يقول الإمام ابن القيم:
إذاستغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله
وإذا فرح الناس با لدنيا فافرح أنت بالله
وإذا أنس الناس بأحبائهم فأنس أنت بالله
وإذا ذهب الناس إلى ملوكهم وكبرائهم يسألونهم الرزق
ويتوددون إليهم فتودد أنت إلى الله
الأنس ضد الوحشة أي الألفة بالشيء
وهو روح القرب من الله
قال تعالى:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَالدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}البقرة 186
فاستحضار القلب هذا البر والإحسان واللطف : يوجب قربه من
الرب سبحانه وتعالى،
وقربه منه يوجب له الأنس،
و الأنس ثمرة الطاعةوالمحبة؛ فكل مطيع مستأنس وكل عاص
مستوحش كما قيل:
فإن كنت قدأوحشتك الذنوب * فدعها إذا شئت واستأنس
المحبة هي الطريق الموصلة للأنس
إن كثيرا منا علاقته بالله روتينية فهو يتعبد لله وفقط لأنه اعتاد
ذلك من الصغر إننا نريد أن تكون العلاقة بيننا وبينالله
علاقة حب
قال تعالى(يحبهم ويحبونه)ولاحظ أن الله ابتدأ بقوله {يحبهم }
)فالعلاقة بينك وبين الله علاقة حب وأساسها الحب(
فليس العجب من عبد يتودد إلى سيده لكن العجب كل العجب من ملك يتودد إلى عبيده
ويقول بعض السلف( أعظم نعمة علي أن الله هو الله)
من يكن قلبه مشغولاًبحب الله . . عامراً بالإيمان به سبحانه . .
يجد في نفسه الأمان والسلام والاطمئنان
. . . ويشعر بالأنس بالله في كل لحظة في حياته . . مستأنساً
بذكره له سبحانه وتعالى، بعبادته له بتلاوته للقرآن الكريم.
والأنس بالله شعوريمتزج بالهيبة والخشوع، يغمر كيان الإنسان
كله مما يجعله يجد سعادته
في خلوته،وهناءه في وحدته، يناجي ربه . . يشكو همه إليه . .
يشكره على نعمته. .
يتغنى بالدعاء له والثناء عليه والتسبيح والتقديس له عز وجل،
ويشعر بأن كلما في الكون من مخلوقات
نغمات مميزة تشترك معه في التسبيح لله عز وجل فيحس بأن
هناك ألفة ومودة بينه وبين الطبيعة وجميع المخلوقات الأخرى . .
هناك صداقة بينه وبين الكون . . إنه يفهم لغة الكون . . والكون
يفهم لغته، وهذه اللغة المشتركة بينهما
هي التسبيح والشكر لله والإحساس بآثار حب الله في الوجود كله.
والأنس إحدى آثارالمحبة
وهو حال يصل إليه السالك معتمداً على الله، ساكناً إليه ، مستعيناً به،
وفى الأنس تبقى الهيبة مع الله ، وبذلك يكون الأنس طمأنينة ورضا بالله.
ولا يشعرالإنسان المؤمن المحب لله بالأنس في أوقات العبادة
فقط.. فإن فضل الله عليه عظيم حيث يفيض الله عليه بالأنس
في أوقات الانشغال والاهتمام بأمور الحياة اليومية لأن الله يغمره
ويملأ قلبه وكيانه كله،
فأصبح الأنس بالله يحيط به سواء في وقت الانشغال أو في وقت العبادة.
من كان في سخطه محسنا ** فكيف يكون إذا ما رضي
بعض الناس يعتقدون أن الوحدة تعنـي أن يعيش الإنسان وحيداً
أي وحدة الوجود الإنساني،
في حين أن الإنسان المستأنس بالله في كل لحظة أيقن وعرف
أن هذاليس هو مفهوم الوحدة أو الغربة ،
فإن الشعور بالوحدة هوفراغ القلب من حب الله. . . .
والشعور بالغربة هو فراغ القلب من الأنس بالله....
فإذاكان نعيم الجنة كله لا يساوي شيئا بالنسبة إلى لذة النظر إلى وجه الله الكريم
فكذلك نعيم الدنيا لايساوي شيئا مقارنة بنعيم الأنس بالله
يقول بعض السلف:
(مساكين أهل الدنياخرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها…حلاوة الأنس بالله)
فإن الأنس الحقيقي هو أنس الله وليس أنس الإنسان، وأن الفراغ
الحقيقي هو فراغ القلب من حب الله وليس فراغ الوجود الإنساني.
