يزعم أعداء الإسلام أن الإيمان بالقدر هو سر تخلف المسلمين وقعودهم عن
اللحاق بركب الحضارة المادية ، مستدلين على ذلك بواقع المسلمين اليوم ، حيث
انتشر فيهم التخلف والفقر والجهل ، وربطوا الإيمان بالقدر وواقع المسلمين ،
زاعمين أن القدر يدفع الناس إلى الكسل وترك العمل ، تحت دعوى أن كل ما هو
مقدر فسيكون . وجواباً على هذا الزعم المفترى نقول : إن الأسباب الكامنة
وراء تخلف المسلمين كثيرة منها داخلية ومنها خارجية ، وإن كان الإيمان
بالقدر من بين تلك الأسباب فمردُّ ذلك إلى الفهم الخاطئ لهذا الركن العظيم
من أركان الدين ، ونقول لهم أيضاً : إنه من غير الممكن أن يكون حال
المسلمين حاكماً على الإسلام نفسه ، وإذا أراد هؤلاء أن يحاكموا الإسلام
بالنظر إلى حال معتنقيه فليحاكموه بحال معتنقيه الأوائل من الصحابة الكرام
رضوان الله عليهم ، وكيف أنهم في فترة وجيزة فتحوا جزيرة العرب وخضعت لهم
مملكتا فارس والروم ، فلو كان الإيمان بالقدر هو سر تخلف المسلمين ، لما
وصل المسلمون في العهد الأول - وكانوا مؤمنين بالقدر - إلى ما وصلوا إليه ،
ولقعد بهم عن العمل كما قعد بِخَلَفِهِم .
وبعد هذه المقدمة التي
لابد منها نعرض لبعض ثمار الإيمان بالقدر ، حتى يتضح عظم منزلة منزلته من
الدين ، وعظم آثاره وثماره على المسلمين ، ويتضح بذلك فساد زعم أعداء
الإسلام ، فنقول وبالله التوفيق:
إن للإيمان بالقدر ثمارا جليلة يدركها كل مؤمن به ، منها:
ربط
العبد بخالقه سبحانه ، ذلك أن الحياة مليئة بالمفاجآت ، فلا يدري المرء ما
يحصل له من خير ، أو ما يدهمه من شر ، فيأتي الإيمان بالقدر ليبقي قلب
المؤمن معلقاً بخالقه ، راجياً أن يدفع عنه كل سوء ، وأن يعافيه من كل بلاء
، وأن يوفقه لخيري الدنيا والآخرة ، فتتعلق نفسه بربه رغبةً ورهبةً.
ومن
ثمار الإيمان بالقدر معالجة أمراض المجتمع الناشئة عن عدم الرضا بقضاء
الله وقدره ، كالحسد الذي يدفع العبد إلى الضغينة والحقد ، فإن العبد إذا
علم أن الله هو المعطي وهو المانع ، وأن الرزق مقسوم والأجل محدود ، سلَّم
أمره إلى الله ، وقنع بما رُزِق ، وعلم أن ما كتب له سيأتيه . ولو لم يرد
أهل الأرض ، وأن مالم يكتب لن يأتيه ولو أراد أهل الأرض.
ومن ثمار
الإيمان بالقدر أنه يبعث في النفوس الشجاعة والإقدام والثبات في ساحات
القتال ، لإيمانها بأن الآجال محدودة ، وأن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه ،
وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، فيدفعه ذلك إلى الإقدام ، وترك الإحجام
والمقاتلة بكل قوة وشجاعة .
ومن ثمار الإيمان بالقدر أنه يورث العبد
قدرة على مواجهة المصائب والأحداث فلا يستسلم وينهار ، ولا تضعف نفسه ، بل
يسلم أمره لله قائلا ( إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي
واخلف لي خيرا منها ) كما روى ذلك مسلم في صحيحه.
ومن ثمار الإيمان
بالقدر تحرر العبد من الخوف إلا من الله جلَّ وعلا ، فإذا علم المسلم أن
لكل أجل كتاب ، ولكل أمر مستقر ، وأن نواصي العباد بيده سبحانه ، لم يرهبه
ظلم ظالم ، ولا تجبر جبار .
ومن ثمار الإيمان بالقدر الحرص على
الأعمال الصالحة ، لعلم العبد أن الموت قد يدهمه في أي لحظة ، فيكون حاله
كمن يسابق الزمن في سبيل التزود من عمل الخير .
هذه بعض ثمار
الإيمان بالقدر ، وهي غيض من فيض ، ونقطة من بحر ، ولن تتضح لك جلياً حتى
تتأملها في نفسك وإخوانك ، وحتى تتأمل نقيضها فيمن لا يؤمن بالقدر ، فكم
قتلت الحيرة نفوساً أرقها التفكر في المستقبل . أو أزعجها وقوع مصيبة
عليها، لذلك نجد أن الإسلام في سجون الكافرين يلقى قبولا عظيما - كما ذكر
ذلك بعض الكتَّابِ - وذلك لما يوفره الإيمان من راحة نفسية وطمأنينة قلبية
تحمل صاحبه على التسليم لله جلا وعلا ، وتفويض الأمر إليه