هل ستفارق مثلهذا التسبيح الجامع ؟ وهل ستفارق هذه الحسنات الهائلة؟
قال عليه الصلاة والسلام( ما جلس قوم مجلسا فلميذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة ( اي نقص وحسرة ) وما من رجل مشى طريقا فلم يذكرالله فيه إلا كان عليه ترة وما من رجل أوى إلى فراشة فلم يذكر الله إلا كان عليهترة ) رواه احمد
النوع الأول : التسبيح المضاعف :
عن جويريه أمالمؤمنين ( رضي الله عنها ) أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلىالصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال : " مازلت على الحال التيفارقتك عليها " قالت نعم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد قلت بعدك أربعكلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله وبحمده ، عدد خلقهورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته " .
فانظر إلى العبارةالنبوية القصيرة كم اختصرت من الوقت . قال البنا في شرح هذا الحديث : " انها لوقالت هذه الكلمات الأربع كل كلمة ثلاث مرات لكان ثوابها أكثر من ثواب ما ما أجهدتنفسها فيه من التسبيح في هذه المدة الطويلة ، ويستفاد منه كذلك أن من قال سبحانالله عدد كذا وزنه كذا كتب له ذلك القدر وفضل الله واسع ، ولا يتجه هاهنا أن يقالأن مشقة من قال هكذا أخف من مشقة من كرر لفظ الذكر حتى يبلغ الى مثل ذلك العدد ،فان هذا باب منحه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعباد الله وأرشدهم ودلهم عليهتخفيفا عليهم وتكثيرا لأجورهم من دون تعب ولا نصب فلله الحمد ".
أخي القاريء لو أجهدت نفسك في التسبيح المتواصل طوالاليوم فلن تبلغ مئات آلاف من المرات فضلا على ملايين المرات مع ما سيفوتك منالمصالح الأخرى ، ولكن جاء فضل الله على هذه الأمة ليدلنا على كلمات قصيرة جامعةيكتب الله بها ثوابا لا يحصيه العدد . تخيل عدد خلق الله في هذا الكون وتخيل ضخامةهذا الرقم الفلكي الذي يحوي بلايين من كل من الأنس والجن والملائكة والنجوموالبهائم والطيور والأسماك والحشرات والميكروبات والنباتات والرمال وغيرهم كثير . فهؤلاء لا يمكن أن يحصيهم بشر ولكن الله يعطيك بعددهم حسنات اذا قلت ثلاث مراتسبحان الله وبحمده عدد خلقه .
وتخيل ما مقدار حجمعرش الرحمن الذي ستحظى بوزنه حسنات ان شاء الله . قال ابن زيد : حدثني أبي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما السماوات السبع في الكرسي الاكدراهم سبعة القيت في ترس " . فاذا كانت المسافة بين بعض النجوم تقدر بالسنواتالضوئية وكل ذلك في السماء الدنيا . والمسافة بين السماء الأولى والسماء الثانيةمسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء وسماء مثل ذلك حتى السماء السابعة ، ثم يأتي بعدذلك الكرسي والمسافة بينه وبين السماء السابعة مسيرة خمسمائة عام ، ونسبة السماواتالسبع له كنسبة سبع دراهم ألقيت في ترس ، وقد وصف الله تبارك وتعالى سعة كرسيه فقالجل وعلا { وسع كرسيه السماوات والأرض } ، ثم يأتي بعد ذلك الماء ثم عرش الرحمن جلوعلا وهو أعظم مخلوقات الله ، ونسبته الى الكرسي كنسبة قطعة حديد ألقيت في صحراء . فعن أبي ذر ( رضي الله عنه ) قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ماالكرسي في العرش الا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض " . والله سبحانهوتعالى بعظمته وجلاله أكبر من كل شيء . فبعد هذا التصور لعظمة مخلوقات الله وبالأخصعرش الرحمن فان لك أخي المسلم بوزن هذا العرش العظيم حسنات متى قلت ثلاث مرات سبحانالله وبحمده زنة عرشه .
