كنوزمن الحسنات في صلاه الفجر
الحمد
لله الذي أذاق العابدينَ حﻼوة الطاعة، وعرَّفهم فضل الذِّكر والجماعة،
وأشهد أن ﻻ إله إﻻ الله، وحده ﻻ شريك له، له الملكُ، الحق المبين، وأشهد
أنَّ سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، خير العابدين، وأول المسلمينَ،
اللهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ:
فإنَّ صﻼة*الفجر*
تشكو
مِن قلَّة المُصَلِّين؛ إﻻَّ في رمضان، مع أنها صﻼة مبارَكة، وعظيمة
القدر؛ ولهذا أقسم الله - عزَّ وجلَّ – بوقتها؛ فقال - تعالى -:
{وَالْفَجْرِ *وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2].
وهي صﻼةٌ مشهودة منَ
المﻸ اﻷعلى؛ قال - تعالى -: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ
إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ
كَانَ مَشْهُودًا} [اﻹسراء: 78].
أخي المسلم:
كم مِن أجور عاليات ضَيَّعتَها يوم نِمتَ عن صﻼة الفجر؟! كم من*كنوز*
منَ
الحسنات فقدتَها يوم تكاسَلْتَ عن صﻼة الفجر؟! كم من تجارة رابحة قد
تَسَبَّبَ الكُسالى في كسادها، ويوم القيامة يرجون الرحمة وتمام النور؟!
بركات صﻼة الفجر، امتَنَّ الله - تعالى - على أهلها بهذه الهدايا، والمنَح
اﻹلهيَّة.
- قيام ليلة كامِلة:
فعن أبي ذر - رضيَ الله عنه - قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن صلَّى العشاء في جماعة،
فَكَأَنَّما قام نصف الليل، ومَن صلَّى الفجر في جماعة، فكأنما قام الليل
كله))؛ رواه مسلم.
- فى ذمّة الله:
إنَّ مِن فضْل الله - تعالى - على أهل صﻼة الفجر: أنهم مَحْفُوفُون بحفظ الله وعنايته، وهل هناك فوق ذلك مِن مزيد؟
وَإِذَا العِنَايَةُ ﻻَحَظَتْكَ عُيُونُهَا** نَمْ فَالمَخَاوِفُ كُلُّهُنَّ أَمَانُ
يقول النبي - صلى الله عليه وسلّم -: ((مَن صلَّى الصُّبح في جماعة، فهو في ذمَّة الله))؛ رواه مسلم.
فهو
بِحَوْل الله في حِفْظ ورعاية من ملك الملوك، ورب اﻷرباب - سبحانه وتعالى
- ذلك المعنى الذي يفيض على النفس ثقةً وطمأنينةً؛ ليقين العبد أنه في
كَنَفِ الله، وأنَّ عينَ الله تَرْعاه.
- نور يوم القيامة:
ومِن
بركات صﻼة الفجر: أنها تفيض منَ النور على وُجُوه أهلها ما يُمَيِّزهم عن
غيرهم، وكيف ﻻ، وهذا هو أعز اﻷماني عند أحدهم وهو في طريقه إلى مسجده؟!
((اللهُمَّ اجْعَل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، واجعل في سمعي نورًا،
واجعل في بصري نورًا، واجعل من خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل من
فَوْقي نورًا)).
وعند لقاء الله تعالى يَفُوزون بِمطلبهم، قال - صلَّى
الله عليه وسلَّم -: ((بشِّر المشَّائينَ في الظُّلَم إلى المساجد بالنور
التَّامِّ يوم القيامة))؛ رواه التِّرمذي، وابن ماجه.
وعلى هذا؛ فمَن
أدمَنَ المسيرَ إلى المساجد، زاد الله له في النور، فيعمُّه الضياء يوم
القيامة، وقد ورد في ذلك: ((فيعطون نورهم على قدْر أعمالهم، فمنهم مَن يعطى
نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم مَن يعطى فوق ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل
النخلة بيمينه، حتى يكون آخر من يعطى نوره على إبهام قدمه، يضيء مرة،
وينطفئ مرة))؛ المنذري عن عبدالله بن مسعود.
قال الله - تعالى -:
{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد: 12].
