بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
البكاء نتيجة طبيعية لحالة قلب عّمر فيه الإيمان ، وسلوك استقام على طاعة
الله ، وروح عاشت لله سبحانه وتعالى في كل شأنها,هكذا كان السلف
الصالح،والبكاء
شيء غريزي ، هذه هي الفطرة فالإنسان لا يملك دفع البكاء عن نفسه ، يقول
الله تعالى(وإنه هو أضحك وأبكى)قال القرطبي في تفسيرها,أي,قضى أسباب الضحك
والبكاء,لأن الفرح يجلب الضحك,والحزن يجلب البكاء,ولقد مدح الله تعالى
البكائين من خشيته ، وأشاد بهم في كتابه الكريم(قلاّمنوا به أو لاتؤمنوا إن
الذين أوتوا العلم
من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداّ,ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد
ربنا لمفعولاّ)ففي حديث السبعة الذين ذكرهم الرسول صلى الله عليه
وسلم,الذي
رواه البخاري وغيره( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله,إمام عادل ،
وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل ، ورجل قلبه معلّق بالمساجد ، ورجلان تحابا
في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال
فقال,إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق
يمينه ،
ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه )وروى أحمد والنسائي والحاكم
والترمذي,إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال( حرمت النار على عين بكت من
خشية الله )وفي
حديث أبي يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(
لا يلج النار رجل بكى من خشية الله ) رواه الترمزي في سنته،وصححه الألباني
في صحيح سنن الترمزي،والبكاء خوف يسكن القلب حتى تدمع منه
العين قهراً ، ويمنع صاحبه عن مقارفة الذنوب وتحثه على ملازمة الطاعات فهذا
هو البكاء المقصود,وهذه هي الخشية المطلوبة,لا خشية الحمقاء الذين إذا
سمعوا ما
يقتضي الخوف لم يزيدوا على أن يبكوا ويقولوا يا رب سلم,وهم مع ذلك مصرون
على القبائح والشيطان يسخر بهم,كلما ازددت طاعة ، ازددت تقوى ، وكلما بعدت
عن المعصية ، ازددت قرباّ ، وكلما كنت موافقاّ للشرع الحكيم ، كلما هاجت
النفس بمعاني الإيماني,ولا يعني هذا أن المرء لا يعصي،ومن ذا الذي لا يعصي ،
لكن
المهم التوبة ، المتكررة المتجددة بها تدمع العيون وتلين القلوب,لقد ذكر
الإمام ابن القيم رحمه تعالى عشرة أنواع للبكاء هي,بكاء الخوف والخشية,بكاء
الرحمة
والرقة,بكاء المحبة والشوق,بكاء الفرح والسرور,بكاء الجزع من ورود الألم
وعدم احتماله,بكاء الحزن,والفرق عن بكاء الخوف,أن الحزن ,يكون على ما مضى
من
حصول مكروه أو فوات محبوب،وبكاء الخوف,يكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك ،
والفرق بين بكاء السرور والفرح,وبكاء الحزن, أن دمعة السرور باردة ,والقلب
فرحان ، ودمعة الحزن حارة,والقلب حزين،بكاء النفاق وهو,أن تدمع العين
والقلب قاس,والبكاء المستعار والمستأجر عليه،كبكاء النائحة بالأجرة فإنها
كما قال أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه,تبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها,بكاء
الموافقة,فهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر,فيبكي معهم ولا يدري لأي شيء
يبكون,فكن مقبلاً على الطاعات،واختر منها ما يزيد الخشوع في قلبك، وسترى
الدموع تنطلق بصدق وإخلاص,إن هذا القلب البشري سريع التقلب , سريع
النسيان,يفيض بالنور,فإذا طال عليه الأمد بلا تذكير ولا تذكر تبلد وقسا ,
وانطمست إشراقته , وأظلم وأعتم,فلا بد من تذكير هذا القلب حتى يذكر ويخشع ,
ولا بد من
الطرق عليه حتى يرق ويشف,ولا بد من اليقظة الدائمة كي لا يصيبه التبلد
والقساوة,ولكن لا يأس من قلب خمد وجمد وقسا وتبلد,فإنه يمكن أن تدب فيه
الحياة , وأن يشرق فيه النور,وأن يخشع لذكر الله,فالله يحيي الأرض بعد
موتها , فتنبض بالحياة,وتزخر بالنبت والزهر , وتمنح الأكل والثمار,وكذلك
القلوب حين يشاء
الله,ومن خصائص البكاءعليه أن يتحلى بها ومنها,الخوف من الله عز وجل,والصبر,والحرص على الصلاة ,والإنفاق,واليقين بلقاء الله,
وتعظيم شعائر الله,اجعل الخوف من الله تعالى ،وتفنن في المحافظة على الصلاة
ونوافلها والمواظبة عليها ، وأنفق في سبيل الله من مالك ووقتك في خدمة هذا
الدين،وتعلق بالله وحدة بيقين ، ولا تستهن بأمر من أمور الشرع الحكيم،وقتها
ستبكى ببكاء رباني ينعم الله به عليك.