ملخص
1- خيرية هذه الأمة وفضلها على سائر الأمم. 2- بعض خصائص هذه الأمة. 3- بعض التشريعات الشاقة التي كانت عل الأمم السابقة. 4- واقع المسلمين اليوم. 5- شهادة هذه الأمة على الأمم يوم القيامة.
أولا:
أما بعد:
يا أمة يبس الزمـان وعودها ريـان من نبع النبـوة أملدُ
تسري بأعماق السنين جذوره وتشد أذرعه النجوم فيصعـد
يا أمـة القرآن لـم يذبل على شـفتيك هـذا اللؤلؤ المتوقد
إنها أمة القرآن، أمة الإسلام، أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
هذه الأمة التي فضلها الله عزوجل على سائر الأمم واختصها بكرامات كثيرة في الدنيا ليست لغيرها، وإنما نالت من ذلك مانالته باتباعها لرسولها محمد صلى الله عليه وسلم.
إنها خير الأمم وأكرمها، وحسبنا شهادة الله في كتابه: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ [آل عمران:110]. قال صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: ((إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله)) [الترمذي:3001، وقال حديث حسن].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فضلت على الأنبياء بست لم يعطهن أحد كان قبلي))، وفيه: ((وجعلت أمتي خير الأمم)) [البزار بإسناد جيد].
وهذه الأمة المحمدية العظيمة التي حازت شهادة الخيرية جعل الله لها جملة من الخصائص امتازت بها على غيرها من الأمم.
فمن خصائصها: حل الغنائم.
فقد كانت الأمم قبلنا على ضربين: منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم غنائم، ومنهم من أذن له في الجهاد فكانوا يغزون ويجاهدون ويأخذون أموال أعدائهم ولكن لا يتصرفون فيها بل يجمعونها، وعلامة قبول غزوهم أن تنزل نار من السماء فتأكلها، وعلامة عدم القبول ألا تنزل.
وقد من الله على هذه الأمة ورحمها لشرف نبيها عنده فأحل لهم الغنائم فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَـٰلاً طَيّباً [الأنفال:69]. وفي الحديث عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي)) وذكر منها: ((وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي)) [البخاري ومسلم].
ومن خصائص الأمة المحمدية أن جعلت لها الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل أدركته الصلاة فلم يجد ماء ولا مسجدا فعنده طهوره ومسجده فيتيمم ويصلي بخلاف الأمم من قبلنا فإن الصلاة أبيحت لهم في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع.
وعن عبد الله بن عمر وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ عام غزوة تبوك ـ قام يصلي فاجتمع وراءه رجال يحرسونه حتى إذا صلى انصرف إليهم وقال: ((أعطيت الليلة خمساً ما أعطيهن أحد قبلي))، وفيه: ((وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت، وكان من قبلي يعظِّمون ذلك إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم)) [أحمد وقال الهيثمي رجاله ثقات].
ومن خصائص هذه الأمة المحمدية أن الله وضع عنها الأغلال والأثقال والآصار التي كانت على الأمم قبلها فأحل لها كثيراً مما حرم على غيرها، ولم يجعل عليها في أحكامها عنتاً وشدة كما قال الله: هُوَ ٱجْتَبَـٰكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]. فكانت شريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم أكمل الشرائع وأيسرها وأسهلها، حتى قال عليه الصلاة والسلام: ((إني أرسلت بحنيفية سمحة)) [أحمد].
وفي الحديث الذي رواه أحمد عن حذيفة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((وأحل لنا كثيراً مما شدد على من قبلنا ولم يجعل علينا من حرج)).
وحسبك حتى تدرك رحمة الله بهذه الأمة وتيسيره عليها أن تعلم ما يلي:
1ـ كان بنوإسرائيل إذا أصاب أحدهم البول قرضه بالمقراض، فلا يطهر إلا بذلك، ونحن نكتفي بغسله. [أحمد].
2ـ كان اليهود إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيت. [أي لم يجلسوا وإياها تحت سقف واحد]. ونحن أحل لنا الاستمتاع بالحائض فيما دون الفرج. [مسلم:302].
3ـ كان في بني إسرائيل القصاص في القتلى ولم تكن فيهم الدية فخفف الله عنا بتشريع الدية فذلك قوله تعالى: فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْء فَٱتِبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَـٰنٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مّن رَّبّكُمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة:178].
4ـ كانت بنوإسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنباً أصبح مكتوباً على بابه ذنبه وكفارة ذلك الذنب. [أثر عن ابن مسعود رواه ابن جرير].
5ـ كان صوم من قبلنا من الأمم إمساك عن الكلام مع الطعام والشراب فكانوا في حرج، ورخص الله لنا بحذف الإمساك عن الكلام. [قال ابن العربي وأورد ابن كثير أثراً عن مالك بمعناه].
ومن خصائص هذه الأمة المحمدية أن الله هداها ليوم الجمعة سيد الأيام وخير يوم طلعت فيه الشمس.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوت والكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله فالناس لنا فيه تبع، اليهود غداً والنصارى بعد غد)) [البخاري ومسلم:855].
ومن خصائص هذه الأمة المحمدية أن الله تجاوز عنها الخطأ والنسيان وحديث النفس ما لم تعمل أو تتكلم.
روىأبوهريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به نفسها ما لم يتكلموا أ ويعملوا به)) [البخاري ومسلم:127].
ومن خصائص هذه الأمة المحمدية أنها محفوظة من الهلاك والاستئصال فلا تهلك بالسنين ولا بجوع ولا بغرق ولا يسلط عليها عد ومن غيرها فيستبيح بيضتها ويستأصلها. فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض (أي كسرى وفارس)، وإني سألت ربي ألا يهلكها بسنة عامة وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامـة (أي قحط) وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ول واجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضا)) [مسلم:2889].
