[size=21]حدثتُ صديقي صلاح وانأ مدمع العينين ، فقلت :
لقد أحببتها من كل قلبي ، و ربطت مستقبلي بحبها ،
و أحبتني من كل قلبها و ربطت مستقبلها بحبي ،
لم نتخيل يوما أن أمرا مهما عظم ، قادر على أن يفرق بيننا ..
عندما كنت أشتاق إليها ، كنت أحوم حول منزلها إلى أن تظهر على شرفته ،
و بلغة الإشارات كنا نتواعد للقاء في حديقة الحي المجاور العامة ؛ حيث التقينا أول مرة ...
لنتبادل لواعج الهوى ... و نرسم خطوط مستقبلنا معا .... قصتنا حتى اللحظة ليس فيها جديد ...
آلاف الأحبة يتبادلون لواعج الهوى كل يوم منذ الأزل و حتى الأزل ؛
قصتنا بدأت منذ انقطاعها عن لقائي ؟!
شغل بالي انقطاعها ...
أقلقني ...
ثم ...
أخذ يؤرَِّق منامي و يمضَّ كياني ...
ظننتها مريضة ،
و ظننت أن أحدا ربما شاهدهنا في الحديقة معا فأبلغ أهلها ،
و ظننت .. و ظننت.. و ظننت ..
كنت أحوم حول منزلها كالمختل عقليا ، ثم أعود لأحوم حول منزلها من جديد ،
و عيناي شاخصتان نحو شرفتها ، و كذلك قلبي و جميع جوارحي ..
كدت أفقد سيطرتي على نفسي مرارا ،
ففكرت تكرارا أن أصعد إليها ،
أن أقرع بابها ..
أن أسأل عنها..
و لكن بأية صفة ؟ كنت أتساءل ، بينما كنت أتجرع آلام الفراق و الأفكار السوداء..
ثم ....
و في يوم ثالث أو رابع ، تقدمت مني طفلة ؛ فسألتني : " حضرتك نزار ؟ "
و إذ تأكدت ، ناولتني وريقة ، كتبت عليها (
حبيبتي) بأناملها العاجية سطرا واحدا كاد يذهب بعقلي و اتزاني :
<< لقد تمت خطبتي ، و لم أعد أتمكن من مقابلتك ، حاولت الرفض فكان نصيبي ( قتلة ساخنة* ) ، >>
اشتعلت نار الغيرة في رأسي ،
و نار الخيبة و المرارة و اليأس ،
و نار النخوة أيضا ..
شعرت أنني مستعد لأقاتل الدنيا لأدفع عنها شر "القتلات" ما بارد منها و ما سخن ..
و لكن بأية صفة ؟!
لم أجرؤ على مفاتحة أهلي حول طلب يدها ، إذ لازلت عاطلا عن العمل ، و بيني و بين تكوين نفسي بضع سنوات أخرى ..
و رويدا رويدا بدأت أرضخ للأمر الواقع ،
ثم ....
ذات يوم دُعيت إلى حفل زواج عمي الكبير ...
و هناك كانت المفاجأة الصاعقة ....
كانت (
حبيبتي) بشحمها و لحمها ، هي عروس عمي !!!!
كدت أصرخ : << هذه
حبيبتي أنا >> ..
كدت أنهض لأختطفها من بين يديه ...
و لكنني آثرت الانسحاب كسير الخاطر ..
فالرجل عمّي الكبير الذي أحبه و أجله ..
فكففت عن أفكاري الحمقاء ،
ثم .....
تسللت من بين الجموع و عدت إلى داري و قد اسودت الدنيا في عيني ...
لمحتني و أنا أنصرف ،
فاشتعل وجهها فجأة ،
ثم ......
اغرورقت عيناها بالدموع .
و مضت الأيام و بدأت أسلو قليلا ..
بين ايجاد عمل لملئ فراغ التفكير المزمن ب
حبيبتي ...
بل كنت أسعى إلى واجبات إضافية طوعية ، كي أزداد غرقا في السلوان ..
لولا ان والدتي – سامحها الله – أرسلتني ، لدعوت عمي إلى عيد ميلاد شقيقتي الصغرى ..
