إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا فمن يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
و أشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدوا أن محمد عبده و رسوله صلى الله عليه وسلم.
( يا أيها الين آمنا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) آل عمران : 102
أما بعد: " فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ،وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة
بدعة , وكل بدعة ضلاله , وكل ضلالة في النار".
فقد جاءت ضوابط وحدود لهذه المسألة المهمة في الشريعة الغراء ، لا ينبغي للمسلمين أن يحيدوا عن هذه الضوابط
والحدود ، حتى ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة ، ولكن من المسلمين اليوم من أعرض عن تعاليم الشرع الحنيف .
فبعض المسلمين اليوم لا يسمحون للخاطب أن ينظر إلى مخطوبتة من بناتهم ، أما عادات ورثوها عن
آبائهم ، وإما بحجة الورع والمحافظة ، ثم نجدهم في نفس الوقت يسمحون لبناتهم بالسفورو التبرج أمام السائقين
والخدم ، وأمام غير المحارم من أولاد العم ، والخال ، و الأقارب.
وكذلك هناك من الآباء من ليس يسمح للخاطب بالنظر إلى ابنته أثناء الخطبة فقط بل يمنعه من رؤيتها حتى بعد العقد
وقد أصبحت زوجته ، ولا يسمح له بهذه الرؤية إلا في ليلة الدخلة .
وهنا تحدث المآسي ، وحالات الطلاق و التي يمكن تجنبها لو أخذنا بشرع الله عز وجل ، وعلمنا بسنة سيد الخلق
صلى الله عليه وسلم .
ومنهم من يسمح للخاطب أن يرى ابنتهم متبرجة تبرجاً قبيحاً ، ويسمح له بالخلوة بها, والسفر بها, بل يسمح بكل
شئ بدعوى التعارف ، ثم لا يجني هؤلاء الآباء إلا ندم عندما لا تتم هذه الخطبة ..
من أجل هذه الأسباب وغيرها كتبت هذه الرسالة لبيان هذه المسألة وما يتعلق بها من الأحكام الشرعية وقد أسميتها :
الأحكام المطلوبة في رؤية المخطوبة .
الأمر بحفظ النظر :
قال تعالى :
. (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)
فهذه الآية الكريمة مضمونها التحذير من أن تسمع ما لا يحل لك، أو تنظر ما لا يحل لك أو تعتقد ما لا يحل لك، فأنت
مسئول عما سمعت وعما نظرت إليه وعما اعتقدته بقلبك، والفؤاد هو القلب، والإنسان مسئول عن سمعه وبصره
وفؤاده، فعلى المؤمن أن يتقي الله في سمعه وبصره وقلبه.
وقال تعالى :
(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).
و فهذه الآية أمر من الله عز وجل بغض البصر والأمر هنا على الوجوب فحرام على كل مسلم أن ينظر إلى ما لا يحل
له من النساء الأجنبيات ، أو صورهن ، وكما قيل ( النظر بريد الزنا).
وما أحرى بالمسلم أن يتأدب بأدب الإسلام فينتهي عما نهى الله عنه ، ومن العار أن بغض الجاهلين كانوا
يغضون أبصارهم فهذا عنترة يقول :
واغضض طرفي ما بدت لي جارتي
حـــتى يـــواري جـــارتي مــأواهـــا
ولما كانت هذه الرسالة متعلقة بالنظر ، فقد وجب معرفة حدود هذا النظر وما يجوز منه وما لا يجوز .
الأدلة التي دعت إلى استحباب النظر إلى المخطوبة :
الدليل الأول :
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : خطبت امرأة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أنظر إليها ؛ فإنه أحرى أن يُؤدم بينكما ).رواه النسائي والترمذي وقال حديث حسن.
ومعنى قوله :" أن يُؤدم بينكما" أي أجدر وأولى أن تدوم المودة بينكما.
فقال المغيرة رضي الله عنه: فأتيتها وعنده أبواها وهي في خدرها . قال : قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن أنظر إليها ؟ قال : فسكتا ، قال : فرفعت الجارية جانب الخدر .
فقالت : أحرج عليك إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنظر إليّ لما نظرت ، وإن كان رسول صلى
الله عليه وسلم لم يأمرك أن تنظر إليّ فلا تنظر .
قال فنظرت إليها ثم تزوجتها فما وقعت امرأةً بمنزلتها .
الدليل الثاني :
عن أبي هريرة عنه قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاه رجل ، فأخبره أنه تزوج امرأةً من الأنصار .
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنظرت إليها؟).
قال : لا . (فانظر إليها ؛ فإن في أعين الأنصار شيئاً).
وقد أختلف في الشيء الذي أشار إليه رسول صلى الله عليه وسلم ماهو؟
قال الحافظ في (( الفتح )) : وقع في رواية أبي عوانة في مستخرجه أنه " الصغر" فهو المعتمد.
الدليل الثالث :
عن جابر بم عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا خطب أحدكم المرأة ، فأن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى النكاح ، فليفعل ).
قال : فخطبت جارية ، فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها ، فتزوجتها.
