أ
همية وجود مشروع في [حياة [/الإنسان ما [url=]الحلمُ [/]الذي [/]تَوَدُّ [/]تحقيقَه؟كان
السَّلَفُ الصَّالح- رحمهم الله- يَذُمُّون الرَّجلَ يمضي حياتَه سبهللاً
بلا هدف ولا غاية ولا عمل؛ عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: "إنِّي لأمقت
أن أرى الرجلَ فارغاً، لا عمل دنيا، ولا آخرة"([1]).
وهذا الأثر مشهورٌ على الألسنة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلفظ:
"إنِّي لأكره أن أرى أحدَكم سبهللاً؛ لا في عمل دنيا، ولا في عمل آخره"([2]).قال
السَّفارينيُّ- رحمه الله: (سبهللاً) أي غير مكترث بذهابه؛ لا في عمل دنيا
ولا آخرة؛ كما قال في القاموس: ويمشي سبهللاً إذا جاء وذهب في غير شيء([3])؛
فالرجل السَّبهللُ لا هو أخذ بعلم فأصاب منه حظًّا، ولا هو أتقن عملاً
فنال منه كسباً، ولا هو اشتغل بعبادة فزكَّى بها نفسَه وطهَّر قلبَه، ولا
هو كدح في الدُّنيا فعفَّ نفسَه، وعال أهلَه!!يأخذ الأمور سبهللاً، وتمرُّ عليه الأوقات أو السنوات أو الفرص دون أن يفكِّرَ فيها كيف يغتنمها؟ أو كيف يصنع بها؟فلابد
لكلِّ مسلم أن يكون له مشروعٌ أو أكثر في هذه الحياة؛ لأنَّ الإنسانَ
مسؤولٌ عن شبابه فيما أمضاه في هذه الدُّنيا؛ عن ابن مسعود- رضي الله عنه-
عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من
عند ربه حتى يسأل: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين
اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم»([4]).والأفرادُ يُقاسون بالمنجزات لا بالأعمار؛ }وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ{ [يس: 12]: }وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا{: أعمالهم التي عملوها وباشروها في حال حياتهم من خير وشر، }وَآَثَارَهُمْ{:
آثار الخير وآثار الشَّرِّ التي كانوا هم السَّبب في إيجادها في حال
حياتهم وبعد وفاتهم، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم([5]).نسبُ ابن آدم فعلُه
فانظر لنفسك في النسب
ماذا أضفتَ لهذه الدُّنيا؟ ماذا فعلت؟ ماذا قدَّمتَ؟لابدَّ
لأيِّ إنسان أن يكون له أثرٌ يتركه من بعده، وعمر الإنسان [/url]لا يقاس
بالسِّنين التي يعيشها؛ فكثير من الناس عمَّرَ الكثير وخرج من الدُّنيا ولا
أثر، والبعض عاش قليلا وترك الكثير الذي [/url]ما زال الناس يذكرونه به؛
كم عاش الإمام الشَّافعيُّ- رحمه الله- وكم ترك؟!كم عاش الإمام النَّوَويُّ- رحمه الله! وكم ترك؟! عاش الشَّيخ حافظ أحمد حكمي رحمه الله! وكم ترك؟! وغيرهم كثير.لذلك لابدَّ أن يكون لكلِّ شاب أهدافٌ يسعى لتحقيقها ومشروعات يقوم بها للوصول إلى هذه الأهداف.ومن لم يرسم لنفسه هدفاً فإنَّه يعيش عيشة عشوائية، يتخبط شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ولا يهتدي لشيء، ومن لم يعرف أين يتجه فلن يصل.يقول علي بن أبي طالب- رضي الله عنه: قيمة كل امرئ مايحسنه([6]).والعارفون يقولون: قيمة كل امرئ ما يطلب([7])؛ ولذلك كانت أصدق الأسماء: «حارث وهمام»([8]).ما []الحلمُ [/الذي [/]تَوَدُّ [/url]تحقيقَه؟اجتمع
في الحجر بالمسجد الحرام عبد الله، ومصعب، وعروة، بنو الزُّبير بن العوام،
وابن عمر، فقال: تمنُّوا. فقال عبد الله: أتمنى الخلافة، وقال عروة: أتمنى
أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت
طلحة، وسكينة بنت الحسين.فقال ابن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة.فنالوا ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غفر له([9]).وإذا النفوس كن كبارا
تعبت في مرادها الأجسام
ولابد
للشاب أن تكون نفسه توَّاقةً تسعى للمعالي؛ قال عمر بن عبد العزيز رحمه
الله: (إنَّ نفسي توَّاقة، وإنها لم تعط من الدُّنيا شيئاً إلا تاقت إلى ما
