1 ـ كانت قبيلة جرهم متمركز في شمال مكة، وكان سيدن إسماعيل عليه السلام قد تزوج منها..وكانت قد تكاثرت
حتى ملأت الفجاج وجعلتها تضيق على أصحابها الأصليين أبناء إسماعيل عليه السلام..
وكان على الجراهمة مضاض بن عمرو الجرهمي، هذا الرجل القوي الشكيمة عنيف التصرفات..
وكانت قبيلة العماليق متمركزة في جنوب مكة..وكان على رأسهم السميذع بن قطوراء، ذلك الرجل العصبي المزاج الحاقد
على الجراهمة لاستمرار صلة النسب بينهم وبين أبناء إسماعيل عليه السلام..
2 ـ بعد موت إسماعيل عليه السلام آلت ولاية البيت إلى ابنه الكبير نابت والذي حرص بعد موت أبيه على بقاء
الوئام بين القبيلتين، لئلا تسفك الدماء في البيت الحرام، الذي جُعلَ للناس أمناً ومثاباَ..حرم الله سبحانه وتعالى
فيه القتل والقتال..وظلت الحال هادئة والسلام مرفرفاً على مكة جنوبها
وشمالها.. برها وبحرها..حتى واتت المنية نابت فآلت الولاية إلى أخيه
قيدار..
وكان قيدار شيخاً ضعيفاً، دائم المرض، فاستأثر بها مضاض بن عمرو الجرهمي..
أي أن الولاية آلت إلى الجراهمة وتم سلبها من أبناء إسماعيل عليه السلام..
وهنا لم يرض السميذع عن هذا الأمر..
يستحيل أن تؤول الولاية إلى الجراهمة، فما كان من السميذع إلا أن قام بجمع رجاله وقاتل الجراهمة في حرب ضروس
سالت فيها الدماء أنهاراً على أرض أم القرى وانحدرت إلى البيت العتيق، وانتهت بقتل السميذع وفر من بقي
من رجاله وسيطر مضاض بن عمرو الجرهمي على مكة كلها، ووقف على جبل أبي قبيس مفتخراً بنصره وراح ينشد شعراً فيقول:
ونحـن قتلنـا سيد الحـي عنـوة **فأصبح فيها وهو حيران موجع
ومـا كان يبغي أن يكون سواءنـا** بـها ملكاً حتى أتـانا السميذع
فـذاق وبـالاً حين حـاول ** ملكنـا وعالـج منـا غصـة تترجع
فنحن عـمرنا البيت كـنا ولاتـه ** ندافـع عنه من أتانـا وندفـع
ومن كان يبغي أن يلي ذلك عزنـا** ولـم يـك حىّ قبلنـا ثم يمنع
وكنا ملوكاً في الدهور التي مضت** ورثنـا ملوكاً لا ترام فتوضع
3 ـ ولما آل الأمر لجرهم بغت وأكلت أموال الكعبة بالباطل، وفرضت الإتاوات على حجاج بيت الله الحرام والمعتمرين،
والقوافل التجارية التي تمر بمكة، فسلط الله سبحانه وتعالى عليها خزاعة فحاربتها وانتصرت
عليها وأخرجت جبابرتها من مكة أذلة صاغرين.
4 ـ وكان يفترض أن تسير خزاعة على جادة الصواب، لأنها قاتلت الجراهمة لبغيهم، ولانحرافهم عن
جادة الصواب وعن منهج الله سبحانه وتعالى.
ومع ذلك وجدناهم وقد انحرفوا هم أيضاً عن منهج الله سبحانه وتعالى وسارت خزاعة على نفس منهج الجراهمة،
بل إنهم أحاطوا الكعبة بالأصنام وقد بلغ عدد الأصنام التي وضعوها 360 صنماً.
وكان أول من جلب الأصنام إلى الكعبة وحرض الناس على عبادتها هو قائدهم عمرو بن لحيي الخزاعي.
5ـ أحس النضر بن كنانة كبير أولاد إسماعيل عليه السلام ـ الجد الثاني عشر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ـ
بالخطأ الكبير الذي ارتكبه هو وإخوته بتركهم الكعبة لم لا يعرفون قدرها، ولا يقدرون حرمتها، فسعى حتى أعاد
إخوته إلى مكة وقرشهم في قبيلة واحدة أُطلِقَ عليها اسم (قريش)..يقال قرّش يقرش تقريشاً..أي جمع يجمع تجميعاً..فقرشهم..أي جمعهم..
بناء قريش للكعبة المشرفة
كانت الكعبة المشرفة في عهد قريش وما قبله مبنية بالحجارة المصفوفة , وكان بابها بالأرض ,
ولم يكن لها سقف وإنما تدلى الكسوة على الجدار من الخارج وتربط من أعلى الجدر من بطنها ,
وكان في بطن الكعبة عن يمين الداخل جب يكون فيه ما يهدى إلى الكعبة من مال ,
كهيئة الخزانة , وكان قرنا الكبش الذي ذبحه سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام معلقين
في بطنها بالجدر , ثم إن امرأة من قريش ذهبت تجمر الكعبة المشرفة , فطارت من مجمرتها شرارة ,
فاحترقت كسوتها وتصدعت الجدران , وزاد في ذلك التصدع السيول الجارفة التي أتت بعد ذلك ,
ففكرت قريش في هدمها وتجديد بنائها , وحدث أن سمعوا بأن سفينة رومية انكسرت عند
الشعيبة ميناء مكة المكرمة , فركب الوليد بن المغيرة مع نفر من قريش , واشتروا خشبها ,
وتعاقدوا مع نجار من بين ركابها اسمه (باقوم) على أن يبني الكعبة معهم بناء أهل الشام ,
وقرروا ألا يدخلوا في بناء الكعبة مالا من ربا أو ميسر أو مهر بغي أو مال قطيعة أو مظلمة,
فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا, ولكنهم حينما جمعوا الأموال وجدوها لا تكفي إلا لبناء نصف كعبة فقط..
فهل يتم بناء الكعبة بناء كاملاً وذلك بمال مختلط فيه الحلال والحرام وهم بذلك في حكم المضطرين..
أم أنهم يبنون نصف كعبة بمال حلال على أن يكون البناء جيداً بما يتناسب مع بيت الله الحرام..
وصدر
القرار بالإجماع بأن يتم بناء نصف كعبة فقط بأموال حلال غير مختلطة بأموال
حرام أفضل من أن يتم بناء كعبة كاملة بأموال مختلطة..
وهذا هو تصور بناء نصف الكعبة في عهد قريش
وهذا هو تصور البناء في عهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام
والشكل التخطيطي المرسوم هنا هو من تصميم الشيخ الخطاط محمد طاهر الكردي .