تحرر من آلام الصداع النصفي
يميل
الكثيرون ممن يعانون الصداع النصفي إلى وصف حالتهم بأنها محنة حقيقية ألمت
بهم، وسطت على حياتهم وتركتهم عاجزين عن التحرر من نيرها. فعشرات الأدوية
والأقراص التي يبتلعونها كل مرة، ينتابهم فيها ذلك الألم المبرِّح الذي
يضرب جانباً من رأسهم، لا تجدي نفعاً. وتجدهم يلجأون إلى تطبيق كل نصيحة
يسمعونها، مهما تكن غريبة، رغبة منهم في التخفيف من حدة الألم أو مدته.
- طبيعة آلام الشقيقة:
تصف الدكتورة كارولين بيرنستاين، أستاذة العلوم العصبية المساعدة في كلية
الطب في جامعة هارفرد، آلام الرأس النصفية فتقول إنها تشبه الموجة. وارتطام
هذه الموجة يخلق سلسلة من التداعيات الخلوية في الدماغ، ما يطلق بدورة
استجابات تختلف عن أوجاع الرأس العادية. فبعض المصابين بالشقيقة يعانون
الغثيان، وبعضهم الآخر يشكو من آلام في الوجه والفك.
- مواصفات وأسباب آلام الرأس النصفية:
ليس هناك حالاتان متشابهتان من الشقيقة، فالبعض يتحدث عن «النسمة» (Aura )
وهي شعور بمثل تيار هواء بارد يسبق نوبة من نوبات الشقيقة، والبعض الآخر
يتحدث عن تقيؤ، أو آلام عضلية منتشرة في الجسم، أو دوخة، أو ضغط في الجيوب
الأنفية، أو طنين في الأذنين، أو حتى شلل جزئي. ولكن مهما اختلفت العوارض،
يظل هناك عامل مشترك بين جميع ضحايا الشقيقة وهو فرط التحسس والاهتياج.
وتقول بيرنستاين إن الخلايا العصبية في دماغ من يعاني الشقيقة، تكون غير
مستقرة ومتقلبة، وأكثر عرضة للاستثارة.
أما
العوامل التي تطلق آلام الرأس النصفية فمتعددة أبرزها: التغيرات في الضغط
الجوي، زيادة أو قلة النوم، الضغط النفسي والتوتر، ضوء الشمس الزائد،
الحرارة أو البرودة الشديدة، التوتر العضلي، التقلبات الهورمونية، الضجة
العالية، الروائح الكيميائية أو العطور، الإرهاق، وتناول أنواع معينة من
الأطعمة.
- التعامل مع الشقيقة:
القليلون فقط من المحظوظين يتمكنون من التعرف إلى عامل أو عاملين من تلك
التي تطلق آلام الرأس النصفية لديهم. أما الأكثرية فلا تكون الأمور واضحة
تماماً بالنسبة إليهم. ويعلق جيمس سنسينغ، مدير ومؤسس الرابطة الأميركية
للمتخصصين في العلاجات الطبيعية، فيقول إن الأمر قد يكون متعلقاً بعوامل
عدة في الوقت نفسه، فيمكن أن تكون الآلام ناشئة عن القليل من عسر الهضم،
والقليل من المواد السامة في الجسم والقليل من الخلل في وضعية وتوازن
الغشاء الأنبوبي، الذي يحيط بالدماغ وبالحبل الشوكي ويحتوي على السائل الذي
يغذي الجهاز العصبي. ونظراً لاختلاف حالات الشقيقة وأسبابها، فإن الطريقة
الأفضل لعلاجها تستلزم مقاربتها من زوايا عدة.
ويلجأ المتخصصون إلى 6 استراتيجيات رئيسية للقيام بذلك:
1 - التعرف إلى العوامل المثيرة:
تقول الدكتورة أودري هالبيرن، المتخصصة الأميركية في العلوم العصبية
ومؤسِّسة مركز مانهاتن للصداع وطب الأعصاب، إن أغلبية الناس لا يعرفون
بالتحديد عدد المرات التي يصابون فيها بالصداع. والواقع أنه لا يمكن البدء
في إحراز أي توازن طبيعي، وأي تقدم نحو التخلص من هذه الأوجاع إلا عندما
نتأكد من مدى تواترها، ومن هوية العوامل التي تستثيرها. وهي تنصح بتخصيص
مفكرة يتم فيها تدوين كل الظروف والأحداث التي سبقت وأحاطت الإصابة بالصداع
النصفي، بما في ذلك حالة الطقس، درجة التوتر، نوعية الطعام، وموعد الدورة
الشهرية لدى النساء. ومع تكرار ذلك في كل مرة نصاب فيها بالصداع النصفي،
يمكننا أن نتقصى وجود أي نموذج متكرر لعوامل محددة، يمكن اعتبارها مسؤولة
عن آلام الرأس.