ومن خصائص هذه الأمة المحمدية أنها لا تجتمع على ضلالة فهي معصومة من الخطأ عند اجتماعها على أمر، كما أنها لا تخل ومن وجود طائفة قائمة بالحق في كل زمان لا يضرها من خالفها.
عن كعب بن عاصم الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة)) [ابن أبي عاصم وقال الألباني: الحديث بمجموع طرقه حسن].
وعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)) [البخاري ومسلم:1920].
ومن خصائص هذه الأمة المحمدية أن الله قبل شهادتها وجعل أهلها شهداءه في أرضه، فقد جاء في حديث أنس بن مالك أن جنازة مرت فأثني عليه خيراً فقال النبي: ((وجبت وجبت)) ثم مرت أخرى فأثني عليها شراً فقال النبي: ((وجبت وجبت)) فلما سأله عمر عن ذلك قال: ((من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض)) [البخاري:1367، ومسلم:949].
ومن خصائص هذه الأمة المحمدية أن صفوفها في الصلاة كصفوف الملائكة، ولم يكن هذا لأمة قبلها، فقد جاء في الحديث الذي رواه حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قـال: ((فضلنا على الناس بثلاث))، وذكر منها: ((جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة)) [مسلم:522].
ثانيا:
أما بعد:
ومن تمام شرف هذه الأمة أن الله اختصها بخصائص في الآخرة كما اختصها بخصائص في الدنيا.
فمن هذه الخصائص الأخروية أن الأمة المحمدية تأتي يوم القيامة غراء محجلة من آثار الوضوء وبهذه الصفة يعرف النبي صلى الله عليه وسلم أمته من غيرهم عندما يكون منتظرهم على الحوض، قال ابن حجر رحمه الله: ثبت أن الغرة والتحجيل خاص بالأمة المحمدية. [11/458].
وحين قال عليه الصلاة والسلام: ((وددت أنا قد رأينا إخواننا)) قال له أصحابه: ((أولسنا إخوانك يا رسول الله؟)) قال: ((أنتم أصحابي. وإخواننا الذين لم يأتوا بعد)) فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: ((إنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء)) [مسلم:249].
ومن خصائص الأمة المحمدية الأخروية أنها تشهد لكل نبي أنكر قومه أنه قد بلغ، تشهد له بأداء الرسالة وتبليغها فيقبل الله شهادتها.
روى أبوسعيد عن النبي قال: ((يجيء النبي ومعه الرجلان ويجيء النبي ومعه الثلاثة وأكثر من ذلك وأقل. فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم. فيدعى قومه فيقال: هل بلغكم ؟ فيقولون: لا. فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته. فتدعى أمة محمد فيقال: هل بلغ هذا؟ فيقولون: نعم. فيقول: وما علمكم بذلك؟ فيقولون: أخبرنا نبينا بذلك أن الرسل قد بلغوا فصدقناه. قال: فذلك قوله تعالى: وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143])) [أحمد وابن ماجه وصححه الألباني].
ومن خصائصها أنها أول من يجتاز الصراط، وأول من يدخل الجنة وقد جاءت في ذلك أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((فأكون أنا وأمتي أول من يجيز)) ـ يعني الصـراط ـ [البخاري:6573]. وفي الحديث الآخر عند البخاري [876] يقول عليه الصلاة والسلام: ((نحن أول من يدخل الجنة)).
ومن خصائصها أنها أقل عملا من الأمم قبلها وأكثر ثواباً وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. عن ابن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((…إنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالاً فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط. ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط. ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذي يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين، ألا لكم الأجر مرتين. فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل عطاء، قال الله: هل ظلمتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا. قال: فإنه فضلي أعطيه من شئت)) [البخاري:3459]. قال ابن حجر رحمه الله: فهذه الأمة إنما شرفت وتضاعف ثوابها ببركة سيادة نبيها وشرفه وعظمته.
ومن خصائص هذه الأمة المحمدية أنها أكثر أهل الجنة، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟)) قال: فكبرنا. ثم قال: ((أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟)) قال: فكبرنا. ثم قال: ((إني لأرج وأن تكونوا شطر أهل الجنة)) [البخاري:6528].
بل جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وقال عنه حديث حسن وصححه الألباني: ((أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم)).
وهكذا تتألق هذه الأمة المباركة، ويترادف عليها فضل الله وكرمه، وتتقلب في إنعامه وإحسانه.
فيا فوزنا ويا سعدنا أن كنا من أمة هذا النبي الكريم العظيم.
ولكن مهلاً … هل شكرنا الله حق شكره أن جعلنا من هذه الأمة؟ هل كنا على مستوى هذا التكريم؟ هل أعطينا العالم صورة حسنة عن هذه الأمة المحمدية؟
يا شباب العالم المحمدي ينقص الكون شباب مهتدي
فأروه دينـكـم ليهتـدي دين عزم وضمير ويــد
أليس من المأساة أن يقول بعض من أسلم من الغربيين: أحمد الله أنني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين وإلا لما أسلمت!!! يريد أنه قرأ عن الإسلام فسره ما فيه فاعتنقه، فلما رأى المسلمين هاله البون الشاسع بين المقروء والمشاهد، وظن أنه لورأى المسلمين وحالهم قبل أن يقرأ عن الإسلام لما فكر في اعتناقه!!!
لا بد أن نحقق في أرض الواقع هذه الخيرية ونحمل هذا الإسلام فنبشر به العالمين ونحيي به موات الدنيا فإن الأرض عطشى إلى مطر المسلمين، مشتاقة إلى وقع أقدامهم وهتاف تكبيرهم.
من خصائص الأمة المحمدية
عادل بن أحمد باناعمة