تقوية الصلة بالقرآن
فقد قال الله تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ {الإسراء:9}، وقال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء:82}، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {يونس:57}، ووردت أحاديث كثيرة في فضل القرآن وفضل حامله والماهر فيه، وعليه فالمرء يقوي صلته بالقرآن للحصول على هذا الخير الكثير والفضل العظيم، ولا نعتقد أننا في حاجة إلى بذل كثير من الجهد في جلب النصوص والاستدلال لحاجة المسلم إلى تقوية صلته بالقرآن.
وإن تقوية الصلة بالقرآن الكريم تتطلب منا جهداً كبيراً ومجاهدة للنفس على الإقبال عليه والإكثار من تلاوته وتدبر معانيه بنية صادقة واعتقاد جازم أنه كلام الله تعالى الذي أنزله معجزة لنبيه صلى الله عليه وسلم وهداية لخلقه، وأننا مخاطبون به، وبتطبيقه في كل كبيرة وصغيرة من شؤون حياتنا.. وبتنفيذ كل أمر يأمر به واجتناب كل أمر ينهى عنه، والاستعداد لتلاوته قبل ذلك بالطهارة الكاملة الظاهرة والباطنة وتفريغ القلب من كل ما يشغل عن التدبر في معانيه وخاصة إذا كان العبد في الصلاة.
فبذلك وما أشبهه نكون على صلة بهذا الكتاب العظيم الذي امتن الله تعالى به علينا، فقد قال سبحانه وتعالى: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ {آل عمران:164
فإن تفهم القرآن وتدبره هو المقصود الأعظم ، والمطلوب الأهم من التلاوة. فبه تنشرح الصدور ، وتستنير القلوب. قال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن)[النساء:82] وقال: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) [ص:29].
وفي صحيح مسلم عن حذيفة قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقرأها ، ثم النساء فقرأها ، ثم آل عمران فقرأها. يقرأ مسترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ. وروى أبو داود والنسائي وغيرهما عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة ، لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل ، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ.
فهذه الأحاديث تدل على أن تدبر القرآن والتفكر في معاني الألفاظ كان من هديه صلى الله عليه وسلم. .
فإن المقصود من تلاوة القرآن تدبر معانيه، وحضور القلب وخشوعه عند تلاوته؛ كما قال تعالى:أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]، ، ولعل من أعظم ما يعين على خشوع القلب عند تلاوته ما يلي:
أولاً: الإخلاص لله تعالى عند تلاوته.
ثانياً: فراغ القلب عن شواغل الدنيا، فإن ذلك أدعى لتحصيل الغرض وتحقق المقصود.
ثالثاً: البعد عن الذنوب والمعاصي، لأن لها ظلمة في القلب تحجبه عن الاستنارة بنور الذكر.
رابعاً: البكاء عند تلاوته أو التباكي أي تكلف البكاء، وقد ورد بذلك حديث في سنن ابن ماجه وهو حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا. لكن ضعف الشيخ الألباني إسناده.
خامساُ: تحري الأوقات التي يكون القلب فيها أبعد ما يكون عن الشواغل وأقرب ما يكون إلى الخشوع كالوقت الذي بعد صلاة الفجر وجوف الليل ونحو ذلك.
فقد قال الإمام النووي -رحمه الله - اعلم أن تلاوة القرآن هي أفضل الأذكار، والمطلوب القراءة بالتدبر…. وقال: ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع، فهذا هو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، ودلالته أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر. وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم آية واحدة ليلة كاملة، ومعظم ليلة يتدبرها عند القراءة. وقال أيضاً في كتابه الأذكار: المراد من الذكر حضور القلب، فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر، فيحرص على تحصيله، ويتدبر ما يذكر، ويتعقل معناه. فالتدبر في الذكر مطلوب، كما هو مطلوب في القراءة لاشتراكهما في المعنى المقصود…إلخ. ومما يدل على أهمية التدبر لآيات القرآن قوله تعالى: " (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) [ص:29].
وقد عاب الله على قوم لا يتدبرون القرآن فقال: ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) سورة محمد صلى الله عليه وسلم [محمد: 24] وقال تعالى: ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) [الحشر:21]
ومن هنا نقول للسائل الكريم: احرص على التدبر والتأمل والخشوع عند قراءتك ، ففي القراءة بطمأنينة راحة للنفس وطمأنينة لها، كما قال تعالى: ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله إلا بذكر الله تطمئن القلوب) [الرعد: 28] وكثرة قراءتك لذلك لا تبرر قراءتها بدون تمعن، لأن القرآن الكريم، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم الكريم مليئان بالفوائد والعبر والمعاني، فقد يظهر لك معنى قد خفي عليك لزمن طويل. وهذا مجرب. وقد تكون هذه آخر قراءة تقرؤها، كما قال صلى الله عليه الصلاة والسلام: "وصل صلاة مودع" رواه ابن ماجه والحاكم مع أن المسلم يصلي كل يوم خمس مرات.