بسم الله الرحمن الرحيم أيها الإخوة الشباب:
أصل الدين معرفة الله، لأنك إن عرفت الله ثم
عرفت أمره فإنك تتفانى في طاعته، لكنك إن عرف الأمر ولم تعرف الآمر فإنك
تتحايل لتجد طريقة تتهرب فيها من أمره. لذلك قيل: (لا تنظر إلى صغر الذنب
ولكن انظر إلى عظمة من عصيت )
وأما الطريق إلى معرفة الله تعالى ففي ثلاثة بنود
1- من خلال التفكر في آياته الكونية ( خلقه ) لقوله تعالى:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ،
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ
وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا
خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
(سورة آل عمران)
2- من خلال تدبر آياته القرآنية ( كلامه ) لقوله تعالى :
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾
(سورة محمد)
3- من خلال النظر في آياته التكوينية ( أفعاله ) لقوله تعالى :
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
(سورة الأنعام)
ولكي تتحقق من معرفة الله تعالى وتؤمن به
إيماناً يقينياً يحملك على طاعته لا بد من مجاهدة النفس، إذ إن معرفة الله
تعالى لا تُقرأ في الكتب ولا تكفي فيها الدراسة، بل لا بد فيها من جهد شخصي
مركز بغية تحصيل العلم بالله تعالى.
قال تعالى :
﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ
سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾
(سورة الزمر)
ففي هذه الآية الكريمة سمّى الله تعالى من
يمضي ليله بين يدي الله عز وجل، وهو يخشى عذاب الله ويرجو رحمته سماه
عالماً لأنه وصل إلى أعلى درجات العلم وهي العلم بالله تعالى.
وحتى يكون ذلك لا بد من البدء بالخطوة الأولى في طريق تلك المعرفة العظيمة وذلك ببرنامج يومي ينبغي المواظبة عليه :
بدايته قيام الليل : لأنه دأب الأنبياء والصالحين في طريقهم إلى الله
تعالى، فالليل هو وقت الخلوة بالحبيب، تخرج فيه معاني الذل والانكسار
والافتقار والخشية...تكتب الرسائل بالدموع ليحملها نسيم الأسحار إلى من
قال: هل من سائل فأعطيه ؟
ما أحلاها من لحظات إنها لحظات الانكسار
والندم، واستشعار الفقر والحاجة إلى من بيده ملكوت كل شيء ما أحلاها من
لحظات تستشعر فيها قربك من مولاك، وتستنشق فيها نسيم الأسحار، ما أحلاها من
لحظات وأنت تنظر في الساعة فتجد أن الوقت قد حان، وأن السائلين قد بدؤوا
بتقديم الطلبات فتنفض النوم عن وجهك، وتسرع إلى المحراب تتذلل لمولاك،
وتسأله مسألة المسكين، وتستغيث به استغاثة السقيم تعود فيها إلى أصل ضعفك
وتنسى عوارض قوتك، تلح في الدعاء، وتذرف الدموع لعله يرى صدقك وفقرك
ومسكنتك فيعطيك من خزائنه، أتراه يردك عن بابه وما أيقظك سواه
قل : نعم يا رب، أنا السائل فأعطني، أنا
المستغفر فاغفر لي وأنا العاري فاكسني وأنا الجائع فأطعمني، وأنا الضال
فاهدني وأنا الحائر فأرشدني، وأنا الفقير فأغنني، وأنا الذليل فأعزني، وأنا
الضعيف فقوني.
أدمن قرع الباب وقل عبيدك بفنائك، فقيرك بفنائك، مسكينك بفنائك......ألحّ
في دعائك واستغث بمولاك استغاثة المشرف على الغرق وفر إليه فرار الخائف
الوجل.
أخي الشاب:
لعلك تسألني: وكيف لي أن أقوم الليل وما هي الوسائل المعينة على ذلك؟ فقد جربت مراراً لكنني لم أستطع.
في المقالة القادمة سأحاول أن أجيب على سؤالك بما ييسر الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والحمد لله رب العالمين
من كتابات الشيخ محمد راتب النابلسي