بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تنسوا العظيمتين
عن ابن عمر قال ,سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول( لا تنسوا العظيمتين )( لا تنسوا
العظيمتين )قلنا,وما العظيمتان,قال(الجنة والنار )
قال فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم,ما ذكر ثم بكى
حتى جرى أوائل دموعه جانبي لحيته ثم قال(والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً ، ولما تلذذتم
بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله )فلما سمع أبو ذر هذا قال,وددت أني كنت شجرة تعضد,
والله لو أن القلوب سليمة لتقطّعت ألماً من الحرمان,ولكنها سكرى بحب حياتها الدنيا وسوف تفيق بعد زمان,
قال ابن القيم رحمه الله,فمن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرط حسرة وخوفاً لتقطّع في الآخرة إذا حقت الحقائق،
وظهرت الأمور,فلا بد من تقطّع القلب,إما في الدنيا,وإما في الآخرة,ولك الخيار,الفرق بيننا وبينهم أن الكلمات القليلة
البسطية تذكرهم وتبكيهم,ونحن نسمع الزواجر والروادع مرات مرات ولا يتغير الحال,أراد عمر بن عبد العزيز أن
يضرب غلاماً له على خطأ أخطأه,فقال له الغلام,يا عمر,اتق الله,واذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة,
قال,فبكى عمر،ولم يتوقف بكاءه إلا عندما سمع المنادي يناديه ، وهو في ساعات احتضاره،وهو يقرأ عليه(تلك
الدار الاّخرة نجعلها للذين لايريدون علواّ في الأرض ولا فساداّ والعاقبة للمتقين)أما تبكيك الذنوب,أما يبكيك تجرأك
على علام الغيوب,اسمعوا يا أصحاب الذنوب,وكلنا ذاك,عن عقبة بن عامر قال,قلت يا رسول الله ما النجاة,قال(أمسك
عليك لسانك,وليسعك بيتك,وابك على خطيئتك)إبكي,قبل أن تشهد عليك الجوارح والأركان,وقبل أن تقف في ذلك
الموقف العظيم،ثم يقررك الملك العلام,بذنوبك فيقول لك, أتذكر ذنب كذا,أتذكر ذنب كذا,وأنت لا تجد مفراً من السؤال,
إبكي,قبل أن يسألك ربك,ألم تكن تظن أني أراك وأنت تعصاني,أما استحييت مني وأنت تختبأ عن أعين الناس
وتنساني,إبكي,فإن العبد إذا بكى بين يدي سيده رحمه,و الطفل إذا بكى رحمته أمه،وربنا أرحم بنا من إمهاتنا,بل
حتى من أنفسنا,إبكي,إن العبد لا يزال يبكي حتى يرحمه سيده فيعتقه من النار,واعلم,أن كثرة الدموع وقلتها على
قدر احتراق القلب,وإن القليل من التذكرة ليشعل النار في القلوب الحية,وحياة القلوب ترك الذنوب,وأرق الناس قلوباً
أقلهم ذنوباً,وإن أصحاب القلوب الرقيقة هم الذين,تشتعل في قلوبهم الأنوار بمجرد تلاوة آية,وتتدفق من عيونهم
الدموع الغزيرة بمجرد التذكير بعظمة الجبار,وترتعش أجسامهم وتضطرب بمجرد التذكير بأهوال
الآخرة,إبكي,اليوم على خطئتك قبل أن لا ينفع البكاء, واعلم أنَّ البكاء من مفاتيح التوبة,ألا ترى أن القلوب ترق
حينها فتندم,اسمع قول المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يقول ( عينان لا تمسهما النار,عين بكت من خشية الله ،
وعين باتت تحرس في سبيل الله)إذا أردت أن تعرف قيمة الدموع وأثرها,فاسأل التائبين,عندما يتوجهون إلى ربهم
بقلب كسير وعيون خاشعة ذليلة فتنهمر الدموع لتكون دليلاً على الندم والتوبه,هنيئاً لهم (إن الله يحب التوابين
ويحب المتطهرين)عن حمزة الأعمى,قال,ذهبت أمي إلى الحسن فقالت, يا أبا سعيد ابني هذا قد أحببت أن يلزمك
ويرافقك ، فلعل الله أن ينفعه بك ، قال,فكنت أختلف إليه,فقال لي يوماً يا بني,أَدم الحزن على خير الآخرة ، لعله
أن يوصلك إليه,وإبكي,في ساعات الخلوة لعل مولاك يطلع عليك فيرحم عبرتك فتكون من الفائزين,يقول وكنت أدخل
عليه منزله وهو يبكي،وآتيه مع الناس وهو يبكي،وربما جئت وهو يصلي فأسمع بكاءه ونحيبه,فقلت له يوماً,يا أبا
سعيد إنك لتكثر من البكاء,فبكى ثم قال,يا بني إن البكاء داعٍ إلى الرحمة ، فإن استطعت ألا تكون عمرك إلا باكياً فافعل
لعله يراك على حالة فيرحمك بها ، فإذا رحمك فإنك نجوت من النار وفزت بالجنة,أليست الأم ترحم وليدها إذا بكى,
آه ثم آه من القلوب القاسية,عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه
فقال (إن أحببت أن يلين قلبك فامسح رأس اليتيم وأطعم المسكين )إلى متى وقلوبنا قاسية,وأنفسنا لاهية,
أما آن أن نستجيب لنداء ربنا وهو يخاطبنا قائلاً(ألم يأن للذين اّمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)
وكان أصحاب القلوب الحية إذا سمعوا هذه الآية بكوا ، وقالوا,بلى يا ربي قد آن قد آن,الناس في غفلة والموت
يوقظهم,يشيعون أهاليهم بجمعم وينظرون,ويرجعون إلى أحلام غفلتهم,وما يفيقون حتى ينفد العمر,إلى ما فيه قد
قبروا,كأنهم ما رأوا شيئاً ولا نظروا,قال ابن القيم رحمه الله,ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب،والبعد عن
الله,وإن أبعد القلوب من الله القلب القاسي,وإنه إذا قسى القلب قحطت العين,
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً.
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن دعوة لا يستجاب لها.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم ,بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.