يحرص الجميع فى شهر رمضان الكريم على أداء العبادات من صيام وصلاة ومواظبة على تلاوة القرآن، ويسود الحب والرحمة والتعاون والتسامح جميع المعاملات.فالكل يهرع لمساعدة المحتاجين وتقديم العون للفقراء والمساكين، ويبرز التكافل الاجتماعى فى أسمى معانيه، وهذا هو السلوك الحقيقى الذى يجب أن يكون عليه المسلمون.
ولكن بعد إنتهاء الشهر الكريم تتبدل سلوكيات الكثيرين، لتعود إلى ما كانوا عليه من تهاون وتفريط. فما هى أسباب ذلك، وكيف تصبح الاستقامة نهجنا طوال العام. هذا ما يطرحه العلماء فى هذا التحقيق:
من الملاحظ أننا نكون أفضل حالا فى عبادتنا لله فى رمضان عن غيره من الشهور، من المواظبة على أداء الصلوات فى جماعة وفى أوقاتها والمداومة على قراءة القرآن.
وتخصيص وقت لذلك هذا ما يؤكده د.نصر فريد واصل مفتى الديار المصرية سابقا ويضيف قائلا كما نلاحظ الإقبال الكبير على الأعمال الصالحة والإنفاق فى سبيل الله كإخراج الزكاة وتقديم الصدقات للفقراء والمساكين.
وفى إطار المعاملات يشهد الشهر الكريم تحسنا كبيرا بين الناس حيث الرحمة والمودة والعفو والصفح، فيحاول كل مسلم أن يكظم غيظه إذا ما حدث ما يضايقه حفا صيامه.
وهذا بلا شك شئ طيب ومن صميم المنهج الإسلامى ولكن للأسف الكثير منا يغير هذه السلوكيات ويتكاسل عن أداء الفرائض والعبادات بعد انتهاء الشهر الكريم وكأننا أمرنا بالإلتزام فقط فى هذا الشهر.
فعلى المسلم أن يعلم أن رب رمضان هو رب بقية الشهور، وأن القرآن الكريم منهج للحياة فى رمضان وغيره وأنه مطالب بالالتزام بتعاليم هذا الدين الحنيف، والسير على خطاه طوال حياته وبانتهاج سلوك رمضان من عبادات ومعاملات فى بقية شهور السنة واتخاذ هذا الشهر الكريم بداية نحو إصلاح واقعنا المؤسف مع الله سبحانه وتعالى.
الحفاظ على العهد
ويشاركه د.مصطفى عمارة الأستاذ بجامعة الأزهر الرأى موضحا أن الاستقامة على ما كنا عليه فى رمضان أمر مهم للغاية والرسول صلى الله عليه وسلم حينما سئل فى ذلك قال قل: {آمنت بالله ثم استقم}.
والاستقامة تعنى الالتزام بمنهج الله وشرعه وهى ليست بالأمر الهين، ولا يطيقها الذين يتخذون التقوى شعارا لهم، لذلك قال الإمام النووى: (الاستقامة درجة عالية لا يطيقها إلا أكابر القوم وهى تعنى المسلمين حقا).
والمسلم يحافظ على العهد الذى أخذه على نفسه فى رمضان، من الصلاة فى المسجد والقيام بين يدى الله ليلا وقراءة القرآن وحسن الأخلاق. وقد أمرنا الله عز وجل بالوفاء بالعهد.
كما قال سبحانه: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم}، والذين ينكثون فى عهدهم هم الخاسرون فى الدنيا والآخرة كما أخبرنا بذلك ربنا فى قوله:{من نكث فإنما ينكث على نفسه}.
وإذا كان الصيام فى رمضان يستوجب من المسلم أن يكون مراقبا لربه فى صيامه وفى سره أو علانيته فهو لا يطعم طعاما ولا يشرب شرابا حتى لو لم يره أحد فهذا يستوجب منه أن يظلم صاحبا لعنصر المراقبة طول عامه وحياته كلها موقنا أن الله سبحانه وتعالى يراه ويراقبه.
ولما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإحسان قال: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فعلينا الالتزام بالعهد مع الله عز وجل بعد رمضان وفى بقية شهور العام، وأن نضع مراقبته سبحانه وتعالى نصب أعيننا لنسير على المنهج والطريق المستقيم.
نقصان الإيمان
د. جمال المراكبى الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية يقول:علينا أن نحمد الله الذى هدانا وبلغنا رمضان ووفقنا لصيامه وقيامه إيمانا واحتسابا {من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه}.
وآن لنا أن نفرح بهذا الخير العميم وقد انقضى وقت العبادة وحان وقت الجزاء للصائم.فرحتان إذا أفطر فرح بفطره وإذ لقى ربه فرح بصومه فأعطانا الله يوما نفرح فيه لمنته علينا أن هدانا للطاعة ثم قبلها منا وأثابنا عليها، وختمها لنا بعيد نفرح فيه ونسعد.