هل ستفارق مثل هذاالتسبيح الجامع ؟ وهل ستفارق هذه الحسنات الهائلة ؟ أليس تسبيحك بمثل هذه العباراتوتكرارك لها خير لك من أن تردد كلمات أغنية أو لهو أو فجور ولا تكسب من ورائها شيئامن الحسنات ؟ بل تكسب اثما ، لقد أعطانا الرسول صلى الله عليه وسلم أصنافا منالتسبيحات فلماذا لا نرطب ألسنتنا بها ؟
اضافة لذلك الأجرفان من فوائد هذا الحديث العظيم أنه يعينك على التفكر في عظم مخلوقات الله ومن ثمالتفكر في عظمة الله الذي خلق هذا الخلق المتناسق . فلا غرابة أن الله تبارك وتعالىأمرنا أن نكبره في الأذان وفي داخل الصلاة ودبرها أكثر من مائتين وثمانين مرة فياليوم والليلة حتى لا يعظم في نفوسنا غيره ولئلا نطلب النصرة الا منه جل وعلا .
اننا نجد طائفة من الناس يتفكرون في قدرة البشر وماوصل اليه من تقنية أكثر من تفكرهم في عظمة الله جل جلاله . فبعض الناس اذا رأواجهاز حاسب آلي ( كمبيوتر ) ذا سرعة فائقة ودقة متناهية وصغر حجم ، قالوا وهم يهزونرؤوسهم عجبا : هذه صناعة دولة كذا فانها لا تدخل في صناعة شيء الا أتقنته . والبعضالآخر يقول اذا نويت أن تشتري سلعة فابحث عن سلعة دولة كذا . لماذا هذه الثقة ؟لأنهم أيقنوا من جودة صناعتها . وفي مقابل ذلك لا نجد التفكر في حكمة الله وأنه هوالحكيم الخبير وأنه لا يأتي بشيء الا هو متقنه لأنه أتقن كل شيء خلقه . كما قالتبارك وتعالى : { صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون } ، ولا يأمر بشيءإلا وهو خبير بمصلحتنا فيه سواء كان تشريعا سياسيا أم اقتصاديا أم اجتماعيا أو نحوه . فإلى متى ننزع الثقة من تشريع الله ونضع الثقة في قوانين البشر مع إنهم لا يعلمونمن الحياة إلا الظاهر منها ويخفى عليهم فيها الكثير لقوله تبارك وتعالى : { يعلمونظاهرا من الحياة الدنيا } .
النوع الثاني : الاستغفار المضاعف
أخي القاريء هلترغب في أن تكسب في اليوم الواحد على الأقل ألف مليون حسنة ؟ فكيف لو كسبت هذاالعدد وأكثر منه في جلسة واحدة بل في جملة واحدة ؟ وما رأيك لو كررت ذلك أكثر منمرة ! فكم تتوقع أن يرتفع رصيدك من الحسنات ؟ فلنقف عند هذه المسابقة والتجارةالرابحة فإني لا أظنك ستفرط فيها ولا تمر عليك مرور الكرام دون أن تنهل منها أوتتاجر فيها مع ربك .
فعن عبادة بنالصامت ( رضي الله عنه ) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من استغفرللمؤمنين وللمؤمنات ، كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة " .
لعل بصرك وذهنك ينصرف في باديء الأمر إلى كلمة حسنةفتستصغر الحسنات التي ستكسبها من هذا الدعاء ، ولكن لا تحجر بذهنك وانظر بعين أوسعمن ذلك . فمن المعلوم أن عدد المسلمين اليوم في العالم يتجاوز الألف مليون مسلم ولوافترضنا أن عدد المؤمنين منهم ألف مليون موحد ، فإن دعاءك واستغفارك لهم كفيل أنيعطيك الله بعددهم حسنات . لو ظللت طوال حياتك تسبح الله لما استطعت أن تصل إلى هذاالرقم من الحسنات لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى الاستغفارللمؤمنين والمؤمنات لننال بهذه العبارة القصيرة الجامعة ما لم نحلم به من حسنات فيأقصر وقت ممكن . فكيف لو قلت هذا الدعاء في اليوم أكثر من مرة أو جعلته مع كل دعاءلك ؟ وكم تتوقع أن تزداد حسناتك لو أشركت أموات المؤمنين في الدعاء ؟ فأتوقع أنتكون مليونيرا إن شاء الله ليس من الريالات أو الدولارات وإنما من الحسنات .