الدليل الرابع :
عن سهل بن أبي حثمة قال : رأيت محمد بن مسلمة يطارد امرأة ببصرة على إجًار " معنى السطح الذي ليس حواليه \
ما يرد الساقط عنه" يقال لها ثبيتة بنت الضحاك أخت أبي جبيرة .
قلت : أتفعل هذا ، وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! فقال : نعم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا ألقى الله في قلب رجل خطبة امرأة ، بلا بأس أن ينظر إليها ).
الدليل الخامس :
عن أبي حميد وكان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: ( إذا خطب أحدكم امرأة ، فلا جناح عليه أن ينظر إليها ، إذا كان إنما ينظر إليه الخطبة ، وإن كانت لا تعلم ).
الدليل السادس :
عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أريتك في
المنام يجيء بك الملك في سرقة من حرير ، فقال لي : هذه امرأتك ، فكشفت عن وجهك الثوب ، فإذا
أنت هي ، فقلت : إن يك هذا من عند الله يمضه ). رواه البخاري ومسلم
قال الحافظ في " الفتح " ،، يستأنس به ــ أي بالحديث ــ في الجملة في أن النظر إلى المرأة قبل العقد فيه مصلحة
ترجع إلى العقد،،.
الدليل السابع :
عن سهل بن سعد رضي الله عنه ،قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت :
يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي ، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعدت النظر
إليها وصوبه ،ثم طأطأ رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست ... الحديث .رواه البخاري .
وبعد: فهذه أدلة سبعة جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في استحباب النظر للمخطوبه ، فهل لأحد أن يقدم
بين يدري رسول الله أن يقدم بين يدي رسول الله عليه الصلاة والسلام و ينمع الخاطب من الرؤية
التي كفلها له الشرع؟!.
ثم إن هذه الأدلة قد فهمها السلف الصالح رضوان الله عليهم وطبقوها على أنفسهم ، وهم بالشك ، أعلى
ديانة ، وأشد ورعاً منا، ومع هذا نجدهم قد عملوا بهذه الأدلة ؛ وما ذلك إلا لعلمهم أن الخير كل الخير ، والفلاح كل الفلاح
في هدى النبي صلى الله عليه وسلم .
ما الذي يراه الخاطب من مخطوبته ؟.
أما وقد عملنا أن الإسلام أبحا للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته ، فلا بد أن نعرف حدود هذا النظر ، وما هي المواضع
التي يجوز النظر إليها من المخطوبة .
فنقول : وقع الخلاف بين العلماء في الموضع إلي يجوز النظر إليه وأهم هذه الآراء هي :
الأول : يجوز للرجل أن ينظر إلى الوجه والكفين . وهو رأى الجمهور ، وراويه عن الأمام أحمد .
الثاني : النظر إلى سائر البدن وهذا قول داود ونص الأمام أحمد على أنه يجوز أن ينظر إليها متجردة من عباءتها وليس
من لباسها.
الثالث : بنظر إلى ما يظهر غالباً كالرقبة ، وشعر رأس ، والكفين وقدمين، ونحوهم .
الرابع : ينظر إليها ويخاطبها بالحديث ليرى حديثها و طريقة نطقها .
كيف تتم هذه الرؤية ؟
إن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أمر برؤية المخطوبة لم يحدد كيفية معينة ، ولا صفة مخصصة لهذه
الرؤية ، قال صلى الله عليه وسلم (( أنظر إليها)) وهذا نص مطلق ، ولم يأت ما يقيده ، فتتم هذه الرؤية حسب
ما تيسر للخاطب ، ولكن الضابط الوحيد هو دون محاذير شرعية كالخلوة أو مصافحة ، أو نحو ذلك مما حرمه الشرع.
وأفضل الحالات:
التي تتم فيها هذه الرؤية هي أن يذهب الخاطب إلى بيت مخطوبته ويجلس معها بحضور أحد أقاربها ثم يحادثها
بما هو فيه خير وفائدة ليميز مدى أدبها و رجاحة عقلها.
وعلى المخطوبة :
أن تتجمل بشيء معقول من أدوات التجميل وتلبس لباس ساتر يبين كفيها وقدميها
و تمشي بوقار وسكينة دون الحاجة لتكلف و بهرجة . فانتبهي أخيه ( فانظره الأولى هيه التي تعطي
انطباع عنكي فلا تستهيني بها).
هل لرؤية عدد محدد من المرات؟
ينبغي للخاطب أن يعلم أن مخطوبته مازالت محرمة عليه ، فلا يجوز له أن يخلو بها ولا مصافحتها ؛ لأن الشرع
لم يرد بغير النظر فله أن ينظر إليها وأن يردد النظر إليها ويتأمل محاسنها ؛ لأن المقصود لا يحصل إلا بذلك لكن
على أن يكون هذا النظر من غير تلذذ وشهوة ولا لريبة وإن كان خجلاً ولم يستطع النظر إليها في المرة الأولى
فله أن يطلب أن ينظر إليها مرة ثانية وتكون مجزئة .
فوائد الرؤية الشرعية ؟
دوام المودة والمحبة بين الزوجين .
اجتناب كل من الزوجين العيوب التي كرهها من الآخر.
متابعة سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
إتمام الزواج على بينه وعدم اللوم الآخرين .
وهذا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين