شبهة أن النساء ناقصات عقل ودين
Click this bar to view the full image.
أن النساء ناقصات عقل ودين
الرد على الشبهة:
المصدر الحقيقي لهذه الشبهة هو العادات والتقاليد الموروثة ، والتي تنظر إلى المرأة نظرة دونية.. وهى عادات وتقاليد جاهلية ، حرر الإسلام المرأة منها.. لكنها عادت إلى الحياة الاجتماعية ، في عصور التراجع الحضاري مستندة كذلك إلى رصيد التمييز ضد المرأة الذي كانت عليه مجتمعات غير إسلامية ، دخلت في إطار الأمة الإسلامية والدولة الإسلامية ، دون أن تتخلص تماماً من هذه المواريث.. فسرعة الفتوحات الإسلامية التي اقتضتها معالجة القوى العظمى المناوئة للإسلام قوى الفرس والروم وما تبعها من سرعة امتداد الدولة الإسلامية ، قد أدخلت في الحياة الإسلامية شعوباً وعادات وتقاليد لم تتح هذه السرعة للتربية الإسلامية وقيمها أن تتخلص تلك الشعوب من تلك العادات والتقاليد ، والتي تكون عادة أشد رسوخاً وحاكميه من القيم الجديدة.. حتى لتغالب فيه هذه العادات الموروثة العقائد والأنساق الفكرية والمثل السامية للأديان والدعوات الجديدة والوليدة ، محاولة التغلب عليها !.
ولقد حاولت هذه العادات والتقاليد بعد أن ترسخت وطال عليها الأمد ، في ظل عسكرة الدولة الإسلامية في العهدين المملوكي والعثماني أن تجد لنظرتها الدونية للمرأة " غطاء شرعيًّا " في التفسيرات المغلوطة لبعض الأحاديث النبوية وذلك بعد عزل هذه الأحاديث عن سياقها ، وتجريدها من ملابسات ورودها ، وفصلها عن المنطق الإسلامي منطق تحرير المرأة كجزء من تحريره للإنسان ، ذكراً كان أو أنثى هذا الإنسان فلقد جاء الإسلام ليضع عن الناس إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ، وليحيى ملكات وطاقات الإنسان مطلق جنس ونوع الإنسان وليشرك الإناث والذكور جميعاً في حمل الأمانة التي حملها الإنسان ، وليكون بعضهم أولياء بعض في النهوض بالفرائض الاجتماعية ، الشاملة لكل ألوان العمل الاجتماعي والعام..
لكن العادات والتقاليد الجاهلية في احتقار المرأة ، والانتقاص من أهليتها ، وعزلها عن العمل العام ، وتعطيل ملكاتها وطاقاتها الفطرية قد دخلت فى حرب ضروس ضد القيم الإسلامية لتحرير المرأة.. وسعت إلى التفسيرات الشاذة والمغلوطة لبعض الأحاديث النبوية والمأثورات الإسلامية كي تكون " غطاءً شرعياً " لهذه العادات والتقاليد..
فبعد أن بلغ التحرير الإسلامي للمرأة إلى حيث أصبحت به وفيه:
* طليعة الإيمان بالإسلام.. والطاقة الخلاقة الداعمة للدين ورسوله صلى الله عليه وسلم كما كان حال أم المؤمنين خديجة بنت خويلد [ 68 3ق هجرية / 556 620م ] رضي الله عنها.. حتى لقد كان عام وفاتها عام حزن المسلمين ورسول الإسلام ودعوة الإسلام..
* وطليعة شهداء الإسلام.. كما جسدتها شهادة سمية بنت خياط [ 7ق هجرية 615م] ، أم عمار بن ياسر [ 57 ق هجرية 37 هجرية /567 657م]..
* وطليعة المشاركة في العمل العام السياسي منه ، والشورى ، والفقهي ، والدعوى ، والأدبي ، والاجتماعي. بل والقتالي - كما تجسدت في كوكبة النخبة والصفوة النسائية التي تربت في مدرسة النبوة..
بعد أن بلغ التحرير الإسلامي للمرأة هذه الآفاق.. أعادت العادات والتقاليد المرأة أو حاولت إعادتها إلى أسر وأغلال منظومة من القيم الغربية عن الروح الإسلامية.. حتى أصبحت المفاخرة والمباهاة بأعراف ترى:
* أن المرأة الكريمة لا يليق بها أن تخرج من مخدعها إلا مرتان: أولاهما: إلى مخدع الزوجية.. وثانيتهما: إلى القبر الذي تُدفن فيه !..
* فهي عورة ، لا يسترها إلا " القبر " !.
ولم أر نعمة شملت كريماً *** كنعمة عورة سُترت بقبر !
وإذا كان الإسلام قد حفظ حياتها من الوأد المادي القتل فإن المجد والمكرمات في تلك العادات هي في موتها !
