الذين لهم أدنى إلمام بسقوط الحضارات و قيامها يُجمعون على أن النفس
البشرية هي وحدها التي تنسج خيوط مستقبلها أو تنكثها ، و هي التي
ترسم لوحاتها و تلونها ، و تلقي بظلالها على الواقع المعيش.. و هذه سنة
من سنن الله المبثوثة في الأنفس و الآفاق ؛ لا تتبدل و لا تتغير على مر
الأزمنة و الأطوار ..
فالمسلمون ما انحسر وجودهم ، و غاب حسهم من المحافل الدولية حتى
صاروا كالأيتام على موائد اللئام ؛ إلا جراء انشغالهم بالجدل و المراء
الذي نهانا عنهما الإسلام بشدة و لو كنا محقين ، حفاظا على وحدة
القلوب و المشاعر و لو بأخطاء ؛ ما دامت لا تمس بأصول الدين ..
لأنّ الإسلام يعلم ما يفسد النفس البشرية مما يصلحها ، فكما أن الحسد
اعتبره الحالقة التي تحلق الدين ، كذلك جعل النفس المريضة ابتداءً هي
سبب سقوط الجدار و تهريه .. فمن لم يزد وجوده وجودا فهو في هذه
الأرض زائدٌ بوجوده..
" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ؛
فكم تمر علينا هذه الآية و نحن عنها غافلون ؛ لم نفقه بعد مراميها ، بل
خالفناها بأعمالنا و أحوالنا ، فالكل يتغنى بالتغيير ، و الكل يتكلم عن
عوامل البناء ، و لكن الأغلبية الساحقة تحمل في طياتها معاول التهديم
بسلوكاتها القاتمة التي لا تكاد ترى فيها مسحة الإسلام إلا بعض
الرسومات و الأشكال التي لا تقدم شرو نقير لهذا الدين في ميادين
التغيير..
فماذا تجدي إذن الشعارات المزخرفة ، و الإدعاءات الكاذبة ، و نحن
جسومنا لا تزال تحمل أشواكا و أغلالا مقفلة ؛ إن في الأرواح أو في
الأفكار.. في الوقت الذي طالت فيه ألستنا و صرنا لا نجيد إلا فنون
الجدال و تنميق الكلام !!!! فهذه الشعارات التي نرددها صباح مساء ،
لا تعدو أن تكون أحلاما وردية تزيد النائم نوما ، و المتكل اتكالا ؛ نوهم
بها ضعفنا ، و نسلي بها غُربتن !! تماماكالذي يحمل راية الإسلام بلسانه و
راية الإسلام منكوسة في قلبه !! فمن لم يُقم الإسلام في نفسه من المحال أن
يقيمه على الواقع بمجرد الهتاف أو الوصف ! فما علمنا يوما النداء
ينجي الغرقى !
نعم ، هذا هو حالنا بلا مداراة و لا مواراة ؛ نريد أن نتحدى الزمان
بأفكار محبوسة على الأوراق .. نريد أن تحدى الزمان و المكان بأوهام
نسجناها بخيوط واهية و في أبراج عاجية !!!
و بالمقابل تركنا باحات و حقول العمل شاغرة يتحكم فيها أعداؤنا
يصولون و يجولون فيها و بكل حرية !!!!
كتبها / محمد الزين47 .