هل القراءة الشاذة التي تثبت عن بعض الصحابة بسند صحيح في حكم الرواية الشاذة للحديث ؟؟ فكما إذا انفرد ثقة بزيادة لفظ في حديث وخالف جمع غفير من الثقات في ذلك أن لا يقبل ذلك اللفظ الزائد من الثقة , فهل القراءة الشاذة لها نفس الحكم أم ماذا ؟؟ وقد أشار بعض الأصوليين إلى أن من يرفض انفراد الثقة بلفظ يلزمه رفض القراءة الشاذة ؟؟ وطالما رفضت فلا معنى لقبولها عملا دون تلاوة !! فأرجو الترجيح من هذا المنطلق دون التعويل على ذكر مذاهب العلماء في حكم القراءة الشاذة فهو مدون في كتب الأصول ؟ كما قلت سابقا ما حكم الرواية الشاذة أو زيادة لفظة شاذة رواها ثقة عدل ضابط في حديث ما لكنه مخالف لجمع غفير من الثقات ؟؟ هل يجوز نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لفظًا ؟؟ وإذا لم تثبت لفظًا هل يصح الاستدلال بها على حكم ما فقهي مثلا ؟؟؟ الجواب : لا , في كلا السؤالين فهل القراءة الشاذة الثابتة بسند صحيح عن أحد من الصحابة على أنه سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم تعامل معاملة الرواية الشاذة في الحديث فلا تقبل لا تلاوة ولا عملا كما هو مذهب بعض الأصوليين ؟؟ أم تقبل عملا دون تلاوة كما هو مذهب بعض آخر من الأصوليين ؟؟ وما الفرق إذن بين القراءة الشاذة والرواية الشاذة ؟؟؟؟ أرجو أن يكون قد اتضح إشكالي أكثر أخي الفاضل القراءة الشاذة ليست كالزيادة الشاذة التي عند المحدثين فلا بد أولا أن تُعرف ما هي القراءة الشاذة هل هي قرآن أم خبر وزيادة بيان ينقله الصاحبي عن النبي وشذوذها ليست في اللفظ وإنما لمخالفتها الرسم العثماني أبشر بالذي يروي غليلك في المسألة أنقله لك من كلام الشيخ وليد السعيدان حفظه الله حيث قال في كتابة القيم جدا ( أصول الفقه في سؤال وجواب ) : س94) هل القراءة الشاذة حجة ؟ وضح ذلك بالأدلة والفروع ما استطعت إلى ذلك سبيلا ؟ ج) أقول :- عرف العلماء القراءة الشاذة بأنها ما نقل آحادا ، وصح سندها ، وخالفت رسم المصحف العثماني ، وعليه :- فالراجح عندنا والله أعلم هو أن القراءة الشاذة هي بعينها القراءة الآحادية ، فهما قسم واحد ، وهو مذهب الجمهور ، وبه تعلم أن القراءة الشاذة تختلف عن القراءة المتواترة في أمرين :- أولا :- أنها نقلت آحادا ، وأما المتواترة فقد نقلت بالتواتر ، الثاني :- أنها خالفت خط المصحف العثماني ، وأما المتواترة فقد وافقت الرسم العثماني ولو من وجه صالح في لغة العرب ، فإذا نقلت القراءة نقلا آحاديا، وخالفت الرسم العثماني فإنها توصف بأنها شاذة ، وهل هي حجة أو ليست بحجة ؟ هذا من مواطن النزاع بين أهل العلم رحم الله تعالى أمواتهم وثبت أحياءهم على الحق، والقول الصحيح عندنا والرأي الراجح المليح هو أنها حجة ، يجب العمل بها لكن بشرط صحة سندها للصحابي المنقولة عنه ، وهو قول الجمهور من الحنابلة في المشهور عنهم والحنفية وقول في مذهب الشافعية ، وقال به من الأصوليين :- السرخسي ، وابن الهمام, والسبكي وابن اللحام ، وابن قدامة ، والفتوحي الحنبلي ، وعليه فنقعد في ذلك قاعدة ونقول ( القراءة الشاذة حجة إذا صح سندها ) والدليل على ما رجحناه عدة أمور :- منها:- أن الناقل لها صحابي والصحابة كلهم عدول ثقات أثبات ، لا مطعن فيهم ، فهم مرضيون صادقون فيما ينقلونه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيجب قبول ما نقلوه من هذه القراءة كما يجب علينا قبول سائر ما نقلوه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صح السند إليهم ، فمن فرق في القبول عنهم بين منقول ومنقول فقد فرق بين متماثلين ، وهذا ممنوع ، ومنبع هذا الدليل هو ما نسميه بالإلحاق بنزع الفارق ، أي أن هذا