هل يقدم الجرح على التعديل دائما ؟
السؤال: هل هذه القاعدة صحيحة ، وهي : أن الجرح مُقدَّم على التعديل ، وهل هذه القاعدة في رواة الحديث فقط ؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب : الحمد لله
قليلة هي القواعد المطردة اطرادا كليا ، بحيث لا ينخرم لها مثال ، وفي علم الجرح والتعديل وعلم الحديث خاصة يقرر العلماء أن القواعد فيه إنما هي مبادئ مجملة تحتاج إلى كثير من القيود والضوابط ، ويفلت منها كثير من الحالات ، حتى قال بعضهم : أقيموا لكل حديث دولته ورجاله.
وللعلماء في حال تعارض الجرح والتعديل في الراوي الواحد طريقة خاصة تشتمل على كثير من القواعد والضوابط التي توصل إلى الحكم الأقرب إلى الصواب في هذا الراوي ، ولهذه الضوابط أمثلة عملية كثيرة ، وكتب مختصة في شرحها وبيانها ، ولكننا ننقلها هنا مختصرة عن بعض المختصين في علوم الحديث .
يقول الدكتور الشريف حاتم العوني:
" عند تعارض الجرح والتعديل أسير على الخطوات التالية :
الخطوة الأولى : التثبت من أن التعارض حقيقي ، ليس وهمياً . ويتم ذلك من خلال النقاط التالية :
أولاً : التثبت من صحة القول المعارض ( جرحاً أو تعديلاً ) ، فقد لا يثبت ذلك القول ، فلا يكون هناك تعارض أصلاً . ومن أسباب عدم ثبوت القول في الجرح والتعديل : أن يكون صادراً ممن لا يقبل قوله في الجرح والتعديل ( كالأزدي أبي الفتح )، وأن يكون إسناد ذلك القول المعارض لا يثبت إلى ذلك الإمام . وأن يكون من نقل القول المعارض قد أخطأ في نقله لتلك العبارة في حق ذلك الراوي .وأن يكون الإمام الجارح أو المعدل نفسه قد أخطأ فجمع راويين متفرقين ، أو فرق واحداً فاختل حكمه على الراوي بسبب ذلك . وأن يكون الجرح أو التعديل مفسراً بما لا يصح معه الجرح أو التعديل . كمن جرح بركوب البرذون ، ومن عدل بحسن الهيئة واللحية . وكمن جرح بحديث ظنه خطأ وهو صحيح ، أو بحديث في إسناده من هو سبب الخطأ أو النكارة غير الذي جرح .
ثانياً : أن يكون الجمع بين الأقوال المتعارضة ممكناً بغير تعسف : وهذا الجمع يحتاج إلى علم عميق بألفاظ الجرح والتعديل ومراتبها وطرائق استخدام الأئمة لها .
ومن الأمور التي يجب مراعاتها عند هذا الجمع ، ما يلي :
1- مراعاة سياق الكلام الذي ذكرت فيه تلك العبارة ، إذ قد يكون الجرح أو التعديل نسبياً :
كمن ضُعف في بلد دون بلد : كمعمر بن راشد .
ومن ضُعف إذا حدث عن إقليم دون إقليم : كإسماعيل بن عياش وفرج بن فضالة .
ومن ضُعف إذا روى عنه أهل إقليم دون إقليم : كزهير بن محمد التميمي .
ومن ضعف أو وثق في شيوخ معينين : كسفيان بن حسين وجعفر بن برقان في الزهري .
من ضُعف عقب حديث أخطأ فيه ، أو وثق عقب حديث وافق الثقات فيه .
من ضُعف لبدعته ( لا لأمر آخر ) ممن كان مذهبه التشديد في حكم رواية المبتدع .
من ضُعف في وقت دون وقت كالمختلط .
من ضعف إذا حدث من حفظه ، ووثق إذا حدث من كتابه .
من ضعف عندما قرن بمن هو أوثق منه ، أو وثق عندما قرن بمن هو أضعف منه .
2- مراعاة شمول عبارات الجرح والتعديل عند الأئمة المتقدمين لمعانٍ ومراتب متعددة ، خلافاً للمتأخرين .
3- مراعاة الاصطلاحات الخاصة لبعض الأئمة .
ثالثاً : التثبت من أن الجرح أو التعديل خرج من قائله بإنصاف ، وأنه لم يكن بسبب اعتداء في البغض أو غلو في المحبة ؛ إذ إن أئمة الجرح والتعديل وإن كانوا أئمة الورع والنزاهة وأعظم الناس إنصافاً ؛ إلا أنهم ليسوا معصومين .
الخطوة الثانية : الترجيح :
1- يقدم الجرح إذا فسر بجارح ( أما إذا فسر بغير جارح فيرد كما سبق ) ؛ إلا في حالات قليلة يظهر فيها خطأ الجارح ، من خلال توارد قرائن متتابعة تدل على خطئه .
2- أما إذا كان الجرح مبهماً غير مفسر ، فإن الأصل تقديمه على التعديل ؛ لأنه إذا صدر من عارف بأسباب الجرح والعديل فالغالب والأصل أنه لم يجرح إلا بجارح ، ومادام أنه كذلك لزم تقديمه على التعديل ؛ لأن مع الجارح زيادة علم .
3- لكن يمكن أن نقدم التعديل على الجرح المبهم إذا لاحت قرائن تدل على قوة التعديل على الجرح المبهم .
ومن هذه القرائن :
كثرة عدد المعدلين .
جلالة المعدل وزيادة علمه على علم الجارح .
إنصاف المعدل في مقابل تشديد الجارح .
أن يكون المعدل معاصراً للمتكلم فيه ، خلافاً للجارح .
أن يكون المعدل بلدياً للمتكلم فيه ، وليس كذلك الجارح .
قوة عبارة التعديل ووضوحها .
الخطوة الثالثة : التوقف : عند عدم وجود مرجح ، وعند تكافؤ الأقوال ، بعد العجز عن جميع المراحل السابقة " انتهى باختصار.
" التأصيل لعلم الجرح والتعديل " (24-33) دار عالم الفوائد. وانظر " ضوابط الجرح والتعديل عند الإمام الذهبي "، محمد الثاني، (ص/587-783)، تحرير علوم الحديث، عبد الله الجديع، (الفصل الخامس).
والله أعلم .