أن هذا الحديث يعطينا دروسا كثيرة وأهمها :
(1)عمق رابطة الأخوةالإيمانية بين المسلمين . فالإسلام يحث كل المسلمين أن يدعوا بعضهم لبعض في ظهرالغيب الأمر الذي قد لا نجده في دين آخر . ومتى استشعر المسلم ذلك زالت الأحقادالتي يثيرها الشيطان في النفوس بين آونة وأخرى ، إذ كيف يعقل أن يحقد المسلم علىأخيه وهو يستغفر له في ظهر الغيب ؟
(2)إن الذي يحتجز الدعاء لنفسه ولا يذكر إلا ذاته ويتناسى إخوانهالمسلمين إنسان أناني قد حرم نفسه من كثير من الخير والحسنات .
(3)من دعا لأخيه بظهرالغيب ضمن الإجابة من الله تعالى لما رواه صفوان ( رضي الله عنه ) قال : قدمت الشامفأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء فقالت أتريد الحج ؟ فقلت نعم . قالت فادع الله لنا بخير فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " دعوة المرءالمسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة . عند رأسه ملك موكل ، كلما دعا لأخيه بخير قالالملك الموكل : آمين ولك بمثل " . فحري بك أخي المسلم أن تشرك إخوانك المسلمين فيدعائك لتكسب من ثمرات ذلك الشيء الكثير .
احتساب الأعمالالمباحة في حياتك :
من استغلال الوقتاحتساب الأعمال المباحة في حياتك . والمباح ما لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه . فمنالمباحات : الأكل والشرب والنوم والنزهة وتعلم أي فن من العلوم غير الشرعية المباحةواللهو البريء ونحو ذلك .
إن هذه الأمورالمباحة والتي لا غنى للإنسان عنها تقتطع جزءا غير يسير من عمره وبالأخص فترة النومالتي تمثل ثلث عمره تقريبا – كما ذكرنا من قبل – فإن احتساب مثل هذه المباحات عندالله بأن تنوي بها التقوي على الطاعة والكف عن المعاصي قد تؤجر عليها إن شاء اللهوهذا قول كثير من أهل العلم . وبهذا الأسلوب تكون قد استغللت جزءا كبيرا من عمركالزمني في كسب مزيد من الحسنات لتضيفه إلى عمرك الإنتاجي .
يقول ابن الشاط " إذا قصد بالمباحات التقوي علىالطاعات أو التوصل إليها كانت عبادة كالأكل والنوم واكتساب المال " . وقال الدكتورالأشقر " فالمسلم إذا قصد بنومه وأكله وشربه أن يتقوى بها على طاعة الله ، كي يتمكنمن قيام الليل والجهاد في سبيل الله ، فهذا مثاب على هذه الأعمال بهذه النية " .
إن احتسابك للعمر الضائع من حياتك كالنوم ونحوه لهووسيلة إضافية في إطالة العمر الإنتاجي كي تكسب فيه مزيدا من الحسنات . فإن المسلمالحريص على وقته والذي يتمنى أحيانا أن يكون اليوم أطول من أربع وعشرين ساعةليستغله في عمل الطاعات ، فإنه إذا احتسب عند الله فترة نومه وهي محسوبة من عمرهوستضيع عليه لا محالة لأنه مكره على ذلك ، فإن الله جل وعلا قد يثيبه على ذلك إنشاءالله . وكذلك فترة تناوله للطعام وقضائه للحاجة ونحو ذلك