سم الله الرحمن الرحيم
في قاعة الاختبار يسمح لكل خطأ بأن يمسح ، وعلى ذلك لا يمكن لعاقل أن يقدم ورقة اختباره بخطئها فيرسب ويعيد عاماً ، ولديه الوقت لمسح الخطأ وتصويبه وخاصة وهو يعلم اين خطأه وما هو تصويبه وذلك للنجاح في اختبار الدنيا .
كذلك الإنسان في هذه الحياة الدنيا خلقه الله تعالى وكتب عليه الخطأ والزلل ، والذنب والمعصية ، وجعل له ماحية للخطايا ، ومزيلة للرزايا _ إنها التوبة _ نعم التوبة ، هي التي تمحو الذنوب ، وتُبدل بها السيئات إلى حسنات ، بفضل الله ومنته ، وكرمه ورحمته سبحانه ، فرحمته سبقت غضبه ، وهو الغفور الحليم ، التواب الرحيم .
فاحذر يا عبد الله أن تقابل ربك في قبرك ويوم القيامة بصحيفة سوداء قاتمة ، وبإمكانك إن تبدل السيئات بالحسنات ، وذلك بالتوبة النصوح ، فالله عز وجل يقيل العثرات ، ويعفو عن السيئات ، ويقبل التوبات .
الخطأ لا ينفك عن بني آدم حتى يتوفاه الله تعالى ، فالذنب والمعصية ملازمة له ، وكل حسب إيمانه وخوفه من ربه ، فمستقل ومستكثر من الذنوب نسأل الله أن يعافينا منها قليلها وكثيرها ، صغيرها وكبيرها إنه جواد كريم ،
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ" [ رواه الترمذي وأحمد وان ماجة وغيرهم ، وقال العلامة الألباني : حديث حسن ، انظر حديث رقم: 4515 في صحيح الجامع ] .
وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " وَالَّذِي نَفْسِىي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ " [ رواه مسلم ] .
فسارع وانكسر واستغفر وتب إليه فهو يقبل التوبة ، ويعفو عن السيئة ، قال الله تعالى :
{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } [ النساء17 ]
{ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ المائدة39 ] .
{ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [ الشورى25 ]
{ ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون }
قال ابن كثير أي : تابوا من ذنوبهم ورجعوا إلى الله عن قريب ولم يستمروا على المعصية
ويصروا مقلعين عنها ولو تكرر منهم الذنب تابوا منه .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 408 ) .
عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول :
( إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ وَرُبَّمَا قَالَ أَصَبْتُ فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ رَبُّهُ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا قَالَ قَالَ رَبِّ أَصَبْتُ أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاثًا ....الحديث )
رواه البخاري (7507) ومسلم ( 2758 ) .
وقد بوَّب النووي – رحمه الله – على هذا الحديث قوله : باب " قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة " .
وقال في شرحه :
هذه المسألة تقدمت في أول كتاب التوبة , وهذه الأحاديث ظاهرة في الدلالة لها , وأنه لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر , وتاب في كل مرة : قبلت توبته , وسقطت ذنوبه , ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها : صحت توبته .
" شرح مسلم " ( 17 / 75 ) .
وقال ابن رجب الحنبلي :
قال [ عمر بن عبد العزيز ] : " أيها الناس مَن ألمَّ بذنبٍ فليستغفر الله وليتب ، فإن عاد فليستغفر الله وليتب ، فإن عاد فليستغفر وليتب ، فإنما هي خطايا مطوَّقة في أعناق الرجال ، وإن الهلاك في الإصرار عليها " .
وكما يُبغض الله تعالى المعصية ويتوعد عليها بالذنب : فإنه لا يحب أن يقنط عباده من رحمته عز وجل ، وهو يحب أن يستغفره العاصي ويتوب إليه ، ويود الشيطان أن لو يقع يأس وقنوط من العبد العاصي حتى يصده عن التوبة والإنابة .
قيل للحسن البصري : ألا يستحيى أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ، ثم يستغفر ثم يعود ؟
فقال : ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا ، فلا تملُّوا من الاستغفار .
أستغفر الله العظيم
منقول