعليمية القيام بالإجراءات التالية:
أ- تصنيف التحديات التربوية للعولمة التي توثر على الطلاب إلى تحديات اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية.
ب- ربط المبادئ التربوية السابقة بالأهداف الأساسية للتربية في عصر
العولمة بغية الوصول إلى تصوّر متكامل للجوانب المعرفية والمهارية
والوجدانية، اللازمة للتصدي للتحديات التربوية للعولمة.
جـ - تحليل المهام والأدوار التي ينبغي أن يقوم بها المعلمون لتنمية
الوعي بالجوانب المعرفية والمهارية والوجدانية للعولمة التي تضمنها التصور
المقترح في البند السابق وهذا لا يتحقق إلا إذا كان المعلم:
* قدوة علمية: وتتضح في قدرته على توظيف علمه واستخدامه الاستخدام
الأمثل في إنتاج الأفكار الجديدة، وتتضح في المنهجية العلمية التي يتبناها
المعلم والتي تعتمد على رؤية واضحة لطبيعة العلم الذي يعمل فيه ولطبيعة
علاقات العلم وارتباطه بالعلوم الأخرى.
* قدوة فكرية: وتتضح في قدرته على معالجة القضايا والمشكلات المختلفة
سواء كانت مشكلات محلية أم مشكلات عالمية، وذلك من خلال إطار مرجعي شامل
ومتكامل وفي قدرته على الإسهام بفكره وعمله ونشاطه في تغيير المجتمع وفقاً
لرؤيته ورؤية المجتمع التي تتسق مع فلسفته وعقيدته.
* قدوة اجتماعية: أي أن يكون لديه الشعور التام بالمسؤولية الاجتماعية
بعناصرها المختلفة (الاهتمام والفهم والمشاركة) وأن يكون قادراً على غرس
ذلك في نفوس طلابه على اعتبار أنها عناصر متكاملة.
* قدوة نفسية: أي أن يتحقق في شخصيته التناسق النفسي بين رغباته
الشخصية ودوافعه وبين حاجات ومتطلبات المجتمع من حوله، وهذا التناسق هو
الذي يحقق له السلام مع نفسه ومع الوسط المحيط به.
* قدوة تربوية: وهذا يعني أن يكون قادراً على تعليم المتعلم طرق التعلم
المستمر، والتعلم طوال الحياة، ومساعدته على تحقيق ذلك عن طريق السيطرة
على مهارات التعلم الذاتي، والبحث عن المعلومات في مصادرها الأصلية،
وتحليلها وتفسيرها وصياغتها واستخدامها بطريقة مفيدة،وهذا يتطلب منة أن
يكون مدركاً لأهداف التربية في عصر العولمة،ويكون قادراً على تصميم المنهج
بصورة تناسب طبيعة العصر وتحدياته التربوية،وقادراً على استخدام الحاسوب
كمصدر للمعلومات وكوسيلة للاتصال، ولديه القدرة على تحديد الأنشطة
والأساليب التربوية المناسبة لعصر العولمة.
د - إعداد الطالب إعداداً متكاملاً يسهم في تأهيله للقيام بالمهام التالية:
- أن يكون على وعي بالمتغيرات العديدة التي يمرّ بها المجتمع في عصر
العولمة و أثرها على المؤسسات التعليمية بوجه عام وعلى الدور الذي يؤديه
الفرد ونوع الخبرات التي تساعده في تأدية وظائفه على أكمل وجه.
- أن يكون قادراً على تكوين علاقات إيجابية مع الآخرين وفهم الأسس والمبادئ التي تقوم عليها الحياة الديمقراطية.
- التمكن من أساسيات المعرفة في التخصص الذي يعدّ له الدارس في كلية التربية.
- معرفة الأسس والمبادئ التي تقوم عليها عملية التعلم الذاتي والمستمر.
- الثقة بالنفس وتحمّل المسؤولية الاجتماعية والإنسانية.
- أن يكون لديه القدرة على ممارسة النقد الذاتي والنقد الموضوعي وتقبل وجهة نظر الآخرين.
- لدية القدرة على التعامل مع منجزات العصر بما يفيد في إنتاج الأفكار الجديدة والمهارات الجديدة.
- لديه القدرة على تحقيق التوازن بين ما هو مادي وما هو روحي وما هو ماض وما هو حاضر,وما هو خارجي وما هو داخلي.
- أن يكون لديه القدرة على إتقان العمل والإحسان في أدائه.