ويقودنا الإنسان المحب لله الذي يملأ حياته الأنس بالله إلى
حقيقة هامة لابد أن نقف عندها في لحظات من التأمل العميق:
إن الأنس هو أنس الله وأن الحب هو حب الله ومن يستأنس بالله
فإن الله يؤنسه ومن يحب الله فإن الله يحبه،
ويمن عليه من فيوضاته وعطائه ما يشغله ، ويؤنس وحدته،
حتى ولو عاش وحيداً في هذا الوجود.
أما من كان قلبه فارغاً من حب الله والأنس بالله ، فإنه سيشعر
بالوحدة والغربة والعزلة حتى
ولو كان حوله الناس جميعاً ، وهنا سيغلق القلب أبوابه
وستفتح النفس أبوابها التـي تقود الإنسان
إلى سبيل الشهوات والنزوات والهوى،فيضل السبيل ويسلك
طريق الضياع، والحيرة ، والتخبط، والهلاك الذي يودي به حتماً
إلى الشقاء.
فالقلب دائماً يفتح أبواب طريق النور. أما النفس فتفتح أبواب
طريق الهوى.
وانشغال القلب دائماً بالله وحب الله يفتح لنا أبواب طريق النور
بأمر الله حيث الأنس بالله، والسلام النفسي مع كل شيء
في الوجود ، فترتقي النفس إلى حيث يجب أن تكون من
الصفاء . . . والنقاء. . . والنورانية
وفي الدعاء المأثور:
(أستغفرك من كل لذة بغير ذكرك، ومن كل راحة بغيرأنسك، ومن
كل سرور بغير قربك، ومن كل شغل بغير طاعتك… (.
هذا الدعاء يتضمن استغفاراً
ويتضمن إشارة إلى أربعةأبواب للتواصل مع الله تعالى
أحدها التواصل من خلال الذكر، والآخر من خلال الأنس،
والثالث من خلال القرب، والرابع من خلال الطاعة…
ومن وجد الله فماذا فقد ، ومن فقد الله فماذا وجد ؟!
وهناك ثلاث أدوات رئيسية لتحقيق الأنس بالله:
1ـ القلب:
سئل أبوسليمان الداراني- رحمه الله - :
ما أقرب ما يُتقرب به إلى الله عز وجل ،فبكى ، ثم قال : مثلي يسأل عن هذا ؟
أقرب ما يتقرب به إليه أن يطلع على قلبك وأنت لاتريد من الدنيا
والآخرة غيره جل وعلا.
يقول ابن القيم:
في القلب شعت لا يلمه إلا الإقبال على الله وفي القلب وحشة
لايزيلها إلا الأنس بالله،
وفي القلب خوف وقلق لا يذهب إلا بالفرار إلى الله، وفي القلب
حسرة لا يطفئها إلا الرضا بالله.
وقد جعل الله سبحانه القلب محلاً لعبوديته وإنك لتجد أمامك الكثير
من أعمال القلوب تتصل بها من خوف
ورجاء ومحبة وتوبة وصبر وأنس ورضا وطمأنينة، على
أنه أقرب وسيلة للاتصال بالله تعالى هو تذلل القلوب لعلام الغيوب،
وفي هذا يقول ابن القيم
: دخلت على الله من أبوابالطاعات كلها فما دخلت من باب إلا
رأيت عليه الزحام فلم أتمكن من الدخول
حتى جئت باب الذل والافتقار فإذا هو أقرب باب إليه، وأوسعه ولا مزاحم فيه
ولا معوق فما أن وضعت قدمي على عتبته فإذا هو سبحانه أخذ بيدي وأدخلني عليه.
والقلب المريض هو القلب الذي يتعذر عليه أداء الوظيفة التي خلق من أجلها فالقلب خلق لمعرفة الله ومحبته
يقول ابن القيم عن شيخه ابن تيمية في قول النبي صلى الله عليه وسلم
( لا تدخل الملائكةبيتا فيه كلب ولا صورة)
إذا كانت الملائكة المخلوقون يمنعها الكلب والصورةعن دخول البيت
فكيف تلج معرفة الله عز وجل ومحبته وحلاوة ذكرهوالأنس
بقربه في قلب ممتلىء بكلاب الشهوات وصورها..
2ـاللسان:
اللسان وسيلة اتصال قوية وفعالة مع ربك قال تعالى في كتابه
الكريم: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}[البقرة:152]
وفي حديث الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله
(ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه )
وفي الحديث القدسي يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه
: " أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه".
ولك أن تتصور هذا الاتصال الراقي في حال ذكر الله
فكلما ذكرت الله ذكرك الله وكان معك..