2 - تنقية الجهاز الهضمي من السموم:
يعتقد المتخصصون في الطب التقليدي الهندي (Ayurveda) أن الهضم عامل يلعب
دوراً أساسياً في الإصابة بآلام الرأس النصفية. لذلك فإن المتخصصين في هذا
النوع من العلاجات الطبيعية ينصحون مرضاهم بالخضوع لعملية تنقية للجهاز
الهضمي. ويقول البروفيسور جون دويلارد، المتخصص الأميركي في الطب التقليدي
الهندي، إن الشقيقة هي إشارة إلى أن الجهاز الهضمي لا يتخلص من الفضلات
بشكل فاعل. وهو يشبِّه المشكلة بأنبوب تصريف مسدود. ويفسر قائلاً إنه عندما
توجد كمية كبيرة من المادة المخاطية في الأمعاء، فإن ذلك قد يؤدي إلى
انسداد مراكز التصريف وإلى ارتفاع في مستويات السموم في السائل اللمفاوي،
ما يقود بدوره إلى توسع الأوعية الدموية أو آلام الرأس. ولتزييت وترطيب
جدران الأمعاء الداخلية ينصح دويلارد باحتساء نقيع الأعشاب المسكنة مثل
الدردار، عرق السوس أو الخطمي يومياً. ولتنظيف الجهاز اللمفاوي ينصح
باحتساء رشفات من الماء الساخن كل ربع ساعة لمدة أسبوعين.
3 - اختيار أنواع الأطعمة المناسبة:
أظهرت الدراسات أن أكثر الأطعمة إسهاماً في إطلاق نوبة من الصداع النصفي
هي الجبن، الفستق، الذرة، القهوة، القمح، الشوكولاتة، الحمضيات والعصائر،
النبيذ الأحمر والبيرة. كذلك يجب تفادي:
- السكر المكرر مثل ذلك الموجود في الجاتوه، المعجنات، البسكويت، الحلويات، المشروبات الغازية.
- المواد المضافة إلى المنتجات الغذائية المصنعة مثل المواد الحافظة، المواد الملونة، والنيترات ومواد التحلية الصناعية.
- المرغرين، السمنة، وكل الأطعمة التي تحتوي على زيوت مهدرجة.
ويجب التخفيف من تناول اللحوم الحمراء، الحليب ومشتقاته كاملة الدسم ، والدهون بشكل عام.
وفي
المقابل يجب اعتماد نظام غذائي صحي غني بالخضار وبالفواكه (يُستحسن أن تكون
عضوية) خاصة الأناناس الذي يعززعملية الهضم ويتمتع بخصائص مضادة
للالتهابات، وبالبروتينات خفيفة الدهون. ومن الضروري تناول الحبوب الكاملة
والأسماك الدهنية التي توفر لنا أحماض أوميغا- 3 التي تخفف من حدة آلام
الرأس، والبذور (بذور الكتان، السمسم، اليقطين) التي تنشط عملية الهضم
وتساعد على التخلص من السموم. وعملية التخلص من السموم تستوجب في المقام
الأول احتساء 6 أكواب من الماء على الأقل يومياً، فانخفاض مستويات الرطوبة
في الجسم يسهم أيضاً في إطلاق نوبة الصداع النصفي، خاصة في فصل الصيف.
4 - الوخز بالإبر:
تبين في مراجعة لنتائج أكثر من 22 دراسة عالمية أن علاج الوخز بالإبر -
وهو نوع من العلاجات المستخدمة في الطب الصيني التقليدي، يتم فيه استخدام
إبر دقيقة جداً تُغرس في نقاط محددة في الجسم للمساعدة على عودة انسياب
الطاقة - أن لهذا العلاج فاعلية العديد من العقاقير نفسها المستخدمة لعلاج
الشقيقة. ويعلق المتخصص الأميركي في علاج الوخز بالإبر والطب الشرقي وليام
ريدي فيقول: إن هذا العلاج يساعد على إفراز مواد كيميائية تسهم في انقباض
الأوعية الدموية. وخلافاً للعقاقير التي يتضاءل تأثيرها مع الوقت، فإن
الوخز بالإبر «يُعلِم» الأوعية الدموية كيف تبقى صحيحة وقوية، ما يؤدي مع
الوقت إلى توقف الإصابة بالصداع النصفي. ويضيف إن معظم الناس يرتاح من
أوجاعها بعد الخضوع لما يتراوح بين 4 و8 جلسات من الوخز بالإبر. وقد أثبت
هذا الأخير فاعليته لدى 90 % تقريباً من المرضى.