- ضرورة تنمية مهارات التفكير الابتكارى والتفكير العلمي الناقد،
وذلك حتى تتكّون لدى الطلاب القدرة على التمييز بين ما هو صالح وما هو غير
صالح.
- أن يكون لديه القدرة على الاختيار والانتقاء.
- أن يكون لديه الوعي بالمفهوم الشامل لعلوم المستقبل والتكامل بينها، ومدى إسهامها في تقدم الأمم والشعوب.
هـ- تحديث المقررات الدراسية الحالية المتضمنة في البرنامج الحالي
للتصور المقترح اللازم لتفعيل دور المؤسسات التعليمية في التصدي للتأثيرات
التربوية للعولمة وذلك كالآتي:
- الاهتمام بإدماج بعض المفاهيم الحديثة مثل العولمة والهوية القومية
والخصخصة ووسائل الاتصال الحديثة مثل شبكة المعلومات والإنترنت وكذلك بعض
المفاهيم البيئية ومفاهيم التربية الدولية مثل السلام العالمي والأمن
القومي في بعض المقررات التي تدرّس للطلاب.
- الاهتمام بإضافة مقررات جديدة مستحدثة تواكب متطلبات العصر وتراعى
البعد الثقافي لاعداد المعلم وتنمى لديه الوعي ببعض التحديات التربوية
للعولمة.
- الاهتمام بربط المقررات الدراسية بقضايا المجتمع ومشكلاته والإسهام في إيجاد حلول لها.
- الاهتمام بإدخال الجانب التطبيقي والجانب الميداني في بعض المقررات.
و- زيادة الاهتمام بممارسة الأنشطة التربوية الهادفة والتي لاتخرج عن
الإطار القيمي للمجتمع من ناحية، والتي تسهم في تحقيق التفاعل المثمر بين
الطلاب وبين التغيرات المختلفة للعولمة من ناحية أخرى، مثل الاهتمام بعقد
ندوات ثقافية وأمسيات أدبية داخل المؤسسة التعليمية أو خارجها أو الاهتمام
بمجلات الحائط وبالموضوعات التي تتضمنها هذه المجلات.
ز- التأكيد على تحقيق التكامل بين المؤسسات التعليمية وغيرها من
المؤسسات التربوية الأخرى في تنمية وعي الطالب بمفهوم العولمة وتأثيراتها
التربوية.
5- الضمانات الواجب توافرها لنجاح هذا التصور
يتطلب نجاح التصور المقترح في تحقيق أهدافه مراعاة ما يلي:
1- الاهتمام بالّلغة العربية، وذلك للمحافظة على الهوية الذاتية
للمجتمع وأيضا ًالاهتمام باللغات الأجنبية خصوصاً الّلغات السائدة في
التفاهم بين دول العالم.
2- ربط المنظومة التربوية للمؤسّسات التعليمية بغيرها من المنظومات
المجتمعية الأخرى مثل المنظومة الاقتصادية والسياسية والثقافية أو بغيرها
من المنظومات الإقليمية والعالمية مثل منظمات المجتمع المدني.
توصيات الدراسة:
في ضوء أهداف البحث ونتائج الدراسة التي تمّ التوصل إليها، تمكّن
الباحث من رصد مجموعة من التوصيات، وذلك في صورة تطبيقات تربوية وتكنولوجية
واقتصادية وسياسية واجتماعية ولعلّ أهمها ما يلي:
1. الاهتمام بتنمية فكرة التعلّم مدى الحياة والتعلم المستمر للطلاب
في المؤسسات التعليمية حتى يلاحقوا ما يحدث في العالم من تغيّرات وتطوّرات
في جميع المجالات.
2. التركيز على امتلاك الطلاب المعرفة الصحيحة المنظمة والمتطورة التي
تكسبهم القدرة على الوصول إلى المعلومات وتفسيرها وفهم المشكلات وتحليلها
بأسلوب منظم.
3. استخدام طرق و وسائل تكنولوجية حديثة في التعليم وطرق التدريس
وتدريب الطلاب على استيعاب هذه الطرق والأساليب التكنولوجية والمستحدثات
العصرية بما يتماشى مع تحديات العصر.
4. الاهتمام بمراكز ومصادر المعلومات وشبكاتها وتغيير أساليب التعليم والتعلم وتدريب الطلاب على كلّ منها.
