﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ﴾
أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا
شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله أخشى الناس لربه واتقاهم لمولاه صلى
الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى
يوم الدين أما بعد:
ففي رمضان يقبل كثير من الناس على كتاب الله
تعالى قراءة وحفظاً وأحيانا تفسيراً وتدبراً وما ذاك إلا لأن رمضان موسم
للخيرات تتنوع فيه الطاعات وينشط فيه العباد بعد أن سلسلت الشياطين ،
وفتحت أبواب الجنان ، وغلقت أبواب النيران .
ورمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن ﴿هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾[ البقرة:185 ] وكان جبريل يدارس فيه رسول الله القرآن فالحديث عن القرآن في رمضان له مناسبته وله خصوصيته لاسيما مع إقبال الناس عليه .
مـن فضـائل القـــران
1ـ انه هدى : وصف هذا القرآن بأنه ﴿هُدىً لِلْمُتَّقِينَ﴾
أي يهتدون بآياته ومعانيه حتى يخرجهم من ظلمات الشرك والجهل والذنوب إلى
نور التوحيد والعلم والطاعة يهتدون به فيما يعود عليهم بالصلاح في دنياهم
وأخراهم كما قال سبحانه ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ
يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ
يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِير﴾ الإسراء
2ـ أن عبره أعظم العبر ومواعظه أبلغ المواعظ وقصصه أحسن القصص كما في قول الله تعالى ﴿
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ يوسف
3ـ إنه شفاء كما في قوله سبحانه ﴿
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ
وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾
. شفاء للصدور من الشبه والشكوك والريب والأمراض التي تفتك بالقلوب
والأبدان ولكن هذا الشفاء لا ينتفع به إلا المؤمنون كما قال تعالى ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراًً ﴾ [الإسراء] وقال سبحانه ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ ﴾
4
ـ أنه حسم أكثر الخلاف بين اليهود والنصارى في كثير من مسائلهم وتاريخهم
وأخبارهم كاختلافهم في عيسى وأمه عليه السلام واختلافهم في كثير من
أنبيائهم قال تعالى ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ
يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النمل] [انظر : تفسير ابن كثير 3/597] . فأهل الكتاب لو كانوا يعقلون لأخذوا تاريخهم وأخبار سابقيهم من هذا الكتاب الذي ﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ﴾ [فصلت].
لكن كيف يغفل ذلك أهل الكتاب وكثير من المؤمنين وقد زهدوا في كتابهم
وتبعوا اليهود والنصارى حذو القذة بالقذه ؟ فالمؤمن بهذا الكتاب يمتلك من
أخبار الصدق ما لا يمتلك اليهود والنصارى عن دينهم الذي زورت كثير من
حقائقه وأخباره على أيدي أحبار السوء ورهبان الكذب .
5ـ أن القرآن
العظيم حوى كثيراً من علوم الدنيا تصريحاً او تلميحاً أو إشارة أو إيماءً
. ولا يزال البحث العلمي في علوم الإنسان أو الحيوان أو النبات والثمار
والأرض والبحار والفضاء والأفلاك والظواهر الكونية والأرضية يتوصل إلى
معلومات حديثه مهمة ذكرها القرآن قبل قرون طويلة مما جعل كثيراً من
الباحثين الكفار يؤمنون ويهتدون قال تعالى ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ وقال ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ .
فكل
ما يحتاج إليه البشر لإصلاح حالهم ومعادهم موجود في القرآن كما دلت
الآيتان السابقتان ولا يعني ذلك الاكتفاء عن السنة النبوية لأن من اتبع
القرآن وعمل بما فيه لابد أن يأخذ السنة ويعمل بما فيها ذلك أن القرآن
أحال على السنة في كثير من المواقع كما في قوله تعالى ﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ وقوله ﴿مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ وبين سبحانه انه من أحبه فلابد أن يتبع رسوله صلى الله عليه وسلم كما في قوله ﴿
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ
اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ واتباع الرسول متمثل في الأخذ بسنته والعمل بما فيها .
6- يتميز القرآن بميزة تظهر لكل واحد وهي : سهولة لفظه ووضوح معناه كما قال تعالى ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ قال ابن كثير رحمه الله ﴿أي سهلنا لفظه ويسرنا معناه لمن أراد ؛ ليتذكر الناس﴾ [تفسير ابن كثير 4/411] قال مجاهد ﴿هونا قراءته﴾ [تفسير الطبري 27/96] وقال السدي ﴿ يسرنا تلاوته على الألسن ﴾ [تفسير ابن كثير 4/411] وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله : ﴿ لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع احد من الخلق أن يتكلم بكلام الله عز وجل﴾ [تفسير ابن كثير 4/411] .
وقال سبحانه ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّ﴾
هذه آية من أعظم الآيات ودليل من أوضح الأدلة على عظمة هذا القرآن وإعجازه
فحفظه وإتقانه أيسر واهون من سائر الكلام وقراءته ميسره حتى إن بعض
الأعاجم ليستطيع قراءته وهو لا يعرف العربية سواه وحتى إن كثير من الأميين
لا يستطيع أن يقرأ غيره . وأما المعنى : فنجد أن كلاً من الناس يأخذ منه
حسب فهمه وإدراكه ؛ فالعامي يفهمه إجمالاً ، وطالب العلم يأخذ منه على قدر
علمه ، والعالم البحر يغوص في معانيه التي لا تنتهي حتى يستخرج منه علوماً
وفوائد ربما أمضى عمره في سوره أو آية واحده ولم ينته من فوائدها ومعانيها
. قيل : إن شيخ الإسلام أبا إسماعيل الهروي رحمه الله عقد على تفسير قوله
تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ﴾ ثلاثمئة وستين مجلساً [السير للذهبي 18/514] وتصانيف العلماء في سوره أو آية واحده كثيرة ومشهورة وما ذاك إلا لغزارة المعاني والعلوم التي يحويها هذا الكتاب العظيم