قد يتساءل البعض, كيف لرسمة نقشتها أنامل صغيرة أن تحكي لنا
عن نفسية الطفل و احتياجاته ومعاناته؟!
[/size] إن الحقيقة التي يجب أن نؤمن بوجودها هي أن هذا الطفل الصغير يتأثر بما تقع حواسه عليه,
وبما يدور حوله, كالكبير تماما, إن لم يكن أشد حساسية منه,
والفرق بينهما يكمن في أن الطفل لا يستطيع التعبير عما بداخله من مشاعر تجاه الأحداث من حوله,
نتيجة قلة حصيلته اللغوية أو خوفه من التصريح بمشاعره..
بينما يمتلك الآخر القدرة والطلاقة التعبيرية التي تمكنه من التعبير.
لذا فالطفل يستخدم الرسم كلغة غير منطوقة؛
ليعبر بها عن انفعالاته ومعاناته ومشاعره تجاه الأحداث والأفراد من حوله، سواء كانت المشاعر إيجابية أم سلبية.
فتُظهر لنا رسومه مكنونات ذاته، وما يدور حوله, وكأنها إسقاطا لما يدور بداخله.
فالطفل في سنواته الأولى يبدأ بالتعبير عن ذاته ومشاعره ببعض الخطوط غير المنظمة،
وهو يجد لذة في رسمها, ثم تبدأ الخطوط مع تقدمه العمري تصبح أكثر انتظاما,
إما أفقية أو رأسية ثم دائرية غير محددة الملامح,
وما تلبث بعد فترة لتصبح رسومات بدائية واضحة تُظهر لرائيها أشخاصا وأحداثا تحكي عن الطفل ومن حوله,
وتستمر بالتطور مع تطور عمر الطفل.
وتتميز الرسوم في المراحل الأولى من عمر الطفل بعدة خصائص؛
نتيجة لأن الطفل يرسم ما يعرفه لا ما يراه,
فيرسم السيارة وكأنها شفافة, تُظهر من بداخلها.
وتبدو الأشياء من حوله في الرسم وكأنها مسطحة,
كما ويبالغ في الأحجام بحسب مشاعره تجاهها,
فتبدو اللعبة المحببة لديه أكبر من البيت مثلا,
كما أنه قد لا يرسم إلا ما يُظهر الحدث فيرسم لاعب الكرة بقدم واحدة وهي التي يستخدمها في الرسمة لرمي الكرة،
بينما يحذف الأخرى لأنه يرى أنها لا تُشكل فائدة من رسمها.
كل تلك الظواهر تبدو طبيعية في ذلك السن, ولكن قد تُظهر رسوماته تكرارا لبعض الموضوعات,
أو تصغيرا لها, مع التأكيد على استخدام بعض الألوان دون غيرها.
فطفل الخامسة مثلا لا يعتني في رسوماته بتلوين الأشياء بألوانها الواقعية,
فنجده يسقط غضبه وعدوانه بشكل ظاهر في الرسم،
فيرسم الشمس حمراء، والبحر بالون البرتقالي.
فهو يشدد على اختيار الألوان الساخنة التي تشير لحالته النفسية.
كما أن الطفل العدواني قد يُؤكد في رسوماته للأشخاص على وجود الأسنان واستطالة الأذرع,
وكلها رموز تشير لغضبه وحالته العدوانية.
وكثيرا ما تظهر بعض رسوماته تحييدا وإبعادا،
أو حذف لبعض الأشخاص من حوله، فيرسم أفراد أسرته دون أخيه الصغير,
وذلك لدافع لاشعوري في إبعاده لإحساسه بأنه قد حل مكانه فيشعر بالغيرة تجاهه.
[/size]
[size=16]أو يرسم والده بذراع طويل كإشارة لاستخدامها في ضربه,
وقد يرسم نفسه صغيرا لإحساسه بالخجل والدونية.
وهكذا تبدو لنا لوحاته كمرآة تعكس ما يشعر به ولا يستطيع التحدث عنه.
فعلى المربي أن يدرك أهمية الرسم للطفل، وما له من نواح تنفسية وتعبيرية,
فيوفر له ما يحتاجه من أدوات وألوان, والأهم من ذلك أن يشجعه على الرسم،
و يتعلم فك رموز تلك الرسومات, والخصائص العمرية التي تظهر في الرسوم؛
ليستطيع التواصل مع الطفل بشكل يمكنه من فهم احتياجاته ودوافعه ومشكلاته.