5. الاهتمام بتقديم مقررات تربوية وأكاديمية متوازنة في أهدافها
ومحتواها بحيث تسهم في إعداد المعلم وتنمية شخصيته بشكل متكامل، وتكسبه
المهارات العلمية والأنشطة التطبيقية والإنتاجية وتعرفه أساليب استخدام
التكنولوجيا الحديثة الملائمة لثقافة واحتياجات المجتمع.
6. التأكيد في المقررات الخاصة بالإعداد الثقافي للمعلم على تناول بعض
القضايا المعاصرة والتحديات التي تواجه التربية وإدماج هذه القضايا في بعض
المقررات الأكاديمية مثل الاقتصاد والاجتماع والتاريخ وغيرها من المتغيرات
الاقتصادية والاجتماعية التي من المتوقع أن تحدث في السنوات القادمة مثل
الاعتماد على العمالة ذات المهارة المرتفعة والمتخصصة والحاجة إلى الابتكار
لتحقيق القدرة على المنافسة، واعتماد الاقتصاد على ما يسمّى بالبنية
الأساسية للمعلومات وغيرها.
7. الاهتمام بإعداد الطلاب ليكونوا قادرين على استيعاب القيم القومية
والإنسانية بل والتكيف والتلاؤم مع المتغيرات الحضارية على المستوى القومي
والمحلي والعالمي.
8. تحقيق اكبر قدر ممكن من الديمقراطية وممارستها بين الطلاب بحيث
تقلّل من عوامل العزلة الاجتماعية بينهم ومن ثم يحدث نوع من التواصل
والانفتاح والتجاوب والمشاركة الحرة في الاهتمامات وكلّ ذلك يتمّ من خلال
تدريس المقرارات المختلفة وممارسة الأنشطة بأوجهها المتعدّدة.
9. تشجيع البحوث العلمية في جميع المجالات بحيث تعكس آراء الطلاب
واتجاهاتهم واهتماماتهم وتنمي لديهم مهارات جمع المعلومات من مصادر عديدة
والتأكد من صحتها وتوظيفها بالشكل الصحيح.
10.تنمية وعي الطلاب ببعض المنظمات الدولية وأدوارها التي تهتم بتحقيق
مبادئ حقوق الإنسان ويتمّ ذلك عن طريق عقد الندوات والورش التعليمية التي
تناقش هذه القضايا.
11. إدخال مقررات للتربية السياسية في الإعداد والتدريب بحيث تركّز هذه
المقررات على بعض المفاهيم السياسية الضرورية مثل مفهوم الاحترام المتبادل
والحرية والتشاور والمسؤولية الاجتماعية وغيرها.
12. الاهتمام بذوي القدرات الخاصة من الطلاب المتفوقين والموهوبين
والاهتمام بتفريد التعليم حتى يمكن مقابلة الاحتياجات الفردية للمتعلمين
واحتياجات المجتمع أيضاً.
13. تدريب الطلاب على التفكير المستقبلي القائم على الاختيار الحرّ بين
البدائل وعلى كيفية بناء المعارف واستخدامها حتى يمكنهم التعامل مع العصر
في ضوء المستجدات الموجودة فيه.
14. تنمية قدرة الطلاب على فهم الآخرين، وذلك بدراسة ثقافتهم وتاريخهم وتقاليدهم وقيمهم والفهم الواعي للتحديات الوافدة إلينا.
15. توعية المتعلمين بمضمون ومحتوى المواد الإعلامية وتوجهاتها حتى يكون هناك إدراك لقيمة ما يقدم ومغزاه.
16. التوسع في تبادل الخبرات العلمية مع المؤسسات التعليمية الأجنبية والعربية.
17. تنمية المعلمين وتدريبهم على إتباع المدخل البيني في التدريس حيث
إن التحوّل من مواد منفصلة إلى مواد متداخلة أو بينية يحتاج إلى الآتي:
· عقد اجتماعات بين المعلمين والتخصصات المختلفة لمناقشة موضوع واحد من عدّة زوايا مختلفة طبقاً للتخصّص.
· مراعاة التغيير المستمر في المقررات الدراسية البينية كلما دعت
الضرورة لذلك نتيجة تعرض المجتمع للمستجدات التكنولوجية والمعلوماتية في
إطار عام كوني سريع التغيّر.
مراجع البحث:
1. إبراهيم جميل بدران، علي علي حبيس، التحديات العلمية والتقنية
وآثارها المستقبلية، مؤتمر التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن