هل رأيت عمالا يحفرون منجم ؟
من يشاهد عملية حفر المناجم يندهش من صبر
العمال العجيب
وعملهم المتفاني المثالي وذلك
ممّا لا بد فيه، لأنّ خطأ يسير يعني موتهم ودفنهم أحياء،
فتجدهم بعد بدء الحفر والتعمق فيه
وضعوا الدعائم لمنع الانهيارات وثبتوا الجدران
وألبسوها الشباك وأمدوا خطوط الإنارة
واستعدوا لبدء العمل واستخراج الجواهر الثمينة.
ويختلف مكان هذه المناجم فمنها
ما هو بصحراء مقفرة ومنها ما هو بغابة مثمرة،
ولكن القيمة الحقيقة للمنجم
الذي ينتج المعدن الأنفس
مهما كان مكانه وحالته.
هل شاهدت كيف ينقون نتاجهم من الشوائب
وهل تأملت هذا النتاج بعد صقله وتلميعه وتغليفه !؟
وهذا حال المؤمن ...
قال تعالى:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
[سورة العنكبوت: 69].
على كل منّا أن يكون عامل منجم لنفسه
فيبدأ في الغور في أعماقها ويصبر ويصابر
على تهذيبها وإخضاعها لله الواحد القهار واتباع سنة نبيه المختار،
فكلما أتقنت البحث والحفر وصابرت
واستعنت بالأدوات اللازمة طهرت روحك ..
كلما صقلت نفسك استقامت لك،
كلما زاد ايمانك زاد صفائك ،
وكلما درست الثقوب في نفسك وسددتها
كلما حافظت عليها من الانهيار
وما أكثر تلك الثقوب..
التي ان كثرت فقد تكبر وتستفحل وتؤدي
لانهيار أنفسنا علينا، ومن هنا يتضح لنا جليا
أهمية وعظم الذنب الواحد فالثقب قد يؤدي
لانهيار منجم بأكمله فما بالك بأكثر من ثقب!!
شـمـر عسى أن يـنـفـع التشـميـرُ *** وانظر بفكرك ما إليه
تصير
طولـت آمـالاً تـكـنـفـهـا الـهــوى *** ونسيت أن العمر منك قصير
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في (الفوائد):
"للقلب ستة مواطن يجول فيها لا سابع لها:
ثلاثة سافلة، وثلاثة عالية؛
فالسافلة دنيا تتزين له، ونفس تحدثه، وعدوٌ يوسوس له؛
والثلاثة العالية علم يتبين له، وعقل يرشده، وإله يعبده،
ان حسن صناعة الداخل تؤدي ولا بد إلى التأثير على الخارج .
لنتعاهد أنفسنا ولا نتركها هملا بل لنحاسبها بأشد
ما تكون المحاسبة وإيّاك أن تدعوك نفسك للتسويف،
فما وضعته بها من ثوابت ودعائم لتخرج
ما بها من فضائل لن يدوم طويلا وستسقط تلك الدعائم
وستحتاج لأعادة الحفر والبحث من جديد.
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في (الفوائد):
"اشتر نفسك اليوم ؛
فإنّ السوقَ قائمة، والثمن موجود، والبضائع رخيصة،
وسيأتي على تلك السوق والبضائع يومٌ لا تصل فيه إلى قليل، ولا كثير
{ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}،
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ}".