الفلسفة المثالية هي أول
تيار فكري قدم من خلال أعمال أفلاطون أول فلسفة تربوية مكتوبة, والمثالية
تعني المذهب الذي يقول إن الأشياء الواقعية ليست شيئاً آخر غير أفكارنا
نحن, وأنه ليس هنالك حقيقة إلا ذواتنا المفكرة, وقد اتفقت المدارس المثالية
فيما بينها على أن الإنسان كائن روحي يمارس حرية الإدارة ومسؤول عن
تصرفاته.
وتعتمد هذه الفلسفة على مبدأين جوهريين متكاملين:
الأول: أزلية الأفكار وأثر العقل الإنساني.
الثاني: عالم الروح وعالم المادة.
والتربية من وجهة نظر المثالية هي مساعدة الإنسان في الحياة للتعبير عن طبيعته الخاصة أما عن أهداف التربية فقد تمثلت فيما يلي:
·
إن
التربية هي العملية للوصول إلى إدراك الحقيقة المطلقة عن طريق شحذ العقل
وبذلك الكم الضخم من المعارف والأفكار المتصلة بالأشياء ومعانيها وأصولها.
·
إعداد المواطن إعداداً سليماً يكفل أن يتحلى بفضيلة الاعتدال والشجاعة.
·
إنها
تهدف إلى إحاطة الطفل بالمثل العليا الصالحة, وغرس فكرة الخير والشر في
ذهنه, حتى يشب على ما يجب أن يحب, وكراهية ما يجب أن يكره.
·
إن
التربية العقلية لكي تصل إلى فهم الحقيقة المطلقة الأزلية يفترض أن تكون
في شكل قوالب معرفية ثابتة, وليس في شكل نماذج تجريبية, وتبعاً لذلك لا
يكون التعليم تحديداً أو ابتكاراً, ولكنه تحقيق النمط الفكري الذي يهدف
تدريجياً إلى تحقيق الفكرة المطلقة فيما يخص الحقيقة والخير اللذين وصف
سلفاً.
·
تهدف
إلى التربية الفردية والجماعية, فالحياة الخلقية لا تتعارض فيها مصلحة
الفرد ومصلحة الجماعة إذ إن هناك فلسفة تقرر خلود القيم الروحية , وتؤكد
عموميتها على الأفراد جميعاً, بمعنى أن القيم والمثل العليا الخالدة حين
يجهد الفرد عقله كي يتمثلها إنما يكون من خلال وسط جماعي فالفضيلة تتكون من
المعرفة ولأفكار الكلية العامة للوصول إلى الكمال العقلي ذاته.
أما من الناحية العملية
التربوية فقد نظرت الفلسفة المثالية إلى الطالب على أنه شخص له هدف روحي
ينبغي تحقيقه ومن هنا أكدت ضرورة تعليمه احترام الآخرين والقيم الروحية
وتعليمه احترام المجتمع الذي ولد فيه.
أما عن المعلم فقد اهتمت
الفلسفة المثالية بالمعلم اهتماماً بالغاً لأنه القدوة التي يقتدي به
التلاميذ فضلاً عن أنه يولد المعاني والأفكار في عقل الطالب إذ أن الأفكار
والمعاني كامنة في الإنسان.
والمعلم في منظور هذه
الفلسفة هو الوسيط بين عالمين , عالم النمو الكامل وعالم الطفل, وإن عمل
المعلم تقديم الإرشاد له لأنه يضل بحاجة إليه ويستطيع المعلم بفضل الإعداد
الذي تلقاه أن يقوم نمو الطلاب.
