إن سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرم بنص الكتاب العزيز
و هو ما تعتقده و تدين به الفرقة الناجية من هذه الأمة.
دلالة القرآن على تحريم سبهم - رضي الله عنهم:-
لقد جاءت الإشارات إلى تحريم سبهم في غير ما آية من كتاب الله - تعالى -، من ذلك: -
1 - قوله - تعالى -والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان - رضي الله عنهم - و رضوا عنه.
وجه الدلالة: أن الله - تعالى - رضي الله عنهم رضى مطلقاً، فرضي عن السابقين من غير اشتراط إحسان و لم يرض عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان، والرضى من الله صفة قديمة فلا يرضى عن عبد علم أنه يوافيه على موجبات الرضى، و من - رضي الله عنه - لم يسخط عليه أبداً.
2 - قوله - تعالى -إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً الأحزاب/57.
وجه الدلالة: إن إيذاء الرسول يشمل كل أذية قولية أو فعلية من سب و شتم أو تنقص له أو لدينه، أو ما يعود إليه بالأذى، و مما يؤذيه - صلى الله عليه وسلم - سب أصحابه و قد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن إيذاءهم إيذاء له، و من آذاه فقد آذى الله. المسند (4/87) و تيسير الكريم الرحمن (6/121).
3 - قوله - تعالى -والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً الأحزاب/58.
وجه الدلالة: أن النهي عن سب المؤمنين والمؤمنات بما ينسب إليهم مما هم منه براء لم يعملوه، فإن الصحابة - رضي الله عنهم - في صدارة المؤمنين، فإنهم المواجهون بالخطاب في كل آية مفتتحة بقوله يا أيها الذين آمنوا. إلى غيرها من الآيات الكثيرة.
دلالة السنة على تحريم سب الصحابة: -
لقد دلت السنة النبوية المطهرة على تحريم سب الصحابة والتعرض لهم بما فيه نقص و حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الوقوع في ذلك، لأن الله - تعالى -اختارهم لصحبة نبيه و نشر دينه وإعلاء كلمته، فبلغوا الذروة في محبته - صلى الله عليه وسلم - فكانوا له وزراء وأنصاراً يذبون عنه و سعوا جاهدين منافحين لتمكين الذين في أرض الله حتى بلغ الأقطار المختلفة و وصل إلى الأجيال المتابعة كاملاً غير منقوص، فمن الأحاديث التي دلت على تحريم سبهم:-
1 – ما رواه الشيخان في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه.
فهذا الحديث اشتمل على النهي والتحذير من سب الصحابة - رضي الله عنهم -، و فيه التصريح بتحريم سبهم، و قد عد بعض أهل العلم سبهم من المعاصي والكبائر. شرح مسلم (16/93).
2 روى الحافظ الطبراني بإسناده إلى عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تسبوا أصحابي لعن الله من سب أصحابي. أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/21) و رجاله رجال الصحيح.
3 - وروى أيضاً بإسناده إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: م سب أصحابي فعليه لعنة الله و الملائكة والناس أجمعين. أورده السيوطي في الجامع الصغير، و حسن إسناده الألباني في صحيح الجامع.
4 - روى الطبراني من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا. مجمع الزوائد (7/202). و صحح الألباني سنده في صحيح الجامع.
إلى غيرها من الأحاديث الصرحية التي تنهى عن سب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعلى المسلم أن يحذر من سبهم أو يعترض لهم بما يشينهم - رضي الله عنهم -، و قد جمع الإمام الذهبي الذنوب التي هي من الكبائر في كتابه الكبائر (ص 233-237) وعد سب الصحابة منها.
والحاصل مما تقدم أن السنة دلت على أن سب الصحابة من أكبر الكبائر وأفجر الفجور، وأن من ابتلي بذلك فهو من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
من كلام السلف في تحريم سب الصحابة:-
إن النصوص الواردة عن سلف الأمة وأئمتها من الصحابة و من جاء بعدهم من التابعين لهم بإحسان التي تقضي بتحريم سب الصحابة والدفاع عنهم كثيرة جداً، و متنوعة في ذم وعقوبة من أطلق لسانه على أولئك البررة الأخيار، فمن ذلك:-
1 - ذكر ابن الأثير في جامع الأصول (9/408-409) عن رزين من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قيل لعائشة: إن ناساً يتناولون أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أبا بكر وعمر، فقالت: و ما تعجبون من هذا؟ انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر.
