بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }
باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }
يقول الشيخ العثيمين رحمه الله في كتابه القول المفيد..في قوله تعالى:{ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }
الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وكان يحب هداية عمه أبي طالب أو من هو أعم فأنت يا محمد المخاطب بكاف الخطاب، وله المنزلة الرفيعة عند الله لا تستطيع أن تهدي من أحببت هدايته،
ومعلوم أنه إذا أحب هدايته; فسوف يحرص عليه، ومع ذلك لا يتمكن من هذا الأمر،
لأن الأمر كله بيد الله، قال تعالى:{ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ } ،
وقال تعالى: { وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ } ;
فأتى ب "أل" الدالة على الاستغراق; لأن "أل" في قوله: "الأمر" للاستغراق; فهي نائبة مناب كل; أي: وإليه يرجع كل الأمر، ثم جاءت مؤكدة بكل، وذلك توكيدان.
والهداية التي نفاها الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم هداية التوفيق،
والتي أثبتها له هداية الدلالة والإرشاد ولهذا أتت مطلقة لبيان أن الذي بيده هو هداية الدلالة فقط، لا أن يجعله مهتديا،
قال تعالى: { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } ، فلم يخصص سبحانه فلانا وفلانا ليبين أن المراد أنك تهدي هداية دلالة، فأنت تفتح الطريق أمام الناس فقط وتبين لهم وترشدهم،
أما إدخال الناس في الهداية فهذا أمر ليس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما هو مما تفرد الله به سبحانه؛
فنحن علينا أن نبين وندعو، وأما هداية التوفيق (أي أن الإنسان يهدي) فهذا إلى الله -سبحانه وتعالى- وهذا هو الجمع بين الآيتين.
وقوله: { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب أبا طالب; فكيف يئول ذلك؟
والجواب: إما أن يقال: إنه على تقدير أن المفعول محذوف،
والتقدير من أحببت هدايته لا من أحببته هو أو يقال: إنه أحب عمه محبة طبيعية كمحبة الابن أباه ولو كان كافرا أو يقال: إن ذلك قبل النهي عن محبة المشركين والأول أقرب;
أي: من أحببت هدايته لا عينه، وهذا عام لأبي طالب وغيره
ويجوز أن يحبه محبة قرابة، ولا ينافي هذا المحبة الشرعية، وقد أحب أن يهتدي هذا الإنسان، وإن كنت أبغضه شخصيا لكفره، ولكن لأني أحب أن الناس يسلكون دين الله.من كتاب القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 348)