الثقلاء حمَّى الروح
قال ابن القيِّم -في معرض حديثه عن فضول المخالطة- : «ومنهم من مخالطته حمَّى الروح، وهو
الثقيل البغيض العقل الذي لا يُحسن أن يتكلّم فيفيدَك، ولا يُحسن أن ينصت فيستفيدَ
منك، ولا يعرف نفسه فيضعَها في منزلتها، بل إن تكلَّم فكلامه كالعصا تنزل على قلوب السامعين
مع إعجابه بكلامه وفرحه به، فهو يُحْدِث من فيه كلَّما تحدَّث ويظنُّ أنه مسكٌ يطيِّب به المجلس،
وإن سكت فأثقلُ من نصف الرحى العظيمة التي لا يطاق حملُها ولا جرُّها على الأرض، ويُذْكَر
عن الشافعيِّ -رحمه الله- أنه قال: «ما جلس إلى جانبي ثقيلٌ إلاَّ وجدتُ الجانبَ الذي هو فيه أنزل من الجانب ا
لآخر»، ورأيتُ يومًا عند شيخنا -قدَّس الله روحه- رجلاً من هذا الضرب والشيخ يحمله، وقد ضعفت القوى عن حمله،
فالتفت إليَّ وقال: «مجالسة الثقيل حمَّى الربع»، ثمَّ قال: «لكن قد أدمنت أرواحنا على الحمَّى
فصارت لها عادةً» أو كما قال، وبالجملة فمخالطة كلِّ مخالفٍ حمَّى للروح فعرضيةٌ ولازمةٌ. و
من
نكد الدنيا على العبد أن يبتلى بواحدٍ من هذا الضرب وليس له بدٌّ من
معاشرته ومخالطته، فليعاشره بالمعروف حتى يجعل الله له فرجًا ومخرجًا»
[«بدائع الفوائد» لابن القيِّم (2/822)]