العسكرية الإسلامية .. تراث زاخر عبر التاريخ
المؤلفات الحربية البحرية
صنف المؤلفون المسلمون كثيرًا من المؤلفات التي تهتم بسلاح البحرية الإسلامية، فصنَّفوا في علم الملاحة وفنون البحر وأفردوا للآلات المستعملة في الحروب البحرية والأدوات الضرورية لركوب البحر العديد من المؤلفات، ولا غرْو في ذلك، فقد وضعت الدولة الإسلامية يدَها على شواطئ البحرين الأحمر والمتوسط وكذلك المحيط الهندي والأطلنطي؛ ولذلك عظمت صولتُهم وسلطانُهم عليهم، ولذلك كان لا بُدَّ من إنشاء الأساطيل والسفن البحرية. ومن أهم المخطوطات التي غطَّت جوانب من البحرية الإسلامية كتاب "المترجم الكبير إلى علوم البحر" الذي ألفه أبو معشر المنجم، وكتاب "الرهماني في علوم البحر" تأليف محمد بن شادان.
وهناك من المؤلفات التي خدمت علم البحار خدمات جليلة، كعلم الفلك، فقد ألف كثيرون من علماء الفلك في آلة الأسطرلاب التي تُستخدم في تحديد مسارات السفن، ومن أهم تلك المؤلفات مخطوط "رسالة في عمل الأسطرلاب" تأليف جابر بن حيان الصوفي المتوفى سنة 161هـ، ومخطوط "العمل بالأسطرلاب" لأبي العباس الفضل بين حاتم التبريزي، وقد ألفه للخليفة العباسي المعتضد، وتوجد نسخةٌ منه في مكتبة الإسكوريال تحت رقم 961، ومخطوط "استيعاب الوجوه الممكنة في صنعة الأسطرلاب" لأبي الريحان البيروني، وتوجد نسخةٌ منه في المتحف البريطاني وأخرى بمكتبة المجلس النيابي بطهران.
ومن الآلات التي استُعملت بكثرة في الحروب البحرية المناجيق، وقد كانت تُحمل في سفن الأسطول البحري المسمَّاة الشواني التي كانت تجهَّز بالعدد والآلات وتشحن بالنفطية والأزودة والمنجنيقات وتزوَّد بها القلاع والأبراج. وقد أُلِّف في المناجيق الكثير من المؤلفات، أهمها مخطوط "الأنيق في المجانيق" تأليف ارتبغا الزردكاشي، والذي قدمه للأمير شمس العلاء منكلي سنة 867هـ، ويتألف الكتاب من 109 صفحات، وفيه حوالي خمسمائة رسم، وتوجد نسخة منه بدار الكتب المصرية، ونسخة مصورة بمعهد المخطوطات العربية، وقد طُبع هذا الكتاب في حلب سنة 1985م.
مؤلفات في الحيل الحربية
أدرك المسلمون أهمية الحِيَل ليس في السياسة فقط بل في الحروب أيضًا، والباحث في فهارس المخطوطات يجد الكثير من تلك المؤلفات، منها على سبيل المثال "التذكرة الهروية في الحيل البحرية" تأليف أبي الحسن علي بن أبي بكر بن علي الهروي المتوفى سنة 611هـ/ 1214م، وتوجد نسخة في دار الكتب المصرية، ونسخة مصوَّرة بمعهد المخطوطات العربية. وكذلك كتاب "الحيل في الحروب وفتح المدائن وحفظ الدروب" لمؤلفه محمد بن منكلي الشمس المصري، وتوجد منه نسختان بخزانة آيا صوفيا بتركيا ونسخة في متحف ليدن، وأخرى مصورة بمعهد المخطوطات العربية.
وهناك من المؤلفات التي تحدثت عن فنون الحرب الكثير، ومنها مخطوط "فن الحرب" لمؤلفه محمد بن منكلي، وهو يتحدث عن سياسة الصنائع الحربية، ومخطوط "تفريج الكروب في تدبير الحروب" لأبي عبد الله محمد بن محمد الرشيدي والمحفوظ بمعهد المخطوطات العربية، وكتاب "كشف الكروب في معرفة الحروب" لمؤلفه عماد الدين موسى بن محمد اليوسفي المصري سنة 759هـ، وقدمه للملك الظاهر جقمق، وتوجد نسخةٌ منه في المتحف الحربي بالقاهرة.
