( أعظم الخطب بلاغة أن تسافر عبر العالم ، وأن تتأمل البحار)..
- أبو الدرداء –
بدأت إجازة الصيف لتعيد ترتيب الناس في الأرض ..
كثير منهم يسافرون عبر العالم ، علهم يعثرون على طريقة جديدة تصنع السعادة !
أما أنا فمقيم هاهنا لا أبرح !
وكيف ! ولمْ يأذن الله في سفري؟!
وما أهمّني هذا في شيء ، سوى أنني لا أقدر على أن أكحّل عيني بمكة والمدينة..
فضلا عن الثالثة السجينة ..
..
ولماذا أسافر.. وأنا في كل يوم أهاجر !
العالم كله أضيق من المسافة التي بيني وبين قلبي ..
العالم مهما اتسع فلن يعدو أنه شيء ..
وهيهات أن تنافس الأشياءُ الأفكارَ والمعاني..
وما اكتسب العالم أهميته إلا من حيث كونه مخلوقاً مؤمناً ساجدا لربه ..
وأن جماله مصدر للإيمان والأفكار المؤمنة..
لم يعد عندي حاجة ملحّة إلى جماله بعد أن ذقت من نبع حب لا ينفد ..
فالحب يبدأ بحب الجمال .. ويستمر بجمال الحب ..
..
العالم رحب وجميل .. ولكنه أقل من تطلعاتي !
فما أتطلع إلا إلى عالم عرضه السماوات والأرض ..
فثمة كان موطن أبي ..
لقد كان أبي جديداً على الوجود..
فصدَّق قسم إبليس وأكل من الشجرة..
لم يكن يحسبُ أن هناك من يقسم بالله كاذباً!
وهبط أبي إلى الأرض حاملا معه ذكريات السماء..
هبط إلى الأرض وعينه على جنته، وغادرتُ معه جنتي..
وها أنذا على الأرض كنسر طريح على السفوح..
لم تُفسد السفوح منه الطموح..
فلا يزال يَحلُم أن يُكحّل عين جنته بريش جناحه المنثور!
..
عاجز أنا عن السفر في الأرض..
وما عجزت عن السفر إلى السماء!
فقد عرج المصطفى من الأرض إلى السماء..
ثم هاجر من مكة إلى المدينة..
ومنه تعلّمنا كيف نهاجر على كافة المحاور ..
..
عاجز أنا عن السفر في الأرض !
وما عجزت عن السفر خارج الحدود الطبيعية لقلبي!
فروحي لا تزال في سفر دائم إلى موطن أبي ..
وإلى مكة والمدينة..
والثالثة السجينة ..
***