القلب هو محل الاخلاص ..
والقلب هو المخاطب والمطالب والمعاتب والمعاقب .. وهو الطائع والعاصى .. وهو المؤمن والكافر .. وهو عقل الإنسان .. فبه يسمع ويبصر ويفهم ويتكلم .. والقلب كائن حى خالد لا يموت أبداً .. حتى بعد موت وفناء الإنسان ..
الإنسان مكون من روح وجسد .. روح هى نفحة من الله تعالى فى الإنسان .. وهى نفخة الله تعالى من روحه فى آدم صلى الله عليه وسلم وبنيه ..
إذا حلت الروح بالجسد كان لها تعلق بعضلة القلب .. هذا التعلق غير مدرك للعقل البشرى .. ولذلك القلب قلبان .. قلب ظاهر وقلب باطن .. فأما القلب الظاهر فهو المسمى بعضلة القلب .. وأما القلب الباطن فهو هذه اللطيفة الإلهية ..
هذا القلب الباطن هو وعاء للنور والعلم والحكمة والإيمان .. وهو محل الإرادة والقدرة والإدراك .. فالقلب هو الآمر الناهى .. إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله .. ولذلك يقول الله تعالى فى كتابه العزيز:
[يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ] .. [الشعراء: 89] ..
يقول الإمام إبن القيم رحمه الله تعالى فى تعريفه للقلب السليم فى كتابه بدائع الفوائد:
القلب السليم هو الذى سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرئاسة ..
ولا تتم له سلامته مطلقاً حتى يسلم من خمسة أشياء:
1- من شرك يناقض التوحيد ..
2- وبدعة تخالف السنة ..
3- وشهوة تخالف الأمر ..
4- وغفلة تناقض الذكر ..
5- وهوى يناقض التجريد والإخلاص ..
والقلب إذا أستنار .. صلح الظاهر ورجع إلى الله سليماً فنجى ونجى صاحبه .. وإذا أظلم .. فسد الظاهر ورجع إلى الله معيوباً معطوباً فهلك وهلك صاحبه ..
ويظهر صلاح القلب فى صورة طاعات وعبادات .. ويظهر فساده فى صورة معاصى وفواحش ..
هدف القلب هو الوصول إلى لقاء الله تعالى .. ورحلة القلب إلى ربه تبدأ فى الدنيا وتنتهى فى الآخرة .. ولابد للقلب أن يكون على علم بأن الله تعالى قد خلق الجن والإنس لعبادته .. فهذه هى البداية .. وللقلب قوتان: قوة جالبة للضرورات والحاجيات وهى قوة الشهوة .. وقوة دافعة للمهالك والمعاطب وهى قوة الغضب .. والشهوة منها المحمود وهو ما وافق الشرع ومنها المذموم وهو ما خالف الشرع .. والغضب منه المحمود أيضاً إذا كان لله تعالى ومنه المذموم إذا كان من الشيطان وللدنيا ..
نور الله تعالى هو سر حياة القلوب .. وللقلب وسائل لكى يتطهر ويصفو ويكون أهلاً لهذا النور الإلهى .. ومن ذلك يقظته ومعرفته بما سبق .. وأنفته من المعاصى والذنوب .. وفراره إلى الله تعالى .. وبصيرته بحقيقة حاله فى الدنيا والآخرة .. وذلك يقتضى الإعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .. ثم إنابة القلب وأوبته إلى سيده وربه ومولاه .. ثم توبته عن ما مضى من المعاصى والمخالفات والذنوب والآثام .. ثم إشفاقه وخضوعه وخشوعه للرب تعالى ..
ولابد للقلب من الحزن والخوف فى بداية طريقه إلى الله تعالى .. ثم الرجاء والإستقامة والإخلاص .. ولكى يستقيم القلب فلابد له من الزهد والورع والتقوى وحسن التوكل على الله تعالى واليقين به .. كما عليه أن يتحلى بحسن الخلق .. ومن ذلك الإيثار والتواضع والحياء والصدق والأمانة والوفاء والتسامح ..
وعلى القلب أن يكون شاكراً لأنعم ربه .. صابراً على البلايا والمصائب ومحتسباً .. راضياً قنوعاً برزق الله تعالى ..
ولكى يستقيم سير القلب إلى الله تعالى بلا علائق أو قواطع فلابد له من المحاسبة والمراقبة .. ولابد له من العزلة والتبتل إلى الله عز وجل .. إذ أن مخالطة الناس قد تفسد القلب .. فلابد أن يقتصر الإنسان على ما يمثل حاجة ضرورية له فى علاقته بالناس حتى ينجو من المفاسد والمعاطب ..
فإذا حقق القلبُ ذلك .. أشتعلت به نيران الشوق إلى لقاء الله تعالى .. وحن إلى ربه ووقعت فيه محبته تعالى ..
ما سبق يسمى أحوال القلب خلال رحلته إلى الله تعالى ..
ودخول النور إلى القلب يشرح الصدر .. ويحرق الشبهات والشهوات فيه .. والتى تمثل عوائق للقلب فى طريقه إلى الله تعالى .. ويبدد ظلمات النفس .. وهى معاصى القلوب وهى الكفر والشرك والنفاق والشك والفسق والغفلة والإعراض .. حتى ينير القلب بأنوار جلال وجمال الله تعالى بدوام الحرص على الأذكار والعبادات .. فتخترقه وتستقر فيه إلى الأبد .. ويظل القلب محتفظاً بعلومه فى الدنيا والآخرة .. ووصول القلب إلى الرب العلى القدير يعنى وصوله إلى تحقيق التوحيد الكامل .. فمن ثم لا يبقى إلا الله تعالى فى القلب .. فقد كان الله ولا شىء معه .. والأنوار الإلهية هى سر سعادة القلوب الغامرة فى الدنيا والآخرة .. ولذلك يقول الله تعالى فى كتابه العزيز:
[أوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] .. [الأنعام: 122] ..
ويقول تعالى:
[يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ .. يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ .. يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] .. [التحريم: 8] ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..