- تقرير عن أهل صﻼة الفجر:
إنَّ
مَن يحافظ على صﻼة الفجر يتشرَّف برفع اسمه في تقرير مﻼئكيٍّ إلى الله -
تعالى - قال - صلى الله عليه وسلَّم -: ((يتعاقبون فيكم مﻼئكة بالليل
ومﻼئكة بالنهار، ويجتمعون في صﻼة الصبح والعصر، ثم يعرج الذين باتوا
فيكم، فيسألهم الله - وهو أعلم - كيف وجدتُم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم
يصلُّون، وأتيناهم وهم يصلّون))؛ رواه البخاري بسندٍ صحيح عن أبي هريرة.
- قيمة صﻼة الفجر:
- الرِّزق والبَرَكة:
ومن
بركات صﻼة الفجر: أنسبحان الله! يستيقظ العبد من نومه في اختبار يباعد
بينه وبين راحته؛ مِن أجْل ركعتينِ منَ الفريضة، تسبقهما ركعتان منَ
النافلة.
وما أدراك ما قيمة النافلة في الصُّبح، فضﻼً عنِ الفريضة؟
يقول النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ((ركعتا الفجْر خيرٌ منَ
الدُّنيا وما فيها))؛ رواه مسلم عن عائشة بسندٍ صحيح.
تأمَّل - أخي
المسلم - وأعد التفكير في هذا البيان النبوي الكريم، الذي يُبَيِّن أنَّ
ركعتي السُّنَّة خير منَ الدنيا وما فيها، فما قيمة الفريضة؟ شيءٌ يستعصي
على الخيال إدراكه، فالحمد لله على مزيد اﻷجر.ها تنزل العبد في مقام
الطاعة وقت البكور، الذي هو ذاته وقت البركة في الرِّزق؛ فإنَّ النبي - صلى
الله عليه وسلم - دعا ﻷمته بقوله: ((اللهُمَّ بارك ﻷمتي في بكورها))؛
رواه التِّرمذي بسندٍ صحيح، عن صخر الغامدي.
- البشرى بالجنة:
قال
النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن صلَّى البردَينِ دخل الجنة))؛
رواه البخاري، عن أبي موسى اﻷشعري، بسند صحيح؛ والبردان هما: الفجر
والعصر.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لن يلجَ أحد النار صَلَّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها))؛ رواه مسلم، عن عمارة بن رؤيبة بسند صحيح.
هذه أهم الكُنُوز اﻹيمانيَّة ﻷهل صﻼة الفجر في جماعة.
آثار وعقوبات ترْك الفجر:
وكما أنَّ للمُحافِظ على صﻼة الفجر كُنُوزًا منَ الحَسَنات، فإنَّ هناكَ آثارًا؛ بل عقوبات مخيفة لِمَن ضَيَّعَ هذه الصﻼة:
- من صفات المنافقينَ:
[color:ddaf="rgb(47,
79, 79)"]قال الله - تعالى - عنِ المنافقينَ: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى
الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ
اللَّهَ إِلَّا قَلِيﻼً} [النساء: 142].
وقال - صلى الله عليه وسلم -:
((ليس صﻼة أثقل على المنافقينَ من صﻼة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما
فيهما ﻷتوهما ولو حبْوًا))؛ متفق عليه.
ومِن كﻼم ابن مسعود - رضيَ الله عنه - الذي يثير اﻹشفاق والخوف: "لقد رأيتنا وما يتخلف عن صﻼة الفجر إﻻَّ منافق معلوم النِّفاق".
ويُؤَكِّد ذلك ابن عمر - رضي الله عنه - حيث يقول: "كنَّا إذا فقدنا الرجل في الفجر، أسأنا به الظن".
- الويل والغي:
قال
الله - تعالى -: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ
وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59].
وكما قال ابن عبَّاس - رضيَ الله عنهما -: "أما إنهم لم يتركوها بالكليَّة؛ ولكن أخَّروها عن وقتها كَسَﻼً، وسهْوًا، ونومًا".
والغيُّ: وادٍ في جهنَّم - أعاذنا الله منها - تتعوَّذ منه النار في اليوم سبعين مرة؛ فكيف بمن يُلْقى فيه؟!
وقال الله - تعالى -: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5].
- بول الشيطان:
[color:ddaf="rgb(47,
79, 79)"]ومِن مساوئ ترْك الفجْر أن تارِكه يبُول الشيطانُ في أُذنَيْه؛
كما ورد عنِ ابن مسعود، قال: ذُكر رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلَّم -
نام ليله حتى أصبح، قال: ((ذاك رجلٌ بال الشيطان في أُذُنَيْه))؛ رواه
البخاري، عن عبدالله بن مسعود.