2 - روى ابن بطة في شرح الإبانة (ص 119) بإسناد صحيح إلى ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لا تسبوا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلمقام أحدهم ساعة يعني مع النبي - صلى الله عليه وسلم - خير من عمل أحدكم أربعين سنة.
3 روى أبو يعلى والطبراني عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت لأبي عبد الله الجدلي: يا أبا عبد الله أيسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيكم، قلت: أنى يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: أليس يسب علي و من يحبه، و قد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحبه. مجمع الزوائد (9/130) بسند صحيح.
4 - روى محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى سعيد بن عبد الرحمن بن أبي أبزى قال: قلت لأبي: ما تقول في رجل يسب أبا بكر؟ قال: يقتل، قلت: سب عمر؟ قال: يقتل. تهذيب التهذيب (6/132-133).
5 قال مالك بن أنس - رحمه الله -: الذي يشتم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس له سهم أو قال نصيب في الإسلام. شرح الإبانة لابن بطة (ص 162).
6 - قال عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي: من شتم أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - فقد ارتد عن دينه وأباح دمه. نفس المصدر. إلى غيرها من الأقوال الكثيرة.
حكم ساب الصحابة وعقوبته:-
اختلف أهل العلم في الحكم والعقوبة التي يستحقها من سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو جرحهم، هل يكفر بذلك و تكون عقوبته القتل، أو أنه يفسق بذلك و يعاقب بالتعزير.
1 - ذهب جمع من أهل العلم إلى القول بتكفير من سب الصحابة - رضي الله عنهم - أو انتقصهم و طعن في عدالتهم و صرح ببغضهم وأن من كان هذه صفته فقد أباح دم نفسه و حل قتله، إلا أن يتوب من ذلك ويترحم عليهم.
و ممن ذهب إلى هذا القول من السلف:-
1 - الصحابي عبد الرحمن بن أبزى، كما في كتاب النهي عن سب الأصحاب (ص 23).
2 – عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، في شرح الإبانة لابن بطة (ص 162).
3 - أبو بكر بن عياش، كما في شرح الإبانة (ص 160).
4 - سفيان بن عيينة، كما في كتاب النهي عن سب الأصحاب (ص 24-25).
5 - محمد بن يوسف الفريابي، كما في شرح الإبانة (ص 160).
6 - بشر بن الحارث المروزي، كما في شرح الإبانة (ص 162).
7 - محمد بن بشار العبدي، كما في شرح الإبانة (ص 160).
و غيرهم كثير، فهؤلاء الأئمة صرحوا بكفر من سب الصحابة و بعضهم صرح مع ذلك أنه يعاقب بالقتل، وإلى هذا القول ذهب بعض العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية و الحنابلة والظاهرية.
2 و ذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن ساب الصحابة لا يكفر بسبهم بل يفسق و يضلل و لا يعاقب بالقتل بل يكفي بتأديبه وتعزيره تعزيراً شديداً يردعه و يزجره حتى يرجع عن ارتكاب هذا الجرم الذي يعتبر من كبائر الذنوب و فواحش المحرمات، وإن لم يرجع تكرر عليه العقوبة حتى يظهر التوبة، و ممن يرى بذلك من الأئمة: -
1 - عمر بن عبد العزيز، كما في الصارم المسلول (ص 569).
2 - عاصم الأحول، كما ذكره ابن تيمية في الصارم المسلول (ص 569).
3 - الإمام مالك، كما في الشفاء (2/267).
4 - إسحاق بن راهوية، كما في الصارم المسلول (ص 568)
و جمع غفير من الأئمة، فهذه النقول توضح أن طائفة من أهل العلم ذهبوا إلى أن ساب الصحابة فاسق و مبتدع ليس كافراً، يجب على السلطان تأديبه تأديباً شديداً لا يبلغ به القتل.
و الذي يترجح أن ساب الصحابة لا يكفر، لكن هذا ليس على إطلاقه، وإنما هو مشروط بعدم مصادمة النصوص الصريحة من الكتاب والسنة الصحيحة، و عدم إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وعلى هذا يحمل كلام من أطلق القول بعدم التكفير. والله - سبحانه وتعالى - أعلم.
و ختاماً أتمنى أن أكون قد وفقت في بيان المنهج الصحيح الذي يجب أن يعتقده المسلم في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و معنى العدالة التي يتمتع بها الصحابة رضوان الله عليهم.