صحة أحاديث الوعيد على من لم يقبل اعتذار أخيه المسلم
ورد في عظم إثم من يرد اعتذار أخيه المسلم خمسة أحاديث ، ولكنها كلها ضعيفة لا تصح :
الحديث الأول :
عَنْ جُودَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( مَنْ اعْتَذَرَ إِلَى أَخِيهِ بِمَعْذِرَةٍ ، فَلَمْ
يَقْبَلْهَا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ خَطِيئَةِ صَاحِبِ مَكْسٍ ) .
رواه أبو داود في "المراسيل" (رقم/521) ، وابن ماجه في "السنن" (رقم/3718)
وابن حبان في "روضة العقلاء" (ص/182) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (2/275)
والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/321) ، وغيرهم .
رووه جميعا من طريق وكيع ، حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن ابن ميناء – وهو العباس بن عبد الرحمن بن ميناء - عن جودان به .
يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/1907) :
" العباس بن عبد الرحمن بن مينا ليس بالمشهور ، ولم يوثقه غير ابن حبان
ولذلك قال الحافظ في "التقريب" : " مقبول " .
وجودان : لم تثبت له صحبة ، وقال أبو حاتم : " جودان مجهول ، وليست له صحبة " .
وفي "التقريب" : " مختلف في صحبته ، و ذكره ابن حبان في ثقات التابعين "
الحديث الثاني :
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بنحو الحديث السابق .
من طريق أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه ، وقد ورد عن أبي الزبير من طريقين اثنين:
1- من طريق الليث حدثني إبراهيم بن أعين ، عن أبي عمرو العبدي ، عن أبي
الزبير ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم .
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (8/283) والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/321) ، وقال الطبراني: " لم يرو هذا
الحديث عن أبي الزبير إلا أبو عمرو العبدي ، ولا عن أبي عمرو إلا إبراهيم بن أعين ، تفرد به الليث " انتهى .
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/155) : " فيه إبراهيم بن أعين وهو ضعيف " .
وضعفه العراقي رحمه الله في "تخريج أحاديث الإحياء" (2/138) .
2- من طريق الحسن بن عمارة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه .
رواه الحارث في المسند – كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (1/269) – قال : حدثنا حفص بن حمزة ، ثنا
سيف بن محمد الثوري ، عن الحسن بن عمارة .
ورواه ابن حبان في "الثقات" (8/388) ثنا أبو بدر ، ثنا عمي الوليد بن عبد الملك بن عبيد الله بن مسرح ، ثنا أبي عن
الحسن بن عمارة عن أبي الزبير ، عن جابر رضي الله عنه .
وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب الحسن بن عمارة ، فقد اتفق العلماء على تركه وضعفه . انظر : "تهذيب التهذيب"
(2/307) .
الحديث الثالث :
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( عفوا تعف نساؤكم ، وبروا آباءكم يبركم أبناؤكم ، ومن اعتذر إلى أخيه المسلم من شيء ب
لغه عنه فلم يقبل عذره لم يَرِدْ عَلَيَّ الحوض ) .
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/241) وقال :
" لم يرو هذا الحديث عن عامر بن عبد الله بن الزبير إلا عبد الملك
بن يحيى بن الزبير ، تفرد به خالد بن يزيد العمري " .
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/81) : " فيه خالد بن زيد العمري وهو كذاب "
لحديث الرابع :
حديث أنس بن مالك بنحو حديث عائشة السابق .
أخرجه ابن عساكر في سباعياته -كما قال السيوطي في اللآلئ المصنوعة (2/190)-
من طريق أبي هدبة الفارسي ، عن أنس بن مالك .
وأبو هدبة الفارسي هو إبراهيم بن هدبة : وهو كذاب ،
قال ابن حبان في المجروحين (1/114) : " إبراهيم بن هدبة ، أبو هدبة ، شيخ يروي عن أنس بن مالك : دجال من الدجاجلة ، وكان رقاصا بالبصرة ، يُدعَى إلى الأعراس فيرقص فيها ،
فلما كبر جعل يروي عن أنس ويضع عليه " .
وقال الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب" (2/119) : " موضوع " .
وكذا في "السلسلة الضعيفة" (رقم/2043) .
الحديث الخامس :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم ، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم ،
ومن أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك منه ، محقا كان أو مبطلا ، فإن لم يفعل لم يَرِدْ عليَّ الحوض ) .
رواه الحاكم في "المستدرك" (4/154) وقال : " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " ، وتعقبه الذهبي بقوله : " بل سويد ضعيف " .
وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/218) : " سويد عن قتادة ، هو ابن عبد العزيز : واهٍ " .
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/2043) : " ضعيف الإسناد " .
والحاصل : أن جميع الروايات الواردة في هذا الباب ضعيفة لا تصح .
لكن
إن ضعف الأحاديث الواردة في الوعيد على من لم يقبل عذر أخيه لا يعني أن ذلك غير مطلوب
بل قبول معذرة المعتذر من مكارم الأخلاق ، وأسباب المحبة والمودة .
قال ابن حبان رحمه الله في " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" (1/183) :
" فالواجب على العاقل إذا اعتذر إليه أخوه لجرم مضى ،
أو لتقصير سبق ، أن يقبل عذره ويجعله كمن لم يذنب ؛ لأن من تنصل إليه فلم
يقبل أخاف أن لا يرد الحوض على المصطفى صلى الله عليه وسلم .
ومن فرط منه تقصير في سبب من الأسباب يجب عليه الاعتذار في تقصيره إلى أخيه .
ولقد أنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي ...
إذا اعتذر الصديق إليك يوما ... من التقصير عذر أخ مقر
فصنه عن جفائك واعف عنه ... فإن الصفح شيمة كل حر "
وقال الإمام الغزالي رحمه الله :
" أما زلته في حقه – يعني زلة الأخ في حق أخيه - بما يوجب إيحاشه : فلا
خلاف في أن الأَوْلى العفو والاحتمال ، بل كل ما يحتمل تنزيله على وجه حسن ،
ويتصور تمهيد عذر فيه ، قريب أو بعيد ، فهو واجب بحق الإخوة " .
"إحياء علوم الدين" (2/185-186) .