أسباب عدم الخوف من الله
أسباب عدم الخوف من الله
هي أمور أربعة ذكرها أهل العلم:
أول هذه الأربعة: الغفلة
فإن الغفلة إذا رانت على القلب لا يمكن أن يكون مستقيماً بل لا يعي الذكر ولا يفهم أبداً.
والله ذكر سبحانه وتعالى أن لبعض الناس قلوباً ولكن لا يفقهون بها، ولهم آذان ولكن لا يسمعون بها، ولهم أعين ولكن لا يبصرون بها.
قال الله تبارك وتعالى: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ)).
والناس كلهم لهم قلوب؛ لكن بعضهم لهم قلب حي، وبعضهم لهم قلب ميت، قال تعالى: ((أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)).
فالغفلة إذا رانت على القلب أنسته موعود الله وذكر الله.
تحدثه بالمواعظ فلا يفهم ولا يعي ولا يعقل أبداً؛ لأنه قد طمس على قلبه وطبع عليه فهو لا يستفيق.
والأمر الثاني: المعاصي
فإنها أعظم ما يحجب العبد عن مولاه سبحانه وتعالى: ((ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا
فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ
يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ))، وكلما كثرت
المعاصي رانت على القلب، فأول ما تحدث الضيق، ثم تحدث الران، ثم تحدث
الطبع.
فالطبع آخرها وهو الذي يصيب الكافر.
والران يصيب الفاسق.
والغين يصيب المؤمن.
ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: (يا أيها الناس توبوا إلى
الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله في اليوم أكثر من مائة مرة) (1) ، وفي
رواية: (أكثر من سبعين مرة).
ويقول في حديث الأغر المزني : (يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه
فإنه يغان على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم مائة مرة) (1) .
وأما الران فيقول سبحانه وتعالى: ((كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ
مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ))، أي تراكم عليها، وهذا يشمل الفاسق والكافر.
وأما الأمر الثالث الذي يحدث قلة مخافة الله عز وجل وعدم خشيته:فكثرة المباحات
، وهذه التي وقعنا فيها جميعاً كالتفاخر في الدنيا والتكاثر منها والتوسع
فيها وتقديمها على الآخرة وأغراضها وعلى مطالب الآخرة ومطالب ما عند الله
عز وجل.
والأمر الرابع: ضياع الوقت
ومن أعظم ما يمكن أن يحاسب عليه العبد يوم القيامة ضياع وقته عند الله عز وجل.
وكثير من المسلمين ما يحسبون للوقت حساباً بل يحسبون الدرهم والدينار، فتذهب الأيام والليالي فلا يتفكرون فيها أبداً.
ولذلك يقول جل ذكره: ((أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا
وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ
الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)).
وفي الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم: (لن تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع) (1) .
ولذلك يقول ابن عباس كما في البخاري : يقول صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) (1) .
وأعظم ما يستغل الوقت فيه أداء الفرائض.
يقول ابن تيمية وقد سئل ما هو الحل لمرض الشبهات والشهوات، قال: أعظم ما يمكن أن يداوى به هذا المرض أن تصلح الفرائض ظاهراً وباطناً.
فأما إصلاحها في الباطن فأن تخلص قصدك وعملك لله عز وجل، وأنك إذا نصبت
قدميك في الصلاة أن تتذكر وقوفك أمام الله سبحانه وتعالى، هذا إخلاصها في
الباطن.
وأما إخلاصها في الظاهر فأن تكون على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وبعد
الفرائض تزود بالنوافل، وما سجد عبد لله سجدة إلا رفعه بها درجة.
يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر : يا عجباً لمن عرف أنه سوف يموت كيف لا يجعل كل نفس من أنفاسه طاعة لله.
ويقول: لقد صح في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم يقول: (من قال سبحان الله
العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة) (1) ، فيقول: يا سبحان الله كم
يفوتنا من النخلات؛ لأننا لا نسبح الله.
سئل ابن تيمية في المجلد العاشر، سأله أبو القاسم المغربي : ما هو أعظم عمل تدلني عليه بعد الفرائض؟
قال رحمه الله: لا أعلم بعد الفرائض أعظم ولا أحسن ولا أفيد من ذكر الله عز وجل، وهو أسهل العبادات، وهو شبه إجماع بين أهل العلم.
ولذلك يقول جل ذكره: ((أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))،
ويقول سبحانه وتعالى: ((فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ))، فإني أوصيكم ونفسي
بحفظ الوقت بذكره سبحانه وتعالى.