قال الإمام الجنيد لتلاميذه
تعالوا بنا نذكر الصالحين فبذكرهم تحل البركة
فقال بعض طلبته يا شيخنا إذا ذكرنا الصالحين تحل البركةفماذا
إذاذكرنا الله ؟
فاطرق الشيخ قليلا ….ثم رفع رأسه فقال
إذا ذكرنا الله حلت الطمأنينة في القلوب(ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
3ـ الجوارح:
والجوارح أمامها خيارات كثيرة جدًا للاتصال بالله من صلاة
وصيام وصدقة وحج
وإماطة الأذى عن الطريق ومساعدة الآخرين وزيارةالمريض وغير ذلك.
وهكذا تظل بقلبك ولسانك وجوارحك في تقرب إلى الله واتصال بالله
إلى أن تفوز بما جاء في الحديث القدسي
: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته
كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه)
فهذاالرجل الذييحبه اللهعلى اتصال دائم بالله وعينه على اتصال
دائم بالله وأذنه ورجله ويده إنه دائمًا مع الله.
أوصت امرأة صالحة أولادها فقالت
(تعودوا حب الله وطاعته فإن المتقين ألفوا الطاعة فاستوحشت
جوارحهم من غيره
فإن عرض لهم الملعون بمعصية مرت المعصية بهم محتشمة فهم لها منكرون)
قال بعض العلماء
:العارف بالله أنس بالله فاستوحش من غيره ، وافتقرإلى الله فأغناه
عن خلقه ، وذلّ لله فأعزه في خلقه.
استيقظ أحد الصالحين يوما .. فى ساعة متأخرة من الليل قبل الفجر …. فوجد امرأته تتهجد
.. وتصلى وتدعو دامعة العينين مخلصة الدعاء لله..
فتعجب من صلاحها وكيف أنه الرجل ينام بينما تبقى هى زاهدة عابدة..
فقال لها: ألا تنامين .. ما الذى أبقاك إلى الآن؟
فردت الزوجة الصالحة بخشوع
وكيف ينام .. من علم أن حبيبه لا ينام ؟!!!!
عن أحمد بن أبى الحوارى قال: بات أبو سليمان ذات ليلة فلما
انتصف الليل قام ليتهيأ ، فلما أدخل يده فى الإناء بقى على حالته
حتى انفجر الصبح ،وكان وقت الإقامة وخشيت أن تفوته الصلاة
فقلت : الصلاة ، يرحمك الله . فقال : لاحول ولا قوة إلا بالله
العلى العظيم . ثم قال : يا أحمد ، أدخلت يدى فى الإناءفعارضنى
معارض من سرى : هب أنك غسلت بالماء ما ظهر منك ، فبماذا
تغسل قلبك؟
فبقيت متفكراً حتى قلت بالغموم والأحزان فيما
يفوتنى من الأنس بالله عز وجل
مجالات الأنس بالله
1-الخشوع في الصلاة
2- التفكر في الكون
3- ذكر الله في الخلوة
4- قيام الليل
5-الدعاء وبث الهم والشكوى لله
توصيات عملية
:
1-أكثر من ذكر الله وخاصة في الخلوة فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره.
2-احرص على صلاة ركعتين في وقت السحرواقرأ فيهما مما
تحفظ وتدبر كل آية تتلوها.
يقول عثمان بن عفان
(والله لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله )
3- احرص دائما على بث همومك وشكواك إلى الله فإن من أفضل
أبوابالعبوديةالمناجاة وكثرة السؤال والالحاح في الطلب
يقول الشاعر:
الله يغضب إن تركت سؤاله
وبني آدم إن تسأله يغضب
فلا تسألن بني آدم حاجة
وسل الذي أبوابه لا تحجب
4- اعلم أن كل طاعة تقربك من الله وكل معصية تبعدك عن الله ،
يقول بعض السلف
(استح من الله على قدر قربه منك ،وخف من الله على قدر قدرته عليك)
وسئل بعض السلف ما علامةالإيمان وما علامة النفاق ؟
قال:
يابني إن سرتك الطاعة وساءتك المعصية فأنت مؤمن ،وإن
سرتك المعصية وساءتك الطاعة فأنت منافق
تــذكــر
طاعة-> قرب-> محبة-> أنس بالله
معصية->بعد->كره->وحشة..
مما أثر في فنقلته للأحباب
جزا الله من كتبه خير الجزاء
اللهم لاتحرمنا لذة الخلوة بك والأنس بقربكــ
ولا تحرمنا يارب لذة السجود لوجهك الكريم
وحلاوة مناجتكــ...... اللهم آميـــــــن
أختــــــــكم المحبـــــة " أم ريـــــــــــــم "