ومعنى هذا: أنَّ الشيطان قدِ استولى عليه، واستخفّ به، حتى جَعَلَهُ مكانًا للبول - والعياذ بالله.
- الكسل وخبث النفس:
[color:ddaf="rgb(47,
79, 79)"]ومن آثار ترْك صﻼة الفجر أن يصبحَ الشَّخص كَسُوﻻً؛ كما ورد في
الحديث: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام - ثﻼث عقد، يضرب
على كلِّ عقدة: عليك ليل طويل، فإنِ استيقظ فذَكَر الله انحلَّتْ عقدة، فإن
توضَّأ انحلَّت عقدة، فإن صلَّى انحلَّتْ عقده كلَّها، فأصبح نشيطًا، طيب
النفس، وإﻻَّ أصبح خبيث النفس كسﻼن))؛ رواه مسلم.
- منْع بركة الرِّزق:
[color:ddaf="rgb(47,
79, 79)"]قال اﻹمام ابن القيِّم: "ونومة الصبح تمنع الرِّزق؛ ﻷنَّه وقت
تقسَّم فيه اﻷرزاق"، وقد رأى ابن عبّاس - رضي الله عنه - ابنًا له نائمًا
نوم الصبح، فقال له: قم، أتنام في الساعة التي تُقسَّم فيها اﻷرزاق؟!
أُمُور تساعد على صﻼة الفجر في جماعة:
وهناك أمورٌ تساعد على أداء صﻼة الفجر في جماعة؛ منها:
- النوم مبكرًا؛
ﻷنَّ
الجسمَ له راحة، وإن طول السَّهَر يحرم اﻹنسان منَ اﻻستيقاظ المبكِّر،
وقد ورد النَّهى عنِ السَّمر بعد العشاء إﻻَّ للضرورة؛ كمسامَرة الزوج
لزوجته، والجلوس مع الضيف، ومدارَسَة العلم، وغير ذلك منَ المُباحَات،
إﻻَّ مَا ورد الدليل بالنَّهْي عنه.
- الحِرْص على آداب
النَّوم؛[color:ddaf="rgb(85, 107, 47)"] من الوضوء، وأداء ركعتين، وأذكار
النَّوم، وقراءة المعوذتينِ في الكفين ومسح ما استطاع منَ الجسد، والنَّوم
على الشقِّ اﻷيمن، ووضع الكفِّ اليمنى تحت الخد اﻷيمن، والدعاء بالتوفيق
للقيام.
- عدم اﻹكثار منَ الطَّعام والشَّراب
؛
[color:ddaf="rgb(85, 107, 47)"] ﻷنَّ كثْرة اﻷكل تورِّثُ ثقﻼً في الجسم، والنوم، وتُقَلِّل الخشوع.
- البُعد عنِ المعاصي،
[color:ddaf="rgb(85,
107, 47)"]فعلى الحريص على أداء الفجر في جماعة أن يبتعدَ عنِ المعاصي في
النهار، وذلك بِحفْظِ الجوارح بالبُعد عنِ النَّظَر الحرام، وآفات اللسان
والسمع، وسائر اﻷعضاء، فمَن نام على معصيةٍ عُوقِبَ بالحِرْمان مِن شُهُود
الفجر؛ ﻷنَّ مَن أساء في ليلِه عُوقِبَ في نهاره، ومَن أساء في نهارِه،
عُوقِبَ في ليله.
وأخيرًا:
- ﻻ تنسَ عاقبة الصبر؛
[color:ddaf="rgb(85,
107, 47)"]فمَن عرف حﻼوة العاقبة هانَتْ مَرارة الصبر، ومَن لذَّ له
الرقاد فاتَهُ المراد، وكما قيل: إذا لمع فجْر اﻷجر هان ظﻼم التكليف.
-
إنَّ اﻷمة تُنصر بقبول الدعاء، وكم من دعاء ﻻ يقبله الله - تعالى -
ﻷنَّ صاحبه ﻻ يحافظ على جماعة الفجر، فكم قصَّر أهل الغفلة في نُصرة هذه
اﻷمة؟
[color:ddaf="rgb(85, 107, 47)"]- إنَّ اﻷمر يحتاج إلى مجاهَدة
طويلة، وصبر وعناد مع الشيطان، فإما أن تقهَرَه بالقيام إلى صﻼة الفجر،
وإمَّا أن ينتصر عليك.
واستعِن بالله، وتوكَّل على الله، فإنه مَن توكَّل على الله كفاه، ومَن آوى إلى الله آواه.