وقد تناولت هذه المؤلفات الأمور التي يجب أن يلم بها الجنود المسلمون في المواقف المختلفة وبالأسلحة المختلفة؛ حتى يكون الجندي عند شدائد الأمور -كما يذكر ابن منكلي في كتابه "الحيل في الحروب"- أروغ من ثعلب، وأثقف من هر، وأشد احتراسًا من سلحفاة، وعند فرصته أخطف من باز خطوف. كما تحدثوا عن التدريبات المختلفة التي يجب أن يتدرب عليها الجنود، والحِيَل التي يجب أن يلمَّ بها المقاتل؛ حتى يتمكن من أن يقيَ نفسه من جميع الضربات، كما تحدث هؤلاء الكتَّاب عن المواقف المختلفة التي تواجه المقاتل أثناء القتال، والحِيَل التي يمكن بها التخلص من تلك المواقف الحرجة، فيقول ابن منكلي في كتاب الحيل في الحرب، مخاطبًا الجنود: عليك أن يكون نظرك إلى العدوِّ، وإياك أن تشغل قلبك وبصرك لغير سلاح عدوك ووجهته.
مؤلفات عن الخيل والفروسية
لم يغفل الكتَّاب الحديث عن الخيل وما يؤدي إلى قيامه بمهامه على أكمل وجهٍ لاعتماد الحروب في العصور الوسطى عليه، ومن أهم المؤلفات التي تحدثت عن الخيل والفروسية مخطوط "صفة السرج واللجام" لأبي بكر محمد بن الحسن الأزدي المتوفى سنة 1345هـ وقد طُبع في لندن سنة 1859م، وكتاب "تميمة الأجياد في الصافنات النجباء الجياد" لمؤلفه القادري عبد القادر بن عربي، ومخطوط "النفحات المسكية في صناعة الفروسية" لمؤلفه السيد أحمد الحموي الحنفي المتوفى سنة 1142هـ/ 1729م، وقد حقَّقه عبد الستار القرغولي ببغداد سنة 1950م.
التعبئة والشئون المعنوية
الباحث في فهارس المخطوطات يجد الكثير من تلك المؤلفات التي تقوم بالجانب التعبوي والتعبئة تضم الجنود والقادة، ومن أهم المؤلفات التي عالجت هذا الجانب مخطوط "التدبيرات السلطانية في سياسة الصنائع الحربية" لمحمد بن محمود بن منكلي، ولا نستطيع أن نغفل الجانب الإيماني والتعبئة الروحية للجنود مثلاً في الحثِّ على الجهاد، فهذا الجانب لا يقل أهميةً عن المجال العسكري. ونذكر من هذه المؤلفات كتاب "الجهاد" للعلامة المجاهد السلمي أبو الحسن علي بن مسلم الدمشقي، وهو من محدِّثي دمشق الذي شهد أواخر عمره دخول الصليبيين بلاد الشام، والكتاب مقسَّمٌ إلى اثني عشر جزءًا، ذكر فيه معارك الإسلام الأولى ودور المجاهدين، مع ذكر الآيات والأحاديث النبوية التي تحضُّ على الجهاد وتُبين مكانة المجاهدين.
وهناك مخطوط بعنوان "أربعون حديثًا في الحث على الجهاد" لمؤلفه ابن عساكر، الذي أراد من خلاله تعبئة الأمة للجهاد ضد الصليبيين، والمخطوط محفوظ بمكتبة الأسد بدمشق. وكذلك مخطوط بعنوان "تحفة المجاهدين في العمل بالميادين" محفوظ بمكتبة إكسفورد لمؤلفه لاجين بن عبد الله الذهبي الحسامي الطرابلسي، وتوجد نسخةٌ منه في متحف برلين، وأخرى بمعهد المخطوطات العربية.
هذه لمحة من تراث حضارتنا الإسلامية، نأمل أن نكون قد وجَّهنا النظر لهذا الجزء المهمل منها.