سيرتهاأسماء بنت أبي بكر الصديـق، وأمها قتلة أو قتيلة بنت عبد العزى قرشية من بني عامر بن لؤي، وأسماء هي والدة عبد الله بن الزبير وزوجة الزبير بن العوام رضي الله عنهم أجمعين...
ذات النطاقينلمّا أراد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق الهجرة إلى المدينة جهزت أسماء لهما سفرة، فاحتاجت إلى ما تشدها به، فشقت خمارها نصفين، فشدّت بنصفه السفرة، واتخذت النصف الآخر منطقاً، فقال لها الرسـول صلى اللـه عليه وسلم: (أبدلك اللـه بنطاقك هذا نطاقين في الجنة)... فقيل لها ذات النطاقين...
الزوجةتزوجت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما من الزبير بن العوام، وما له في الأرض من مال ولا مملوك غير فرسه، فكانت تعلف الفرس وتكفيه مؤونته، وتدق النوى لنَاضِحِه، وتنقل النوى من أرض الزبير، حتى أرسل إليها أبو بكر خادماً فكفتها سياسة الفرس...
الأمكانت الأم أسماء بنت أبي بكر حاملاً بعبـد الله بن الزبيـر، وهي تقطع الصحراء اللاهبة مغادرة مكة إلى المدينة على طريق الهجرة العظيم، وما كادت تبلغ (قباء) عند مشارف المدينة حتى جاءها المخاض ونزل المهاجر الجنين أرض المدينة في نفس الوقت الذي كان ينزلها المهاجرون من الصحابة، وحُمِل المولود الأول إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقبّله وحنّكه، فكان أول ما دخل جوف عبـد اللـه ريق الرسول الكريم، وحمله المسلمون في المدينة وطافوا به المدينة مهلليـن مكبرين...
الأم المربّيةفي الساعات الأخيرة من حياة عبد الله بن الزبير ذهب إلى أمه أسماء، ووضع أمامها الصورة الدقيقة لموقفه ومصيره الذي ينتظره، فقالت له أمه: (يا بني أنت أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق، فاصبر عليه حتى تموت في سبيله، ولا تمكّن من رقبتك غِلمَان بني أمية، وإن كنت تعلم أنك أردت الدنيا فلبِئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من قُتِلَ معك)...
قال عبد الله: (والله يا أماه ما أردت الدنيا ولا رَكنْتُ إليها، وما جُرْتُ في حكم الله أبداً ولا ظلمت ولا غَدَرْت)... قالت أمه أسماء: (إني لأرجو الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن سبَقْتَني الى الله أو سَبقْتُك، اللهم ارحم طول قيامه في الليل، وظمأه في الهواجر، وبِرّه بأبيه وبي، اللهم إني أسلمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت، فأثِبْني في عبد الله بن الزبير ثواب الصابرين الشاكرين)... وتبادلا معا عناق الوداع وتحيته...
الأم الصابرةوبعد ساعة من الزمان تلقّى الشهيد ضربة الموت، وأبى الحجّاج إلا أن يصلب الجثمان الهامد تشفياً وخِسة وقامت أم البطل وعمرها سبع وتسعون سنة لترى ولدها المصلوب، وبكل قوة وقفت تجاهه لا تريم، واقترب الحجّاج منها قائلا: (يا أماه إن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان قد أوصاني بك خيرا، فهل لك من حاجة؟)...
فصاحت به قائلة: (لست لك بأم، إنما أنا أمُّ هذا المصلوب على الثّنِيّة، وما بي إليكم حاجة، ولكني أحدّثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج من ثقيف كذّاب ومُبير)... فأما الكذّاب فقد رأيناه، وأما المُبير فلا أراه إلا أنت)...
وتقدم عبد الله بن عمر رضي الله عنه من أسماء مُعزِّيا وداعيا إياها إلى الصبر، فأجابته قائلة: (وماذا يمنعني من الصبر، وقد أُهْدِيَ رأس يحيى بن زكريا إلى بَغيٍّ من بغايا بني إسرائيل)... يا لعظمتك يا ابنة الصدّيق، أهناك كلمات أروع من هذه تقال للذين فصلوا رأس عبد الله بن الزبير عن جسده قبل أن يصلبوه؟؟...
أجل إن يكن رأس ابن الزبير قد قُدم هدية للحجاج ولعبد الملك، فإن رأس نبي كريم هو يحيى عليه السلام قد قدم من قبل هدية لـ(سالومي) بَغيّ حقيرة من بني إسرائيل، ما أروع التشبيه وما أصدق الكلمات...