الصحابي قد نقل لنا عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحن قبلنا منه هذا النقل ، وهذه القراءة الشاذة هي من جملة ما نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فنقله لها كنقله سائر ما حدث به وقبلناه ، فكما أننا قبلنا الأول فلنقبل الثاني إذ لا فرق بينهما ، وهذا حق ، ومنها :- أن الناقل لها - أي لهذه القراءة - يخبر إخبار الجازم بأنها مما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي إن لم تكن قرآنا فلا تخلو أن تكون خبرا ، فلا تخرج عن كونها مما سمعه الصحابي منه صلى الله عليه وسلم ، فإذا بطل كونها من القرآن لمخالفتها لرسم المصحف العثماني ، فهي خبر آحاد سمعه الصحابي من المعصوم عليه الصلاة والسلام ، وخبر الآحاد حجة كما رجحناه في موضع آخر ، وعليه :- فالقراءة الشاذة حجة كيفما كان الأمر ، فهي إن ثبت أنها من القرآن فالقرآن كله حجة ، وإن لم تثبت أنها من القرآن فهي حجة أيضا لأنها خبر آحاد صحيح ، وقد تقرر في القواعد أن خبر الآحاد الصحيح الذي لم ينسخ حجة مطلقا ، فهي إذاً حجة على كل حال ، الثالث :- أننا نجزم جزما قاطعا أكيدا أن ما ينقله الصحابة في مقام الاحتجاج والتشريع إنما هو مما سمعوه لا مما اخترعوه من عند أنفسهم - حاشا وكلا - كيف وهم أكمل الأمة إيمانا وأعمقها علما ، وأشدها تمسكا ، وأحرصها على مصدر التشريع من الكتاب والسنة ، فقد حافظوا على القرآن أشد المحافظة أن يزاد فيه أو ينقص ، وكلهم مقطوع بعدالتهم فلا يجوز ظن السوء بهم ، وهذه القراءة الشاذة يجزم هذا الصحابي الناقل لها أنها مما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أثبتها في مصحفه الخاص به ، وهو يقرؤها على أنها من القرآن ، ويستدل بها في مقام التشريع ، ويحتج بها على المخالف ، فكيف مع ذلك لا تكون حجة ؟ لكننا لا نسلم له أنها من القرآن ، وأما أن نجزم أنها ليست مما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فهذا لا يكون أبدا، لأنه عدل ثقة ثبت صادق أمين فإذا بطلت قرآنيتها فلا تقصر عن أن تكون من أخبار الآحاد وخبر الآحاد الصحيح حجة ، فإن قلت وكيف ينفرد بها الصحابي من بين سائر كتاب الوحي ؟ فأقول :- لعله صلى الله عليه وسلم كان يتلو عليهم الآية ، وكتاب الوحي يكتبون ، وفي ثنايا تلاوة الوحي يتوقف صلى الله عليه وسلم ، لبيان بعض المراد من بعض الألفاظ ، فلعل الصحابي هذا كتب بعض بيان النبي صلى الله عليه وسلم ظنا منه أنه لا يزال يتلو القرآن ، وهذا يدلك على صحة ما قلناه :- من أن هذه القراءة الشاذة إما أن تكون من القرآن وإما أن تكون خبرا سمعه الصحابي من النبي صلى الله عليه وسلم وعلى كل احتمال فهي حجة ، الرابع :- أن المتقرر عند الأصوليين أن انتفاء الأخص لا يستلزم انتفاء الأعم ، فهذه القراءة الشاذة فيها عموم وخصوص ، فأما عمومها فهي لا تخرج عن أن تكون خبرا سمعه هذا الصحابي من النبي صلى الله وسلم ، وأما خصوصها فهي أن تكون قرآنا، فإذا بطلت قرآنيتها فقد انتفى الأمر الأخص ، ولكن بقي الأمر الأعم وهي أنها من الأخبار التي سمعها الصحابي منه صلى الله عليه وسلم ، وانتفاء الأخص لا يلزم منه انتفاء الأعم ، فنحن نسلم لكم بطلان كونها من القرآن ، لكن لا نسلم لكم بطلان كونها من الأخبار المسموعة منه صلى الله عليه وسلم الخامس :- أن هذه القراءة لم تخالف معنى ثبت في القرآن ، فإنها لم تأت بمعنى يخالف ما في كتاب الله تعالى ، وإنما هي أضافت بيانا جديدا لمجمل ورد في الآية ، فلا تكون شاذة بالمعنى المشهور عند المحدثين ، من مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه ، لأن الصحابي لم يخالف الثقات بما أثبته من