أهمية العقيدةالعقيدة أمر
حتمي للإنسان, فكما أنه لا يستطيع العيش بدون الهواء والماء والغذاء، فإنه
كذلك لا يحيا بدون عقيدة، وذلك لأن الإنسان مكوّن من عقل وروح وجسد، وإذا
لم يكن هناك ضابط لهما فإنهما سيخرجاه عن الطريق السليم، فالعقل بدون إيمان
سيكون مآله إلى الرهبنة والإلحاد، والجسد إلى الطغيان والتمرد[1].
فالعقيدة تستقر
في القلب استقراراً يلازمه دون أن يتطرق إليه ريب أو تردد، ويعلن صاحبها
بلسانه تأكيداً عمّا استقر في قلبه، ويكون العمل ثمرة ودليلاً على العقيدة
الصادقة.
فالعقيدة الصحيحة في القلب كالبذرة الحية في الثرى، فينتج الاعتقاد عملاً صالحاً كما تنتج تلك البذرة ثمراً طيباً[2]]كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء[[3].
وحتى يكون إيماننا صحيحاً لابد من اعتقاد صحيح، لأن الاعتقاد الصحيح يساوي الإيمان الصحيح، وإليك أمثلة على ذلك:
-الذي يعتقد أن
الذي يدخل النار ثم يخرج منها فإن عمله سيكون في الدنيا مذبذباً بين العمل
الصالح والطالح، بعكس الذي يعتقد أن الذي سيدخل النار لا يخرج منها فإنه
سيكون حريصاً على العمل الصالح في جميع الأوقات، حتى لا يلقى الله تعالى
وهو عاصٍ.
-الذي يعتقد أن الغش في الاختبارات جائز، فإنه سيسعى إلى فعله, بعكس الذي يعتقد أنه محرم.
-الذي يعتقد أن الربا حلال سيتعامل به بخلاف الذي يعتقد أنه محرم.
يقول سماحة
الشيخ أحمد الخليلي: "فيجب على الأمة أن تحافظ على نفسها، وأن تحرص على
شبابها، بغرس العقيدة الصحيحة فيها وإبعاد عقيدة الإرجاء والتشبيه
والاستخفاف بالنبيين بنسبة الرزايا إليهم عنها، حتى يكون هؤلاء الشباب
عارفين بالصورة الصحيحة التي كان عليها الأنبياء والمرسلون، وأن يحرصوا على
اتباع هذا المنهج"[4].
ويقول
عبدالمجيد الزنداني: "ولما كانت أعمال الإنسان كثيرة ومتشعبه في ميادين
شتى، فإن الإنسان بحاجة ماسّة إلى خطة فكرية (=عقيدة) عامة، تربط بين جميع
أعماله وتنسقها وتجعلها متعاونة متساندة تصب في نقطة واحدة، وتلتقي عند هدف
واحد هو الهدف العام من وجود الإنسان على هذه الحياة، أي أنه بغير طريقة
عامة ومنهج عام يحدد سير الإنسان وينظم مساعيه تذهب أعمال الإنسان سدى،
وتتصادم تصرفاته وأفعاله أو تضيع كل جهوده، معنى هذا (الدين) الطريقة
والمنهج، ضروري للإنسان لا غنى له عنه"[5].
والأشكال الآتية توضح ذلك:
اعتقاد صحيح | ← | سلوك صحيح | = | توافق القول والفعل. إيمان وفق كتاب الله وسنة نبيه. |
اعتقاد خاطئ | ← | سلوك خاطئ | = | إيمان بالقول دون الفعل أو إيمان مخالف لكتاب الله وسنة نبيه. |
ونلاحظ في الشكل الآتي أن الإنسان مكوّن من روح وجسد وعقل، ولكن بدون الإيمان انظر كيف يصبح هذا الإنسان:
عقل دون إيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم |
← |
المادية والعلمانية |
جسد بدون إيمان |
← | الطغيان والتمرد على أوامر الله ورسوله |
وفي ذلك يقول
الدكتور محمود سالم عبيدات: "تعتبر العقيدة الإسلامية القاعدة الأولى لسائر
العلوم، فلا يصح من المؤمن إيمانه ولا عمله إذا لم يكن قائماً على عقيدة
صحيحة وأساس سليم، ولذلك فهي ضرورية للإنسان ضرورة الماء والهواء، وبدونها
يصبح تائهاً ضائعاً يفقد ذاته ووجوده"[6].
ولأجل هذه الأهمية نجد أن الآيات في العهد المكي[7]
تتنزل حول هذا الجانب، لما لهذا الموضوع من أهمية، ولو استقرأنا تأثير
العقيدة في تاريخ البشرية لوجدنا أمراً عجيباً، فقد بدّلت العقيدة مجرى
حياة الناس أفراداً وجماعات من حالة إلى أخرى.
وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
-الإيمان وتأثيره في سحرة فرعون:
قصّ الله تعالى
علينا نبأ سحرة فرعون، فإنهم لمّا جاؤوا وهم فارغون من العقيدة الصحيحة لم
يكن لهم همّ أبداً إلا المصالح الدنيوية، ولا يعرفون حياة إلا هذه الحياة
المحدودة
المحصورة ما بين المبدأ والمصير، فالله سبحانه حكى عنهم ]فَلَمَّا جَاء
السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِن كُنَّا
نَحْنُ الْغَالِبِينَ[ [8]، فما كان لهم من طموح إلا الفوز بشيء من الأجر والشهرة والظهور.
هكذا كان واقع
أمرهم الذي ظهر من خلال الحوارالذي دار بينهم وبين فرعون، ولكن عندما
خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، تحول تفكيرهم وتغيرت مفاهيمهم وتبلورت وجهة
نظرهم في الحياة وتحددت غاية الغايات عندهم،ف ]قَالُوا
لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي
فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا[ [9].
-الإيمان وتأثيره في كفار العرب:
استحكم العداء
بين قبائل العرب قبل الإسلام، حتى صار القتال والسلب والنهب الأصل في
العلاقات بين الناس، ومعلوم أن العرب في جاهليتهم كانوا يتنازعون فيما
بينهم لأتفه الأسباب، ولم تكن الدار الآخرة في وجدانهم، لأنهم لم يكونوا
ليحسبوا لها حساباً وهم لا يؤمنون بها.ولكن الأمر انقلب مع دخول الإسلام
إلى يثرب ،فما كاد الإيمان يغشى قلوبهم حتى حوّل هذه العداوات إلى مودة
ووئام، في وقت لم تطهر سيوفهم من رجس ما سفكت من دماء بعد .
وقد سجل تاريخ
التحول عند الشعوب ذلك الانقلاب العجيب الذي صنع التحول الكلي في تاريخ عرب
الجزيرة، تلك القبائل التي ما كانت تفكر بأكثر من ذلك المحيط الضيق الذي
كانوا يعيشون فيه.
تلك هي آثار العقيدة الصحيحة، انتشلت العرب من الضياع، ووحدتهم في تصور جديد يسعى لنيل رضوان الله تعالى[10]