وقد رحل عنا رمضان، يحمل فى طياته صكوك المغفرة من الله لعباده المؤمنين الصائمين القائمين طوبى لعبد دخل فى طاعة ذى الجلال والإكرام خوفا وطمعا، فشملته الرحمة وأدركته المغفرة، وتعسا لعبد أدرك رمضان فأعرض عن ربه وأقبل على شهوات نفسه واتبع هواه، فلم يغفر الله له (بعد عن الله من أدرك رمضان ولم يغفر له).
فهذا الشهر المبارك شاهد لنا أو علينا بما أودعناه فيه، فهل تأسينا بالنبى صلى الله عليه وسلم وبالسلف الصالح، وهل أخذنا بأسباب القبول بعده، وهل أتبعنا الحسنة بالحسنة أم أتبعناها بالسيئة، ولا نكون كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا: نتخذ إيماننا دخلا بيننا هل عزمنا على الاستقامة وعلى الطاعة والبعد عن المعصية؟.
إن الإعراض عن الله وعن عبادته دليل على نقصان الإيمان وضعف العزيمة، فيجب علينا أن نراقب الله وأن نستقيم إليه فى جميع الأوقات، وأن نتقرب إلى الله بالأعمال الصالحات، فى جميع الشهور والأزمان.
خالية من الغش
أما د. محمد سعيد عرام عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع الزقازيق السابق فيقول: جاء رمضان بخيره وبركاته، وعشنا أيامه سعداء بتوفيق الله لنا أن قوانا فصمناه مؤمنين محتسبين وقمنا لياليه للتراويح مصلين، ولكتاب الله الكريم تالين عملا بقول قدوتنا وأسوتنا حبيبنا وشفيعنا سيد المرسلين.
وبعد أن طهر القلب وهذبت النفس، وأنفق المسلم الصائم ما استطاع من ماله، ابتغاء المثوبة من مالك الملك واهب النعم، وانتهى رمضان وقد غفر الله له ما أقترفه من ذنوب وآثام ماذا تبقى؟.
لقد كان رمضان بحق للمسلم سوقا للربح الوفير من خزائن الجود والكرم الإلهى، وعشناه مراقبين لله وللنفس محاسبين خائفين وجلين، مقبلين على كل ما يقرب بيننا وبين عفو رب العالمين، حتى اعتادت النفس فعل الخيرات والإقبال على الطاعات وصار ذلك لها طبعا.
فعلينا ألا نفرط فيما اكتسبناه، أو نتكاسل عما فى رمضان من عمل صالح اعتدناه، ليكن التسامح شيمتنا بعد رمضان، وأن نعفو عن الزلات وننسى الإساءات، وأن تكون القلوب دائما طاهرة خالية من الغش والغل والأحقاد، غير متعالية ولا متكبرة على عباد الله، وأن تكون النفوس سخية والأيدى معطاءة كما تعودت فى رمضان، ويجب أن نسير على الصدق فى أقوالنا وأعمالنا.
عبادة طوال العام
د.رضا شعبان جاد الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بطنطا يرى أن هناك طفرة إيمانية كبيرة تحدث فى شهر رمضان وهذا يعود لفضل الصوم على الإنسان فى نهار رمضان والقيام فى لياليه.
فالصوم يكون دافعا للإنسان للسير فى طريق الإيمان والابتعاد عن المعاصى فتجده يتقرب من الطاعات وأفعال الخير بكل أنواعها وهذا شئ طيب فتزيد الألفة والمودة بين الناس ومن خلال الصوم فى شهر رمضان المعظم يسعى المسلم للوصول إلى الهدف من الصيام وهو التقوى.
ولاشك أن الحياة فى رمضان لها شكل خاص فى سلوك المسلمين وكأنهم أمروا بهذا فى رمضان فقط ونسوا أو تناسوا أن رمضان شهر من شهور العام نعم له فضله على سائر الشهور.
ولكن سلوك المسلم المستقيم يجب ألا يتغير بانتهاء شهر رمضان بل عليه أن يستمر بعد رمضان طوال العام فالإنسان تكتب كل أعماله صالحها وسيئها فى رمضان وغير رمضان فعلى المسلم أن يحافظ على سلوكه وأفعاله الطيبة التى انتهجها فى رمضان لتسير معه طول العام وشهر رمضان لابد أن يكون طاقة إيمانية يأخذ منها المسلم فتعينه على طاعة الله.
وما يحدث من بعض المسلمين فى تخصيص شهر رمضان بالطاعات وأداء الفرائض والتقرب إلى الله ثم يضرب بكل هذا عرض الحائط بعد انتهاء الشهر الكريم فهذا ليس هو الإسلام وهذا ليس من سلوك المسلم.
فالمسلم مطالب بأن يعبد ربه طوال العام بل طول عمره وان يجعل كتاب الله وسنة رسوله الكريم نصب عينيه دائما يقرأ ويطبق فعلينا أن نجعل العام كله رمضان بالتقرب إلى الله وأداء الفرائض والعبادات.
المصدر : مجلة اللواء الإسلامي - العدد العدد 1270 - 27 من ربيع الآخر 1427هـ - 25 من مايــــــــــو 2006م - من موقع مصراوي " اضغط هنا للوصول للصفحة "