حديث : (الحمد لله الذي أسعد أمتي وأشقاك) مكذوب لا أصل له
السؤال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (الحمد لله الذي أسعد أمتي وأشقاك إلى يوم معلوم) قال له إبليس اللعين : هيهات ، هيهات .
الجواب : الحمد لله
الحديث المذكور في السؤال هو جزء من قصة منتشرة في المنتديات ومواقع الإنترنت ، قصة طويلة يزعم واضعها أن حوارا طويلا دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين إبليس اللعين في بيت أحد الأنصار ، يزعم فيه إبليس أن ملكا من الملائكة جاءه من عند الله يأمره أن يذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويخبره بأمور مهمة وإلا أفناه الله عز وجل وجعله رمادا .
وهي قصة مكذوبة موضوعة ، علامات الكذب فيها ظاهرة ، ولم يروها أحد من أهل العلم ، ولا توجد في شيء من كتب السنة ، اللهم إلا ما رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (3/289ـ290) في ترجمة محمد بن مزيد الخزاعي المعروف بابن أبي الأزهر .
ومن طريق الخطيب أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/386)
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال :
" بينا نحن بفناء الكعبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ، إذ خرج علينا مما يلي الركن اليماني شئ عظيم كأعظم ما يكون من الفيلة ، قال : فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : لُعنت ، أو قال خُزيت - شك إسحاق - قال : فقال علي بن أبى طالب عليه السلام : ما هذا يا رسول الله ؟ قال : أو ما تعرفه يا علي ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : هذا إبليس . قال : فوثب إليه ، فقبض على ناصيته وجذبه ، فقال : يا رسول الله أقتله ؟ قال : أو ما علمت أنه قد أجل إلى يوم الوقت المعلوم ؟ قال : فتركه من يده ، فوقف ناحية ثم قال : ما لي ولك يا ابن أبي طالب ، والله ما أبغضك أحد إلا وقد شاركت أباه فيه ، اقرأ ما قال الله تعالى : (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ) .
وقال ابن الجوزي : " هذا حديث موضوع " انتهى .
وقال السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (1/367ـ 368) وقال : " موضوع ، وضعه إسحاق بن محمد النخعي " انتهى .
ومن تأمل في الحوار المزعوم بين النبي صلى الله عليه وسلم وإبليس اللعين عرف ما فيه من الكذب والنكارة ، وذلك أنك تجد فيه :
تسليم إبليس على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه : وليس ذلك من فعل الشياطين.
وذكر أنه يستحيي من عثمان بن عفان : وإبليس لم يستحيي من الله تعالى حين أمره بالسجود فأبى ، فكيف يستحيي من بشر !
وذكر نزول قوله تعالى : (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ) في برصيصا الراهب ، ولم يثبت ذلك في تفسير الآية ، بل ولم تذكره أمهات كتب التفسير أصلا .
وفيه الحلف بالطلاق : وهو لم يكن معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
وفيه عرض النبي صلى الله عليه وسلم على إبليس التوبة ووعده له بالجنة إن فعل : وهذا أمر منكر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الله قضى في كتابه بدخول إبليس النار وخلوده فيها .
وفيه تسبيح إبليس في آخر الحديث : وليس ذلك من فعل الشياطين .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله سؤالا :
عن قصة إبليس وإخباره النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد مع جماعة من أصحابه ، وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم له عن أمور كثيرة ، والناس ينظرون إلى صورته عيانا ، ويسمعون كلامه جهرا ، فهل ذلك حديث صحيح أم كذب مختلق ؟ وهل جاء ذلك في شيء من الصحاح والمسانيد والسنن أم لا ؟ وهل يحل لأحد أن يروى ذلك ؟ وماذا يجب على من يروى ذلك ويحدثه للناس ويزعم أنه صحيح شرعي ؟
فأجاب :
"الحمد لله ، بل هذا حديث مكذوب مختلق ، ليس هو في شيء من كتب المسلمين المعتمدة ، لا الصحاح ولا السنن ولا المسانيد ، ومن علم أنه كذب على النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يرويه عنه ، ومن قال إنه صحيح فإنه يُعلم بحاله ، فإن أصر عوقب على ذلك ، ولكن فيه كلام كثير قد جُمع من أحاديث نبوية ، فالذي كذبه واختلقه جمعه من أحاديث بعضها كذب وبعضها صدق ، فلهذا يوجد فيه كلمات متعددة صحيحة ، وإن كان أصل الحديث وهو مجيء إبليس عيانا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة أصحابه وسؤاله له كذبا مختلقا ، لم ينقله أحد من علماء المسلمين" انتهى .
"مجموع الفتاوى" (18/350)