هو أفضل منه، فلما أعطيت ما لا أفضل منه في الدنيا [الخلافة] تاقت إلى ما
هو أفضل منه [يعني: الجنة])([10])،
وقال: (يا رجاء، إنَّ لي نفساً توَّاقةً تاقت إلى فاطمة بنت عبد الملك
فتزوجتها، وتاقت إلى الإمارة فوليتها، وتاقت إلى الخلافة فأدركتها، وقد
تاقت إلى الجنة فأرجو أن أدركها إن شاء الله عز وجل)([11]).وعن الحسين بن علي- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحبُّ معالي الأمور وأشرفها ويكره سفاسفها»([12]).التقى
شقيق بن إبراهيم البلخيّ الزّاهد–بإبراهيم بن أدهم فقال له إبراهيم بن
أدهم: ما بدء أمرك []الذي [/url]بلغك إلى هذا؟ أي ما هو الحديث []الذي
[/url]جعلك مُعرضاً عن الدُّنيا تاركاً التَّكَسُّبَ فيها؟ فذكر أنَّه رأى
في بعض الفلوات طيراً مكسور الجناحين أتاه طائر صحيح الجناح بجرادة في
منقاره، قال: فتركت التَّكَسُّبَ فاشتغلتُ بالعبادة.فقال
إبراهيم: ولم لا تكون أنت الطائر الصَّحيح []الذي [/url]أطعم العليلَ حتى
تكون أفضل منه؟ أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم «اليد العليا خير من
اليد السفلى»([13])-
ومن علامة المؤمن: أن يطلب أعلى الدرجتين في أموره كلِّها حتى يبلغَ
منازلَ الأبرار- فأخذ شقيق يدَ إبراهيم فقبَّلها وقال: أنت أستاذنا يا أبا
إسحاق([14]).المسلم
لا يقنع حتى يبلغ من أعماله غايتَها وأعلاها؛ فإن كان طالباً لم يقنع إلا
التَّفَوُّقَ، وإن كان أباً لم يقصِّر في تربية أبنائه وبناته؛ ليكونوا
قدوات في الخير؛ }وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا{
[الفرقان: 74]، انظر الطموح: «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط
الجنة وأعلى الجنة أراه فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة»([15]).فلا
قيمة لمن اتَّكَلَ على غيره ونظر إلى الأسفل على الدوام لا يتطلع إلى شيء،
ولا يستشرف إلى علو، ولا يرجو من نفسه رقيًّا، وظل واقفاً لا يدرك من
سبقه، ولا يأمل اللِّحاقَ به أصلاً.شباب خنع لا خير فيهم
وبورك في الشباب الطامحين
الناس خمسه، فأيهم تكون؟!الناس خمسة إذا حسبتهم
ففارس يوم الوغى ذو درقة([16])
يجول في ميدانها مبارزاً
إذا رأى صفَّ القتال خرقة
ومحسن ينفق جوداً ماله
جميعه ذهبه وورقة([17])
وعالم يدرس في كتابه
يسرده ورقة فورقة
وحاكم أقام فينا عدله
في قلبه للعالمين شفقة
وعابد يقوم في جنح الدجى
يشكو الجوى([18]) من النوى([19]) وحرقة
فهؤلاء خيرهم وغيرهم
لا لحم فيهمو وليسوا مرقة
بل همج من همج متى مشوا
يضيقوا على التَّقيِّ طرقة
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تجدون النَّاسَ كابل مائة؛ لا تكاد تجد فيها راحلة»([20]).ومعنى الحديث أنَّ المرضيَّ الأحوال من الناس الكاملَ الأوصاف قليل فيهم كقلَّة الراحلة في الإبل([21]).لولا المشقَّة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتال
ومما
ينشط النفس لأن يكون لها مشروع: النظر في أحوال كبار السن الذين انتهت
حياتهم دون أن يكون لهم تأثير يبقى سوى عدة أبناء أنجبوهم وتركوهم؛ فمن
يتأمل في حال بعض كبار السن الذين لم يعد لهم فائدة، بل أصبحوا ثقلاً على
أبنائهم لأنهم لم يحرصوا على أن تكون لهم مشروعات أخرويَّة ودنيوية متعدية
النفع؛ ممَّا جعلهم يشعرون بانتهاء دورهم في الحياة بمجرَّد تزويج آخر
الأولاد؛ فالشَّابُّ الذي [/url]يتأمَّل بنظر حكيم لمثل هؤلاء الناس سيعلم
أنَّه إن لم يجعل له مشروعاً طموحاً في هذه الدُّنيا يقودُه إلى خير
الدُّنيا والآخرة فإنَّه سيصل إلى حالة يشعر فيها بأنَّه كائن لا جدوى منه
ولا فائدةَ فيه.إذا كنت لا تُرجَى لدفع ملمَّة
ولا كان للمعروف عندك مطمع
ولا كنت ذا جاه يعاش بجاهه
ولا أنت يوم الحشر فيمن يشفع
فعيشك في الدنيا وموتك واحد
وعود خلال عن وصالك أنفع