ومن غاية المجد والمكرمات *** بقاء البنين وموت البنات !
تهوى حياتى وأهوى موتها شفقا *** والموت أكرم نزّال على الحرم !
* وشوراها شؤم يجب اجتنابها.. وإذا حدثت فلم خالفتها ، وللحذر من الأخذ بها !.
والأكثر خطورة من هذه الأعراف والعادات والتقاليد ، التي سادت أوساطا ملحوظة ومؤثرة في حياتنا الاجتماعية ، إبان مرحلة التراجع الحضاري ، هي التفسيرات المغلوطة لبعض المرويات الإسلامية بحثاً عن مرجعية إسلامية وغطاء شرعي لقيم التخلف والانحطاط التي سادت عالم المرأة في ذلك التاريخ.. لقد كان الحظ الأوفر في هذا المقام للتفسير الخاطئ الذي ساد وانتشر لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم عن نقص النساء في العقل والدين.. وهو حديث رواه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فِطْر إلى المصلى فمرّ على النساء ، فقال:
- " يا معشر النساء ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ".
- قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟.
- قال: " أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل " ؟.
- قلن: بلى.
- قال: " فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم ؟ ".
- قلن: بلى.
- قال: " فذلك من نقصان دينها ".
ذلكم هو الحديث الذي اتّخذَ تفسيره المغلوط ولا يزال " غطاء شرعيًّا " للعادات والتقاليد التي تنتقص من أهلية المرأة.. والذي ينطلق منه نفر من غلاة الإسلاميين في " جهادهم " ضد إنصاف المرأة وتحريرها من أغلال التقاليد الراكدة.. وينطلق منه المتغربون وغلاة العلمانيين في دعوتهم إلى إسقاط الإسلام من حسابات تحرير المرأة ، وطلب هذا التحرير في النماذج الغربية الوافدة..
الأمر الذي يستوجب إنقاذ المرأة من هذه التفسيرات المغلوطة لهذا الحديث..
بل إنقاذ هذا الحديث الشريف من هذه التفسيرات !..
وذلك من خلال نظرات في " متن " الحديث و " مضمونه " نكثفها في عدد من النقاط :
أولاها: أن الذاكرة الضابطة لنص هذا الحديث قد أصابها ما يطرح بعض علامات الاستفهام.. ففي رواية الحديث شك من الرواى حول مناسبة قوله.. هل كان ذلك في عيد الأضحى ؟ أم في عيد الفطر؟.. وهو شك لا يمكن إغفاله عند وزن المرويات والمأثورات.
وثانيتها: أن الحديث يخاطب حالة خاصة من النساء ، ولا يشرّع شريعة دائمة ولا عامة في مطلق النساء.. فهو يتحدث عن "واقع " والحديث عن " الواقع " القابل للتغير والتطور شيء ، والتشريع " للثوابت " عبادات وقيمًا ومعاملات شيء آخر..
فعندما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إنا أمة أُمية ، لا نكتب ولا نحسب ". رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود والإمام أحمد فهو يصف " واقعاً " ، ولا يشرع لتأييد الجهل بالكتابة والحساب ، لأن القرآن الكريم قد بدأ بفريضة " القراءة " لكتاب الكون ولكتابات الأقلام (اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم) (1) ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي وصف " واقع " الأمية الكتابية والحسابية ، وهو الذي غير هذا الواقع ، بتحويل البدو الجهلاء الأميين إلى قراء وعلماء وفقهاء ، وذلك امتثالاً لأمر ربه ، في القرآن الكريم ، الذي علمنا أن من وظائف جعل الله سبحانه وتعالى القمر منازل أن نتعلم عدد السنين والحساب (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ًوقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ) (2). فوصف " الواقع " – كما نقول الآن مثلاً: " نحن مجتمعات متخلفة " لا يعنى شرعنه هذا " الواقع " ولا تأييده ، فضلاً عن تأبيدة ، بأي حال من الأحوال.
وثالثتها: أن في بعض روايات هذا الحديث وخاصة رواية ابن عباس رضي الله عنهما ما يقطع بأن المقصود به إنما هي حالات خاصة لنساء لهن صفات خاصة ، هي التي جعلت منهن أكثر أهل النار ، لا لأنهن نساء ، وإنما لأنهن كما تنص وتعلل هذه الرواية " يكفرن العشير " ، ولو أحسن هذا العشير إلى إحداهن الدهر كله ، ثم رأت منه هِنَةً أو شيئاً لا يعجبها ، كفرت كفر نعمة بكل النعم التي أنعم عليها بها ، وقالت بسبب النزق أو الحمق أو غلبة العاطفة التي تنسيها ما قدمه لها هذا العشير من إحسان: " ما رأيت منك خيراً قط " ! رواه البخاري ومسلم والنسائي ومالك في الموطأ..
فهذا الحديث إذن وصف لحالة بعينها ، وخاص بهذه الحالة.. وليس تشريعاً عامًّا ودائماً لجنس النساء..
ورابعتها: أن مناسبة الحديث ترشح ألفاظه وأوصافه لأن يكون المقصود من ورائها المدح وليس الذم.. فالذين يعرفون خُلق من صنعه الله على عينه ، حتى جعله صاحب الخُلق العظيم(وإنك لعلى خلق عظيم) (3)..
والذين يعرفون كيف جعل الرسول صلى الله عليه وسلم من " العيد " الذي قال فيه هذا الحديث " فرحة " أشرك في الاستمتاع بها مع الرجال كل النساء ، حتى الصغيرات ، بل وحتى الحُيَّض والنفساء !.. الذين يعرفون صاحب هذا الخلق العظيم ، ويعرفون رفقه بالقوارير ، ووصاياه بهن حتى وهو على فراش المرض يودع هذه الدنيا.. لا يمكن أن يتصوروه صلى الله عليه وسلم ذلك الذي يختار يوم الزينة والفرحة ليجابه كل النساء ومطلق جنس النساء بالذم والتقريع والحكم المؤبد عليهن بنقصان الأهلية ، لنقصانهن في العقل والدين !..
وإذا كانت المناسبة يوم العيد والزينة والفرحة لا ترشح أن يكون الذم والغم والحزن والتبكيت هو المقصود.. فإن ألفاظ الحديث تشهد على أن المقصود إنما كان المديح ، الذي يستخدم وصف " الواقع " الذي تشترك في التحلي بصفاته غالبية النساء.. إن لم يكن كل النساء..
فالحديث يشير إلى غلبة العاطفة والرقة على المرأة ، وهى عاطفة ورقة صارت " سلاحاً " تغلب به هذه المرأة أشد الرجال حزماً وشدة وعقلاً.. وإذا كانت غلبة العاطفة إنما تعنى تفوقها على الحسابات العقلية المجردة والجامدة ، فإننا نكون أمام عملة ذات وجهين ، تمثلها المرأة.. فعند المرأة تغلب العاطفة على العقلانية ، وذلك على عكس الرجل ، الذي تغلب عقلانيته وحساباته العقلانية عواطفه.. وفى هذا التمايز فقرة إلهية ، وحكمة بالغة ، ليكون عطاء المرأة في ميادين العاطفة بلا حدود وبلا حسابات.. وليكون عطاء الرجل في مجالات العقلانية المجردة والجامدة مكملاً لما نقص عند " الشق اللطيف والرقيق ! "..
فنقص العقل الذي أشارت إليه كلمات الحديث النبوي الشريف هو وصف لواقع تتزين به المرأة السوية وتفخر به ، لأنه يعنى غلبة عاطفتها على عقلانيتها المجردة.. ولذلك ، كانت " مداعبة " صاحب الخُلق العظيم الذي آتاه ربه جوامع الكلم للنساء ، في يوم الفرحة والزينة ، عندما قال: لهن: " إنهن يغلبن بسلاح العاطفة وسلطان الاستضعاف أهل الحزم والألباب من عقلاء الرجال ، ويخترقن بالعواطف الرقيقة أمنع الحصون !:
- " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن "
فهو مدح للعاطفة الرقيقة التي تذهب بحزم ذوى العقول والألباب.. ويا بؤس وشقاء المرأة التي حرمت من شرف امتلاك هذا السلاح الذي فطر الله النساء على تقلده والتزين به في هذه الحياة ! بل وأيضاً يا بؤس أهل الحزم والعقلانية من الرجال الذين حرموا في هذه الحياة من الهزيمة أمام هذا السلاح.. سلاح العاطفة والاستضعاف !..
وإذا كان هذا هو المعنى المناسب واللائق بالقائل وبالمخاطب وبالمناسبة وأيضاً المحبب لكل النساء والرجال معاً الذي قصدت إليه ألفاظ " نقص العقل " فى الحديث النبوي الشريف.. فإن المراد " بنقص الدين " هو الآخر وصف الواقع غير المذموم ، بل إنه الواقع المحمود والممدوح !..
فعندما سألت النسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقصود من نقصهن في الدين ، تحدث عن اختصاصهن " برخص " في العبادات تزيد على " الرخص " التي يشاركن فيها الرجال.. فالنساء يشاركن الرجال في كل " الرخص " التي رخّص فيها الشارع / من إفطار الصائم في المرض والسفر.. إلى قصر الصلاة وجمعها في السفر.. إلى إباحة المحرمات عند الضرورات..
إلخ.. إلخ/ثم يزدن عن الرجال في " رخص" خاصة بالإناث ، من مثل سقوط فرائض الصلاة والصيام عن الحيَّض والنفساء.. وإفطار المرصع ، عند الحاجة ، في شهر رمضان.. إلخ..