5 - إعادة التوازن والانتظام:
تقول المتخصصة الأميركية شيريل ماجافين: إنه غالباً ما تنشأ آلام الرأس
النصفية عن مسائل بنيوية في الأنسجة الطرية التي تحيط بالغلاف الأنبوبي،
الذي يحتوي على السائل الذي يغذي الدماغ والحبل الشوكي. ولتصحيح ذلك يقوم
المتخصص بإزالة العوائق التي تحول دون الانسياب الحر لهذا السائل. ويستخدم
المعالج لتحقيق ذلك طريقة اللمس والضغط الخفيف على الرأس والرقبة والجزء
العلوي من الصدر. ويفيد التدليك أيضاً في تعزيز انسياب الدم في الجسم وفي
الاسترخاء وفي تصحيح أي اختلال في التوازن يسهم في الإصابة بالصداع.
6 - المكملات الغذائية:
يعتبر تناول المكملات الغذائية الطبيعية واحداً من أفضل الاستراتيجيات
الوقائية على المدى البعيد. ويمكن للمريض تجريب واحد من المكملات الغذائية
التالية في كل مرة ولمدة ثلاثة أشهر على الأقل لتحديد ما إذا كانت مفيدة
له:
1 - Coenzyme Q10:
ليس من الواضح تماماً بعدُ كيف يسهم مساعد الأنزيم هذا في التخفيف من آلام
الرأس النصفية، لكن هالبيرن تعتقد أنه يحسِّن قدرة الدماغ على أيض
الغلوكوز. وكانت دراسة نشرت نتائجها مجلة «العلوم العصبية» الأميركية قد
أكدت أن تناول Coenzyme Q10 يخفف من تواتر الإصابة بالشقيقة بنسبة 50 %.
يمكن تناول 100 ملغ منه، 3 مرات في اليوم.
2 - المغنيزيوم:
تقول المتخصصة الأميركية في العلاجات الطبيعية مورين وليامس: إن هذا
المعدن البسيط يتمتع بقدرة على إراحة العضلات ويمكن أن يقي الإصابة بالصداع
النصفي، لأنه يحول دون حدوث تشنجات وتقلصات في الأوعية الدموية. وقد تبين
في إحدى الدراسات الأميركية أن الأشخاص الذين كانوا يتناولون المغنيزيوم
يومياً لمدة 12 أسبوعاً، نجحوا في التخفيف بشكل ملحوظ من تواتر إصابتهم
بالصداع النصفي، وذلك منذ بداية الأسبوع التاسع. وينصح المتخصصون بتناول
900 ملغ من المغنيزيوم يومياً.
3 - الأقحوان أو الكافورية (Feverfew):
يعود استخدام هذه العشبة في علاج آلام الرأس النصفية إلى زمن بعيد. وتعتقد
المتخصصة في العلاجات الطبيعية في جامعة باستير الأميركية ديبرا برامير،
أن تأثيرها الإيجابي قد يكمن في إسهامها في كبح سيل الالتهابات، وفي تنظيم
مستويات الناقل العصبي المسؤول عن استجابات الألم. وهي تنصح بتناول 100 ملغ
منها، 3 مرات في اليوم.
4 - Butterbur:
تقول برامير إن هذه العشبة تساعد على استقرار وتوازن الخلايا التي تفرز
الهتسامين، أي أنها تشكل خياراً جيداً للأشخاص الذين يعانون الحساسية.
وتشير دراسة نشرتها مجلة «العلوم العصبية» الأميركية إلى أن تناول هذه
العشبة يخفف من تواتر حالات الصداع النصفي لدى البعض. يمكن تناول 100 ملغ
منها، بين 3 و4 مرات في اليوم.
5 - جينكو (Ginko biloba): يساعد الجينكو على وقاية الأوعية الدموية من التشنجات والتقلصات، ويمكن تناول 120 ملغ منه يومياً.
6 - أقراص فيتامينات B: مجموعة الفيتامينات هذه، خاصة فيتاميني B2، وB6 وحمض الفوليك، تساعد على التخفيف من تواتر، ومن مدة الإصابة بالصداع النصفي.
7 - قرص من الأنزيمات الهضمية: يساعد على التخفيف من المشاكل الهضمية، التي يؤكد المتخصصون ارتباطها الوثيق بالصداع النصفي.