أما عن المنهج الدراسي فقد
ساير أفلاطون النظام القائم في وضعه خطة تربية الأطفال والشباب, ويعتقد أن
أعمال قدماء الإغريق كانت خيراً من معارفهم , ولذلك كانت خطة أفلاطون
الفلسفية أن يحتفظ بما بناه القدماء بقصد أو بغير قصد , فبدأ بتربية الطفل
في سن السابعة, ويستمر في هذه التربية حتى سن السادسة عشرة أو السابعة عشرة
, يتعلم فيها ضروب الرياضة البدنية والموسيقى. والغرض من الرياضة إصلاح
شأن الجسم. أما الموسيقى فهي من أ جل انسجام الروح.
تبغي المثالية من استعمال المادة الدراسية تطوير الشعور السامي بالذات من جانب الطالب
تلخيص واستنتاج:
من خلال الاطلاع على الفلسفة المثالية يتضح أن المبادئ الرئيسية لهذه الفلسفة تركزت في النقاط الآتية:
·
الإعلاء من شأن الروح وعدت العقل مظهراً من مظاهر الروح وهو مصدر الإرادة والتفكير ومنبع كل الاحساسات من حب وكره.
·
الإيمان باجتماعية الإنسان وتوزيع الإنسان بين الخير والشر.
·
تأثر الإنسان بكل من الوراثة والبيئة في المعرفة والسلوك.
·
الحد من حرية الإنسان أما لأنه محكوم بالجسد الذي يقوده للشر وأما لأنه محكوم بسلطة دولية.
·
أن
القيم العليا لها حق السيادة , لأنها ثابتة أزلية وخالدة ولا يمكن الوصول
إليها إلا عن طريق العقل المتسامي المجرد عن كل ما يتعلق بشهوة الإنسان
والقيم مطلقة ثابتة
·
التربية
في المثالية هي عملية تدريب أخلاقي لإقامة تربية تنتمي إلى الاستعدادات
الطبيعية في الإنسان والهدف الأول في التربية هو إعداد الطالب عقلياً
وخلقياً بغية تحقيق جميع القيم والمثل التي تريدها المثالية, ولتحقيق الهدف
العام لا بد أن يركز المنهج المثالي على الفلسفة والمنطق والرياضيات
والدين, الطالب كائن روحي غايته الرئيسية في الحياة التعبير عن طبيعة
الخاصة وهدف التربية مساعدته على القيام بذلك, التأكيد على الجانب المعرفي
وأهمية المعرفة للطالب.
·
المنهج يشتمل كل خبرة الجنس البشري التي تساعد الفرد على النمو العقلي والخلقي.
·
تؤكد المثالية طريقة الاستنباط وطريقة الحفظ والتكرار وطريقة التمثيل.
أما الانتقادات التي وجهت إلى فلسفة التربية هي:
1.
إهمال الجوانب المهارية والأنشطة الإنسانية الأخرى , والتركيز على الجانب المعرفي.
2.
أعلت من شأن الروح,
وأهملت أمر الجسد, ولذلك فهي ركزت على المعلومات والمعارف, وجعلت لها
كياناً مستقلاً بعيداً عن اهتمام الطالب وميوله مما أدى إلى انفصال التلميذ
والمدرس عن البيئة الاجتماعية والمادية التي يعيش فيها كل منهما.
3.
أما النقد الموجه
إلى المنهج المثالي فهو أن هذا المنهج مصمم من أجل صقل العقل , وصفاء الروح
, ونقل التراث الثقافي.وتقدم المواد الدراسية بصورة منطقية مرتبة لكنها لا
تدرس على أساس فهم العلاقات فالتاريخ مثلاً يدرس بوصفه تاريخاً أي حسب
التعاقب الزمني , لا على أساس أنه منهج مشكلات الحاضر وتوقعات المستقبل,
ولا يهتم أصحاب المنهج المثالي بتعلم المهارات لاعتقادهم بأن هذا التعلم
يفسد التلميذ ويتلف عقليته. ولذلك فالمثاليون يضعون المنهج الدراسي ثابتاً
مطلقاً غير قابل للتغيير , وذلك إيماناً منهم بأن الطبيعة الإنسانية ثابتة
لا تتغير.