وإذا كانت المحبة أصل كل عمل ديني
فالخوف والرجاء وغيرهما يستلزم المحبة ويرجع إليها فإن الراجي الطامع إنما يطمع فيما يحبه
لا فيما يبغضه والخائف يفر من الخوف لينال المحبوب
قال تعالى
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه
وقال
إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله
ورحمته اسم جامع لكل خير وعذابه اسم لكل شر ودار الرحمة الخالصة هي الجنة
ودار العذاب الخالص هي النار
وأما الدنيا فدار استدارج
فالرجاء وإن تعلق بدخول الجنة فالجنة اسم جامع لكل نعيم وأعلاه النظر إلى وجه الله
كما في صحيح مسلم
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال إذا دخل أهل الجنة الجنة
نادى مناد يا اهل الجنة إن لكم عند الله موعد يريد أن ينجزكموهن فيقولون ما هو
ألم يبيض وجوها ألم يثقل موازيننا ويدخلنا الجنة وينجينا من النار
قال فيكشف الحجاب
فينظرون إليه فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه
وهو الزيادة
ومن هنا يتبين زوال الاشتباه في قول من قال ما عبدتك شوقا إلى جنتك ولا خوفا من نارك
وإنما عبدتك شوقا إلى رؤيتك فإن هذا القائل ظن هو ومن تابعه أن الجنة
لا يدخل في مسماها إلا الأكل والشرب واللباس والنكاح والسماع ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات
كما يوافق على ذلك من ينكر رؤية الله من الجهمية
أو من يقر بها ويزعم أنه لا تمتع في نفس رؤية الله كما يقوله طائفة من المتفقهة
فهؤلاء متفقون على أن مسمى الجنة والآخرة لا يدخل فيه إلا التمتع بالمخلوقات
ولهذا قال بعض من غلط من المشايخ
لما سمع قوله آل عمران منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة قال فأين من يريد الله
وقال آخر التوبة إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة
قال إذا كانت النفوس والأموال بالجنة فأين النظر إليه
وكل هذا لظنهم أن الجنة لا يدخل فيها النظر والتحقيق أن الجنة هي الدار الجامعة لكل نعيم
وأعلى ما فيها النظر إلى وجه الله وهو من النعيم
الذي ينالونه في الجنة كما أخبرت به النصوص
وكذلك اهل النار فإنهم محجوبون عن ربهم يدخلون النار
مع أن قائل هذا القول إذا كان عارفا بما يقول فإنما قصده إنك لو لم تخلق نارا
ولو لم تخلق جنة لكان يجب أن تعبد ويجب التقرب إليك والنظر إليك
كما قال عمر رضي الله عنه نعم العبد
صهيب لو لم يخف الله لم يعصه أي هو لم يعصه ولو لم يخفه فإن إجلاله وإكرامه لله
يمنعه من معصيته والراجي الخائف إذا تعلق خوفه ورجاؤه بالتعذب باحتجاب الرب عنه
والتنعم بتجلية فمعلوم أن هذا من توابع محبته له فالمحبة هي أوجبت محبة التجلي
والخوف من الاحتجاب وإن تعلق خوفه ورجاؤه بالتعذب بمخلوق والتنعم به
فهذا إنما يطلب ذلك بعبادة الله المستلزمة محبته لله وهي أحلى من كل محبة
ولهذا يكون اشتغال أهل الجنة بذلك أعظم من كل شيء
كما في الحديث إن اهل الجنة يلهمون التسبيح كما تلهمون
وهو يبين غاية تنعمهم بذكر الله ومحبته فالخوف من التعذب بمخلوق والرجاء له يسوقه إلى محبة الله
التي هي الأصل وهذا كله ينبني على أصل المحبة فيقال قد نطق الكتاب والسنة
بمحبة العباد المؤمنين لله
كما في قوله البقرة والذين آمنوا أشد حبا لله وقوله المائدة يحبهم ويحبونه وقوله التوبة أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار
بل محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت لمحبة الله
كما في قوله التوبة أحب إليكم من الله ورسوله
وكما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين
وفي صحيح البخاري
عن عمر بن الخطاب أنه قال والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي
فقال لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال والله لأنت أحب إلي من نفسي
وكذلك محبة صحابته وقرابته
كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار
وقال لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر
وقال علي رضي الله عنه إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق
وفي السنن أنه قال للعباس والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبونكم لله
ولقرابتي يعني بني هاشم
وقد روى حديث عن ابن عباس مرفوعا
أنه قال أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي لأجلي
وأما محبة الرب لعبده
فقال تعالى النساءواتخذ الله إبراهيم خليلا وقال تعالى المائدة يحبهم ويحبونه
وقال البقرة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين الحجرات وأقسطوا إن الله يحب المقسطين
التوبة فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين التوبة فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين
الصف إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص
آل عمران بلى من أوفى بعهده وأتقى فإن الله يحب المتقين
وأما الأعمال التي يحبها الله
من الواجبات والمستحبات الظاهرة والباطنة فكثيرة معروفة
وكذلك حبه لأهلها وهم المؤمنون أولياء الله المتقون وهذه المحبة حق
كما نطق بها الكتاب والسنة
والذي عليه سلف الأمة وأئمتها وأهل السنة والحديث وجميع مشايخ الدين وأئمة
للمزيد من مواضيعي