تمنعت في البداية ، إلا أن حججي كانت واهية ، فاصرت والدتي ، و لم يهن عليَّ إغضابها ..
صلاح ؟!!
وحين ذهابي إلى بيت عمي فطرقت الباب
فنفتح الباب ومن تكون يا صلاح فأنها هي
حبيبتي ، و قد عقدت الدهشة لسانها...
و عقدت رؤيتها لساني ،
كان وجهها يطفح نورا ...
كانت عيناها تشتعل ودا و حبا ...
فاحترت كيف أبدأ ..
<< كل ذرة في كياني تهفو لضمك بين ذراعي ، يا
حبيبتي >> قلتها في سري ..
و كأنها فهمت الرسالة بالإيحاء و بالإيحاء أجابتني :
<< و أنا كذلك ، كل خلية من جسدي تهفو – اللحظة - للإتحاد بكل خلية من جسدك ، يا نزار ! >>
ثم ....
أضافت جاهرة :
<< ليتني أستطيع أن أدعوك للدخول ، و لكن جدارا صلدا يحول بيني و بينك يا نزار .. >>
ثم .....
أطرقت برأسي ... و منعت – بعد لأي – دمعة أرادت نقل مشاعري ..
عجزت عن الإجابة ، فاكتفيت بهز رأسي علامة إداركي لما عنته ؛
ظلت تنظر إلى عينيَّ طويلا ..
و استمريت أنظر إلى عينيها طويلا ....
ثم ......
نطقت متلجلجا :
- أمي أرسلتني أدعوكِ وادعوا عمي لحضور عيد ميلاد أختي الصغيرة ..
و لكنني قطعت العبارة لأفاجئها بسؤالي :
- هل أنت سعيدة يا (....) ؟
أطرقت برأسها ..
صمتت فترة ليست بقصيرة ..
ثم .......
رفعت رأسها و قد ابتلت وجنتاها ،
ثم ......
أجابتني :
- أنت تعلم أنني كنت مرغمة ... و أنني لم أكن أكثر من سلعة حان وقت التخلص منها قبل أن تبور
ثم ....
أضافت ساخرة :
- لم أكن أكثر من خروف تم تسمينه و علفه و تدليله ، استعدادا لذبحه في العيد الكبير..
ثم .....
أضافت بصوت هامس و لكنه مسموع :
- لا ، لست سعيدة يا نزار ، أنت تعلم أنه يكبرني بربع قرن على الأقل ..هو
بالضبط هو من جيل والدي ...و قد ألغى لغة العواطف من قاموسه ...
و بالنسبة إليه لست أكثر من خادمة في منزله أو ممرضة تراعي أوقات أدوائه ، للسكري و الضغط و الروماتيزم ...
و لكنه إنسان لطيف لم يجرحني بكلمة ، و كريم لم يبخل علييَّ بطلب ....
أطرقت قليلا برأسها ،
ثم .......
أضافت :
- و ليس لي أي أمل بالانجاب منه ...
لم تسعفني فصاحة لساني أن أعزيها بكلمة ،
لم أتمكن من التعبير عن حزني الشديد إلا بعبارة : << كم أنا آسف يا (....) >>
ثم .....
و على حين غرة ، طرَحت عليَّ سؤالا محيرا :
- إذا طلبت منه الطلاق ، هل أنت على استعداد للزواج مني ؟؟ ! أو بالأحرى هل لا زلت على حبك لي مقيماً ؟
أربكتني – حقيقةً – بسؤالها المفاجئ الجريء هذا ، فتلعثمت كثيرا قبل أن أجيبها :
- إنه عمي يا (....) ، عمي الذي أحب و أجل ، فلا أقوى على إيذائه و الإساءة إليه ..
فأجابتني بكل جدية و واقعية :
- ماذا يضره إذا تزوجتني بعد طلاقي منه ؟؟
ثم أضافت هامسة و قد أطرقت برأسها خجلا :
- و لعلمك فأنا لا زلت عذراء !!..
- فتصنعت الاستعجال بالرحيل
ثم .....
يا صديقي صلاح
لقد غادرتها و أنا مثقل بهم جديد ..
و اضطراب جديد ..
و حيرة جديدة ..
إلا أنني لم أحاول مقابلتها ثانية ..