بسم الله الرحمن الرحيم
اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ
لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ
إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ
حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ( البقرة)
,
,
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فآية الكرسي أعظم آية في كتاب الله تعالى، ففي صحيح مسلم عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت: الله
ورسوله أعلم، قال: يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟
قال: قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، قال: فضرب في صدري، وقال:
والله ليهنك العلم أبا المنذر.
وكانت أعظم آية لما اشتملت عليه من الأسماء الحسنى والصفات العلى لله تعالى، ونفي النقائص عنه سبحانه وتعالى.
قال النووي في شرح مسلم : قال
العلماء: إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم لما جمعت من أصول الأسماء
والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة،
وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات. اهـ
وقد ورد في شرف هذه الآية وفضلها أحاديث كثيرة بعضها صحيح وبعضها ضعيف وبعضها موضوع.
وأما ما ذكر السائل من كونها جمعت أكثر من 17 اسما، فإنه لا يصح إلا
باعتبار ما فيها من الضمائرالراجعة إلى الله تعالى، والضمائر لا تعتبر من
الأسماء، كما نبه عليه شيخ الإسلام، وذكر أنه لا يشرع الذكر بقولنا هو هو،
ولا الدعاء بـ: يا هو، وإذا علم هذا فلينتبه إلى أن في الآية من الأسماء
الحسنى خمسة فقط وهي: الله، الحي، القيوم، العلي، العظيم.
وأما القول بأن من تعلق بهذه الآية رفعته فهو صحيح إذا كان التعلق بالقرآن كله قراءة وتدبرا وعملا ففي حديث مسلم: إن الله يرفع بهذا الكتاب اقواما ويضع به آخرين.
وأما وصفها بأنها سيدة آي القرآن، وأن فيها خمسين كلمة وفي كل كلمة خمسون
بركة فلا يصح، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : وسيد القرآن البقرة، وسيد البقرة آية الكرسي. أما إن فيها خمس كلمات في كل كلمة خمسون بركة. رواه الديلمي عن علي وضعفه جماعة من أهل العلم وصرح الشيخ الألباني رحمه الله بأنه موضوع.
وما ورد أنها تعدل ثلث القرآن لا يصح، ففي مسند أحمد عن أنس بن مالك صاحب النبي صلى الله عليه وسلم حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل رجلا من صحابته فقال: أي فلان هل تزوجت؟ قال: لا؛
وليس عندي ما أتزوج به، قال: أليس معك قل هو الله أحد؟ قال: بلى، قال:
ربع القرآن، قال: أليس معك قل يا أيها الكافرون؟ قال: بلى، قال: ربع
القرآن، قال: أليس معك إذا زلزلت الأرض؟ قال: بلى، قال: ربع القرآن، قال:
أليس معك إذا جاء نصر الله؟ قال: بلى: قال: ربع القرآن ، قال: أليس معك
آية الكرسي: الله لا إله إلا هو؟ قال: بلى، قال: ربع القرآن، قال: تزوج
تزوج تزوج ثلاث مرات. قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة: وهذا إسناد ضعيف، سلمة بن وردان قال الحافظ في (التقريب): ضعيف.
وأما تساقط الأصنام عند نزولها وهروب الشياطين.. فلم نقف عليه في حديث
مرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغاية ما وقفنا عليه أنه منسوب
إلى محمد بن الحنفية من التابعين فقد روي عنه أنه قال: لما
نزلت آية الكرسي خر كل صنم في الدنيا، وكذلك خر كل ملك في الدنيا وسقطت
التيجان عن رؤوسهم، وهربت الشياطين يضرب بعضهم على بعض إلى أن أتوا إبليس
فأخبروه بذلك فأمرهم أن يبحثوا عن ذلك، فجاءوا إلى المدينة فبلغهم أن آية
الكرسي قد نزلت.
واما كون قراءتها سببا لحفظ البيت والنفس من الشيطان وتسلطه فكل ما ورد فيه من وجه ثابت نعلمه هو ما في صحيح البخاري وغيره: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني
رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من
الطعام فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه فأصبحت، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة، قال: قلت: يا
رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد
كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
سيعود، فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود فرحمته فخليت
سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة، ما
فعل أسيرك، قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله،
قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته
فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم
تعود، قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هي؟ قال: إذا أويت
إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: الله لا إله إلا هو الحي القيوم حتى تختم
الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح. فخليت
سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك
البارحة، قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت
سبيله، قال: ما هي، قلت: قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من
أولها حتى تختم الآية: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وقال لي: لن يزال
عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح. وكانوا أحرص شيء على الخير،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب! تعلم من تخاطب
منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ قال: لا، قال: ذاك الشيطان.
وأما التفصيل الذي ذكرته في ثوابها في العاجل والآجل فلم نقف عليه
منسوباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند متصل، وإنما نقل من كلام
بعض العلماء عن بعض السلف.
ففي تفسير القرطبي قال: قال أبو عبد
الله -وهو الحكيم الترمذي-: فهذه آية أنزلها الله جل ذكره، وجعل ثوابها
لقارئها عاجلا وآجلا، فأما في العاجل فهي حارسة لمن قرأها من الآفات، وروي
لنا عن نوف البكالي أنه قال: آية الكرسي تدعى في التوارة ولية الله.
يريد يدعى قارئها في ملكوت
السموات والأرض عزيزاً، قال: فكان عبد الرحمن بن عوف إذا دخل بيته قرأ آية
الكرسي في زوايا بيته الأربع، معناه كأنه يلتمس بذلك أن تكون له حارساً
من جوانبه الأربع، وأن تنفي عنه الشيطان من زوايا بيته.
وروي عن عمر أنه صارع جنيا
فصرعه عمر رضي الله عنه، فقال له الجني: خل عني حتى أعلمك ما تمتنعون به
منا، فخلى عنه وسأله فقال: إنكم تمتنعون منا بآية الكرسي. قلت: هذا صحيح،
وفي الخبر: من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة كان الذي يتولى قبض روحه ذو
الجلال والإكرام، وكان كمن قاتل مع أنبياء الله حتى يستشهد.
وعن علي رضي الله عنه قال:سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول وهو على أعواد المنبر:
من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ولا
يواظب عليها إلا صديق أو عابد، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه
وجاره وجار جاره والأبيات حوله.
واما القول بأن لها لسانا وشفتين فهو صحيح؛ لما في مسند أحمد عن أبي بن كعب:
أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله
ورسوله أعلم فرددها مراراً ثم قال أبي: آية الكرسي، قال: ليهنك العلم أبا
المنذر.. والذي نفسي بيده إن لها لسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش. قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
واما تفسير الكرسي فقد ذكرنا أقوال العلماء فيه في الفتوى رقم:
34465.
وأما نزولها ليلا فلم نر من ذكره من أهل العلم وقد تكلم السيوطي في الإتقان على ما نزل من القرآن بالليل ولم يذكرها فيه.
والله أعلم.