هذه القراءة وهذا معلوم بالاستقراء لهذه القراءات الشاذة ، وإنما نحن وصفناها بالشذوذ لأنها خالفت الرسم العثماني فقط ، فهي شاذة لمخالفة الرسم لا لمخالفة المعنى ، وهذا لا يوجب ردها ، لأن قصاراها أنها خبر صحيح من صحابي ثقة أمين عدل صادق بين به بعض المجملات أو أوضح بها قيدا لبعض الأحكام الواردة في الآية ، ومن المعلوم أن السنة تبين القرآن وتدل عليه وتعبر عنه ، السادس :- أن الصحابي الناقل لهذه القراءة ، يخبر بخبرين :- الأول :- أنها من القرآن ، لأنه نقلها على أنها من القرآن ، الثاني :- أنه قرآن سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحن أبطلنا كونها من القرآن فنكون بذلك قد أبطلنا قوله الأول ، ولكن أين الدليل على بطلان الثاني ، وهو أنها مما سمعه من النبي صلى الله عليه ؟ فإن هذا لا وجود له ، إلا إن كذبناه في قوله أنها مما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، ونعوذ بالله من ذلك ، لأنه لا يصدر من مؤمن يعرف قدر الصحابة وعلو رتبتهم في العلم والدين والإيمان ، السابع :- أنه لا يتصور أن تكون هذه القراءة من مذهب الصحابي الذي أدخله في ثنايا المصحف وأثبته على أنه من القرآن ، واحتج بها على أنها من القرآن وحقيقة الأمر أنها ليست منه ولكنها مذهب له ، هل بالله عليك يمكن أن يكون هذا ، فإن هذا قد لا يتصور من أفسق المسلمين وأبعدهم عن الهدى ، فكيف يقال ذلك في حق الصحابي الناقل لهذه القراءة ، وهذا جواب على من قال :- إنها مذهب له وليست من القرآن ، وهو قول باطل وإن جاء به من جاء بل هو قول مناف لعدالة الصحابة وتوثيقهم ، فاحذر من هذا القول كل الحذر ، الثامن :- أن اشتراط التواتر في صحة القراءة غير مسلم ، بل الحق أن الشرط هو صحة السند ، فما صح سنده من القراءات فهو القراءة الصحيحة وإن لم ينقله إلا الآحاد ، لأن الاشتراط من أحكام الشرع, وقد تقرر أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة ، ولا نعلم دليلا يثبت ذلك وأما دعوى الإجماع عليه فلا تصح ، لثبوت المخالف، وعليه :- فشرط القراءة الصحيحة هو صحة السند ولو آحادا ، وموافقة الرسم العثماني ، وموافقتها للعربية ، وهذه اللفظة الزائدة على الرسم العثماني والتي وردت في القراءة الشاذة قد خالفت الرسم فقط ، ومخالفتها للرسم إنما يبطل قرآنيتها فقط ، ونحن نسلم ذلك ونقول :- ليست من القرآن ، ولكن مخالفتها للرسم لا يبطل كونها خبرا مسموعا من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ما نريد إثباته هنا ، من أن هذه اللفظة الزائدة على رسم المصحف ليست بقرآن لكنها خبر صحيح سمعه الصحابي جازما بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي خبر آحاد وخبر الآحاد حجة ، وبهذه الأدلة تعلم إن شاء الله تعالى أن القول الصحيح والرأي الراجح المليح أن القراءة الشاذة حجة يجب العمل بما فيها ، وأنا في الحقيقة في نفسي شيء منذ زمن قديم من تسمية هذه القراءة بالشاذة ، وأحب جدا أن أسميها بالقراءة الآحادية وذلك لأن الشذوذ من الألفاظ المكروهة المنكرة التي تنفر منها الطباع ولا تعشق سماعها الأذن ولأن الشاذ من القسم الضعيف عند المحدثين ، فخوفا من التباس الأمر على بعض الناس فلا بد من الفصل بين ذلك وبين ما نريده من الكلام في هذه المسألة ، ولأن لفظ الشذوذ يجمل في طياته معنى المخالفة وهذه القراءة لم تخالف شيئا مما ثبت به النقل ، وإنما أضافت بيانا جديدا من صفة أو شرط أو قيد، فليس فيها معنى الشذوذ حتى تسمى به ، وهذه خاطرة قد لا يقبلها إخواني من أهل العلم لكنها في نفسي فأحببت أن أعرضها عليك لتنظر وتفكر فيها وتتأمل في أبعادها ، والله ربنا أعلى وأعلم