بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رسالة إلى غاضب
أيها الغاضب,يا من ثارت ثائرتك وتشنجت أعصابك,وفقدت السيطرة على قولك وفعلك,إن
الغضب انفعال بشري فطري يؤدي إلى ثورة النفس وحملها على الرغبة في البطش
والانتقام,ويختلف الغضب من شخص لآخر ، فمن الناس من هو سريع الغضب ، ومنهم من
يكون غضبه بطيئاً بسيطاً ، وهناك من يزول غضبه بزوال سبب الغضب ، ومنهم من يستمر
غضبه مدة طويلة,
ولأن الغضب سلوك يتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي وتربيته السامية التي
جاءت لتربية الإنسان على مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال ، وحثه على احتمال الآخرين
وكف الأذى عنهم ومحاولة كظم الغيظ والعفو عند المقدرة,يا من اشتد غضبك ، تذكر أنك قد
جنيت على نفسك بغضبك حينما تشنجت أعصابك ، واحمر وجهك ، وزاد خفقان قلبك ، وتتابعت
أنفاسك ، وانتفخت أوداجك فقبحت صورتك واضطربت حركتك ، وارتعدت أطرافك، وربما
فحش كلامك وأشعلت في داخلك شعلة من نار يأكل بعضها بعضاً,فهل يسرك أن تكون على هذه
الحال,يا من دعاك الشيطان إلى الانتقام ممن أغضبك بالسب والشتم أو الاعتداء باليد ونحو
ذلك تذكر ما روي عن أبي هريرة,رضي الله عنه,أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( ليس
الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )أخرجه البخاري,وعليك محاولة رد
الغضب والتحكم في أقوالك وأفعالك حتى لا تخطئ في حق غيرك أو تتلفظ بلفظ لا يليق بك,وأعلم
أن من ملك نفسه عند الغضب كان أقوى إرادة وأكثر قدرة على ضبط أعصابه وانفعالاته,اعلم
أن في ترك الغضب عصمة للإنسان من كيد الشيطان ومكره,ولذلك روي عن أبي
هريرة,رضي الله عنه ,أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم ,أوصني , قال(لا تغضب)فردد
مراراً قال(لا تغضب)رواه البخاري, ومعنى هذا على المسلم اجتناب أسباب الغضب ودواعيه لأنه
عدو خطير للإنسان المسلم حينما ينقاد لهوى النفس الأمارة بالسوء وقواها الشريرة،حتى قال
بعض السلف(أقرب ما يكون العبد من غضب الله عز وجل إذا غضب)لا تغفل عن نتائج الغضب
المؤسفة وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع لما يترتب عليه من إضمار للسوء ، وزرع الحقد في
القلوب ، وإثارة العداوة والبغضاء بين الناس فتكون النتيجة المؤلمة متمثلة في دمار المجتمع
وانعدام الروابط الاجتماعية والأخلاقية بين أفراده ، وبخاصة متى كان انتقاماً للنفس أو استجابة
لثورتها,والعياذ بالله,لا تنس ما أرشد إليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال
ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها ويؤديها متى ما تعرض للغضب كأن يلزم الغاضب الصمت فلا
يتكلم حتى لا ينطق بما قد يندم عليه بعد زوال غضبه ، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم
قوله( إذا غضب أحدكم فليسكت )قالها ثلاثاً ,رواه أحمد والترمذي وأبو داود,أو تغيير
الحالة التي يكون الإنسان عليها إلى حالة أخرى ,وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال( إذا
غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)رواه أحمد وأبو داود,ومن
ذلك الاستعاذة بالله سبحانه من الشيطان الرجيم لما روي أنه استب رجلان عند النبي صلى الله
عليه وسلم ، وأحدهما يسب صاحبه مغضباً وقد احمر وجهه ، فقال صلى الله عليه وسلم (إني
لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد ، لو قال,أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) رواه مسلم
وأبو داود والنسائي,وأخيراً الوضوء الذي يساعد,بإذن الله,على إطفاء حرارة الغضب
وإخماد لهيبه ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم( إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق
من النار,وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ )) رواه أحمد وأبو داود,
فاحرص,على ذلك وعود نفسك على هذا العلاج النبوي ؛ وإياك أن تغفل عنه متى ما شعرت
بالغضب حتى لا تندم,يا من اشتعلت جمرة الغضب في قلبك ، تذكر ما جاء في ثواب العفو
وفضل كظم الغيظ ، واحرص على ألا يفوتك أجر ذلك وثوابه ، فقد ذكر جل وعلا ذلك في قوله
(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين,الذين ينفقون
في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)وقد روي عن
النبي صلى الله عليه وسلم( ما كظم عبد لله إلا ملأ جوفه إيماناً) رواه أحمد,كما ورد قوله صلى
الله عليه وسلم( ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً) رواه مسلم,من هنا كان عليك أن تعمل على
التحكم في ثورة النفس ومحاولة تملك الأعصاب وقهر الغضب رغبة في ما عند الله جل وعلا من
جزاء حسن وثواب عظيم,وعلى المسلم أن يغضب لله وأن يثور على من انتهك محارم الله أو
اعتدى على حرمات الدين اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن يغضب لنفسه وإنما كان
غضبه لله سبحانه,فقد روى مالك والبخاري( ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، إلا
أن تنتهك حرمة الله ، فينتقم لله تعالى)اعلم أن في النهي عن الغضب تربية عظيمة للإنسان
المسلم الذي متى وفق لاجتنابه كان بعيدا بإذن الله عن مكر الشيطان وكيده ، وأن المسلم متى ما
تعود على عدم الغضب وكظم الغيظ كان من السهل عليه إلا يغضب بسرعة وأن يتمكن من
التحكم في نفسه وضبط انفعالاته,
أسأل الله أن يجنبنا وإياكم أسباب الغضب ودواعيه وأن يكفينا مكر الشيطان ووساوسه.