المتذمرون
.. بشر ينتشرون من حولنا وقد نكون نحن منهم ولا نشعر ، فأسوأ ما في
المتذمر أنه لا يعرف أنه متذمر ، ويعتقد أنه على حق وأن ما يقوم به هو
الشكوى المطلوب من أجل النهضة بالمجتمع أو بحياته الشخصية على أقل تقدير..
ولا ينتبه إلى أنه يرفض كل شيء ويخشى كل شيء ويزعجه كل شيء.
عندما
بنى الكسندر جوستاف إيفل برجه الشهير في فرنسا 1889 للاحتفال بمئوية
الثورة الفرنسية لاقى معارضة كبيرة جداً من الشارع الفرنسي ، ومن أجل إرضاء
هذا الشارع تقرر أن يكون البرج مؤقتاً حتى الاحتفال ثم يتم هدمه .. لكن
لحسن الحظ لم يتم تطبيق القرار وعاش برج إيفل معلماً حضارياً للعالم.
عندما
كتب شكسبير أول أعماله المنشورة التي لاقت رواجاً لدى فئة من المجتمع
البريطاني انتقده كثيرون ، وتذمر من أسلوبه الكتاب الذين اعتقدوا بأنفسهم
الوصاية على الأخرين وأنهم وكلاء الأدب المعتمدين.. وأصبح وليام مادة دسمة
للانتقاد والتذمر من أسلوبه "الوضيع" حسب اعتقاد البعض...لكنه لم يستمع
إليهم فواصل النحت بحبره لأجمل الروايات وأرقى القصص ليترك لنا ثورة وثروة
في عالم الأدب.
وعندما قرر أبراهام لينكولن ومن معه القضاء على
العبودية وتجريمها قانونياً رفض البعض وتذمر لأنه لم يتصور وجود هذا
التغيير من حوله ، فكانت النهاية انتصار الذي لم يستمع إليهم وكانت أمريكا
بلا عبودية فأصبحت الآن حاكمة للعالم ... سيدة للجميع يسمع كلمتها الكبير
قبل الصغير.
تخيلوا لو استمع الصحابة رضوان الله عليهم للمتذمرين من
الدين الجديد ... لو كنا حتى هذا اليوم نعبد الحجر وندفن البنات أحياء ...
ولو لم يكن لدينا حضارة نتفاخر بها ولربما لغرق العالم كله في الظلام.
المتذمرون يبدون غير خطرين ... لكن لو استمعت إليهم فإنهم سيدمرون المستقبل تماماً كما كادوا أن يدمروا التاريخ!.