بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاستعانة بالله
لا شك أن كل إنسان يعلم أنه ضعيف لا يستطيع قوة وليس له ناصر والله يؤكد هذا المعنى ويقول (وخلق الإنسان ضعيفاّ)ويقول(فما له من قوة ولا ناصر)وأن الله هو القوي العزيز الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون,لذلك
وجب على المخلوق الضعيف الاستعانة بالخالق القوي العزيز,وتخيلوا إنسانا في لجة البحر قد تحطمت سفينته وتعلق بخشبة طافية وانقطعت سبل النجاة لديه فهو لا يرى منقذ له إلا الله,فكيف يكون حاله وتعلقه بربه,أننا نعيش هذا المشهد
في كل لحظة فنحن نسبح في بحر من الفتن والشهوات ومن لم يستعن بالله فلن ينجوا ولهذا كان سيد البشر وأكمل الخلق عليه الصلاة والسلام يكثر من قول(يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)هذا وهو النبي المعصوم,
وله المقام المحمود والحوض والشفاعة مع ذلك هو خائف من تقلب قلبه صلى الله عليه وسلم,أمرنا ربنا أن نقرأ الفاتحة في كل ركعة وفيها (إياك نعبد وإياك نستعين)والإستعانة ضرورية ومهمة في حياة المؤمن ولن يستطيع أن ينجز شيئاّ
من أعماله الدينية أو الدنيوية إلا بعد توفيق الله وإعانته وتسهيله وتيسيره له,قال الشيخ السعدي رحمه الله,أي نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة,نعبدك ، ولا نعبد غيرك ، ونستعين بك، ولا نستعين بغيرك,والعبادة,اسم جامع لكل ما يحبه
الله ويرضاه من الأعمال ، والأقوال الظاهرة والباطنة,والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية ، والنجاة من جميع الشرور،ومتى تكون العبادة عبادة, إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ,مقصوداّ بها
وجه الله,فإنه إن لم يعنه الله، لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر، واجتناب النواهي,قال الحافظ ابن رجب رحمه الله,وأما الإستعانة بالله عز وجل دون غيره من الخلق ,لأن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه ، ودفع مضاره ،
ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل,فمن أعانه الله ، فهو المعان ، ومن خذله فهو المخذول ، وهذا تحقيق معنى قول( لا حول ولا قوة إلا بالله) فإن المعنى,لا تحول للعبد من حال إلى حال ، ولا قوة له على ذلك إلا بالله
وهذه كلمة عظيمة ، وهي كنز من كنوز الجنة,قال النبي صلى الله عليه وسلم(إحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا
تعجز)رواه مسلم,ومن ترك الإستعانة بالله,واستعان بغيره ، وكله الله إلى من استعان به فصار مخذولاً ,كتب الحسن إلى عمر بن العزيز ,لا تستعن بغير الله ، فيكلك الله إليه,ومن كلام بعض السلف,يارب عجبت لمن يعرفك كيف يرجو
غيرك ، عجبت لمن يعرفك كيف يستعين بغيرك,قال ابن القيم رحمه الله ,أقسام الناس في العبادة والاستعانة ,أربعة أقسام ,1) أهل العبادة والاستعانة بالله,فعبادة الله غاية مرادهم وطلبهم منه أن يعينهم عليها ، ويوفقهم للقيام بها,2)من لا
عبادة ولا استعانة ,وإن استعان به وسأله ، فعلى حظوظه وشهواته ، لا على مرضاة ربه وحقوقه,3)من له نوع عبادة بلا استعانة ,فحظه ناقص من التوكل والاستعانة به . ولهم من الخذلان والضعف والعجز بحسب قلة استعانتهم
وتوكلهم ,4) من عنده استعانة بلا عبادة ,وهو من شهد تفرد الله بالنفع والضر ، ولم يسير و يوافق ما يحبه الله ويرضاه ، فتوكل عليه واستعان به على حظوظه وشهواته ، وأغراضه وطلبها منه سواء كانت أموالاّ أو رئاسات,ولكن
لا عاقبة له,والاستعانة تكون باعتماد القلب على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة بالله في حصول ذلك وحسن الظن به,وأن تكون الاستعانة بقلبك كما يكون العماد للبنيان,وهاهو
الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لمعاذ ( لا تدع دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك)وإذا قال المنادي حي على الصلاة حي على الفلاح أن نقول,لا حول ولا قوة إلا بالله, فمع أننا نسمع المنادي
نقول لا نستطيع أن نجيبك إلا إذا أعاننا الله فلا حول كائن ولا قوة إلا بالله,وإذا خرجنا من المنزل نقول ( بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله) فيقول الشيطان كيف لي برجل هدي وكفي ووقي,قال تعالى(هو أعلم بكم إذ
أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم)وهذه من أعظم مراحل الضعف للإنسان,والاستعانة الحقيقة تكون مع القرب من الله وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد,إذا كثرت معاصينا وعجزنا عن تغير أنفسنا فلنستعن
بربنا,فمن أراد أن يصلي الفجر في جماعة فليستعن بربه,ومن أراد أن يترك الغيبة فليستعن بربه, ومن أراد أن يترك حلق لحيته أو إسبال ثوبه فليستعن بربه,والنجاح في امتحاناته فليستعن بربه,ومن كثرت ديونه وهمومه فليستعن بربه
( ومن قال اللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغني بفضلك عمن سواك) قضى الله دينه وإن كان عليه جبل من الديون,فعلام الحزن,وأكثروا من الدعاء في سجودكم فإن كثرته دليل على تعلقكم واستعانتكم بربكم,وإذا سرك أن
يستجاب لك في الشدة فأكثر من الدعاء في الرخاء,قال تعالى(ياأيها الذين اّمنو إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناّ ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) أيها الآباء انتم تتمنون صلاح أبنائكم بل تتمنون أن يكونوا خيراّ منكم لذلك
فأعظم سبيل لصلاحهم الاستعانة بالله في تربيتهم وكثرة الدعاء لهم, فاستعينوا بركم لكي يعينكم , ولا عون ولا نجاه إلا لمن وفقه الله فلا حول ولا قوة إلا بالله(يا أيها الذين اّمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراّ وقودها الناس والحجارة)ومن أراد أن
يكون الله في عونه فيكن في عون أخيه يقول رسولكم صلى الله عليه وسلم(والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه)