أصبحت مدمنا على عادة صباحية جميلة، حيث أستمع إلى أنشودة حماسية
تجعل الدماء تغلي في عروقي، مشتاقا إلى العمل، إلى التعاون والتلاحم الجماعي
مع زملائي في الشركة المتعددة الجنسيات حيث كنا نحضر هذه البقعة الصحراوية من الأرض
للاستقبال معلم حضاري ضخم يعود على بالمنفعة على الجميع...
أرتدي زي العمل وأنا أرقص على أنغامها..
أقف على رجل واحدة وأدخل الأخرى في كم السروال برقصة الدبكة الشامية..
أرفع فردة من حذائي بيمناي، أُلَوّحُ به أُدَوّرُه كأنه عصى صعيدية يحملها صاحب الشنب الطويل، قبل ألبسه...
أحمل الفردة الأخرى باليسرى أهزها فيهتز معها جذعي كاملا كأنها سيف في رقصة خليجية...
ليبقى حزام الوسط في الأخير حيث أثبته وأنا أهز البطن والحوض في رقصة أمازيغية مغربية أصيلة..
ثم أحمل ملف أوراق العمل، وأرقص به وأنا أحمله بكلتا يداي أهزه في عزم، أعض على أسناني
متخيلا ذلك البائس الذي قوبلت كل طلباته في الحياة بالرفض...
ثم أخرج وأنا أحمد الله على هذه النعمة التي أنا فيها...
- صباح الخير ربيع.
فاجأتني ميس دالاس ما إن فتحت باب الغرفة عازما على الخروج.
- صباح الخير آنستي.
هكذا رددت محاولا أن أكون لبقا..
- كنت سأطرق الباب ففوجئت بك تفتحه، هذا غريب.
وابتسمتْ في لطف.
- القلوب عند بعضها يا ميس دالاس، خيرا آنستي؟ ما الذي أتى بك في هذه الصبيحة؟
هكذا تحدثت بلغة بريئة وبنية حسنة..
- دع عنك زي العمل البائس هذا، وارتدي بدلة أنيقة، أحضر السيارة وعرّج على
مكتبني لتصطبحني.. أسرع يا ربيع، لقد داهمنا الوقت.
هكذا تحدثت تلقي سلسلة من الأوامر الشفهية دون توقف، مما جعلني أشعر أنني
جندي منضبط في سرية لا يملك إلا أن يقول حاضر..
- حاضر.. آنستي.. هل يمكنني أن أستفسر عن..
فقاطعت كلماتي في جوف حلقي:
- لا تسأل، إنها أوامر اللجنة العليا للشركة، الشركة شركتهم، قد طلبوا مني أن يصحبني
واحد من أبناء هذا البلد في هذه المهمة فاخترتك أنت، لذا تعال ولا تناقش..
وولت مدبرة فاستسلمت لصفعها الجميل لحظات ثم انطلقت أطبق الأوامر حرفيا..
وما هي إلا لحظات حتى وجدت نفسي أقود سيارة ذات دفع رباعي وبجانبي
بطلة عروض التعري ومسؤولة المفاوضات في الشركة، الميس دالاس..
ونحن في الطريق حاولت أن أفتح مواضيع للحديث الجاد الذي يقطع الطريق
أمام رفيقنا الثالث الذي يرانا من حيث لا نراه، حتى لا نتوقف أثناء الطريق
ونبيع الشركة والمفاوضات والمبادئ وكل شيء...
تحدثنا كثيرا في مواضيع شتى تخص العمل والمجتمع والتقاليد إلى أن سألتني في مكر:
- هل تؤمن بالجحيم؟
فابتسمت وقلت:
- طبعا أؤمن بها كما أؤمن بالجنة..
- أظن أن الأخيار من الناس لن يدخلوا الجحيم أبدا، انظر إلينا جميعا
ونحن نعمل على هذا المجمع الحضاري الضخم بتعاون واتحاد، أظن أننا
جميعا من الأخيار، أظن أننا لن ندخل الجحيم بفضل هذا العمل، رغم دياناتنا المختلفة
ألا توافقني الرأي يا ربيع؟
تنهدت وخفضت من سرعة السيارة إلى أن توقفت على جانب الطريق، لقد أحسست بشفقة
عارمة نحو هذه الفاتنة الساحرة، لا يمكنني أن أخدعها، فقلبها طيب وأحلامها بريئة..
- لماذا توقفت يا ربيع؟ ماذا حدث؟
اغرورقت عيناي بالدموع وأنا ألتفت إليها أريد أن أعطيها رأيي بصراحة..
فنظرت إليّ بإشفاق واقتربت مني تحاول أن تقبلني..
نعم.. فبعدما ارتفع مستوى إيمانها أحست بحاجة إلى العطف والحنان..
بحاجة إلى قبلة عميقة وما بعدها أدهى...
فأدرت رأسي وأسندته على مقود السيارة ثم قلت:
- ميس دالاس، كوني متأكدة أن من لم يؤمن بما جاء به نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم، أقسم برب محمد وبرب المسيح وبرب موسى وبرب الأنبياء جميعا
أنه لن يدخل الجنة، لست أنا من يقول ذلك، إنه الربّ، وأنا لا أحب أن أخدعك أو أن أنافق
معك، أنا وأنت زملاء في العمل، ربما تجاوزت الحدود في كثير من المرات، لكنْ هذه هي الحقيقة..
فنظرت إلي بغرابة أبرمت معها حواجبها ثم قالت:
- هذا رأيك فقط، كما هو رأي كثير من أصحاب الديانات... أنا لا أهتم للأمر..
فابتسمت ثم قلت:
- ولا أنا أهتم لأمرك في هذا الجانب، لست عليك بحفيظ وما أنا عليك بوكيل، الطريق واضح
وللكعبة رب يحميها، لذا لن تذهب نفسي عليك حسرات..
هههههههههه
فتبسمت ضاحكة من قولي وقالت:
- يا لك من وغد ماكر.. هيا انطلق بالسيارة لننجز عملنا المشترك.. هيا تبا لك
هكذا ختمت حديثنا بشتائم إنجليزية جعلتنا نضحك مطولا..
....................................................... ربيع
.....................