بدأ النبي -صلى الله عليه و سلم- دعوته منذ أن نزل عليه الوحي الكريم
يأمره بذلك ، واستجاب لدعوته عدد قليل من أهل "مكة" ، وشيئًا فشيئًا زاد
عدد الداخلين فيالإسلام ، وكان الرسول يجتمع بهم في دار "الأرقم بن أبى
الأرقم"، يحفظهمالقرآن، ويعلمهم أمور دينهم ، ويعدهم لنشر دعوة الإسلام .
وتحمل
المسلمون الأوائل في سبيل التمسك بدينهم كل ألوان التعذيب والإيذاء، ولم
يسلم النبي -صلى الله عليه و سلم- من ذلك ولما اشتد إيذاء "قريش"
أمرالنبي -صلى الله عليه و سلم- بعض أصحابه بالهجرة إلى "الحبشة"، فرارًا
بدينهم، وليعبدوا ربهم في أمن وسلام .
ثم هاجر النبي -صلى الله
عليه و سلم- إلى "المدينة" ، ووجد فيها من يقف إلى جواره من أهلها الذين
سموا بالأنصار ، وهؤلاء قاموا بالدفاع عن الإسلام وإيواء المهاجرين ،
وتقاسموا معهم أموالهم ، وقد آخي النبي -صلى الله عليه و سلم- بينهم وبين
المهاجرين .
وفى الفترة التي انتقل فيها النبي -صلى الله عليه و
سلم- إلى "المدينة" انتشر الإسلام ودخل فيه أعداد كبيرة، وخاض النبي -صلى
الله عليه و سلم- معارك للدفاع عن الإسلام ضد هجمات "قريش" ومؤامرات اليهود
وغدرهم، وقد كلل الله نجاحه بفتح مكة العظيم في العام الثامن من الهجرة ،
وبعد ذلك بدأت الوفود من العرب تتوالى على "المدينة" لتعلن بيعتها وإسلامها
للرسول -صلى الله عليه و سلم- .
وخلال بعثة النبي -صلى الله عليه
و سلم- التي استمرت ثلاثًا وعشرين سنة، صحب النبي -صلى الله عليه و سلم-
ولازمه عدد من الرجال الكرام الذين حملوا على عاتقهم نشر الإسلام في كل
مكان ، وهؤلاء الصحابة الذين أعدهم النبي -صلى الله عليه و سلم- كان فيهم
الخلفاء والزعماء ، والقادة الفاتحون ، والفقهاء والعلماء ، وكتاب الوحي ..
وسنحاول التعرف على بعض هؤلاء الرجال .
الخلفاء الراشدون :
بعد
وفاة النبي -صلى الله عليه و سلم- تولى أربعة من صحابته الكرام خلافة
المسلمين، وتحملوا قيادة الدولة ونشر الإسلام ، وسمى عصرهم بعصر الخلافة
الراشدة، وهم :
1-"أبو بكر الصديق" :
هو أول من آمن وأسلم
من الرجال ، وقد وهب نفسه وماله لله ولرسوله ، فكان يشترى من أسلم من
العبيد الذين كانت "قريش" تعذبهم ويعتقهم كبلال بن رباح . واختاره النبي
-صلى الله عليه و سلم- ليرافقه دون غيره من الصحابة في هجرته إلى
"المدينة"، ثم لازم النبي -صلى الله عليه و سلم- بعد الهجرة فلم يفارقه ،
وشهد معه كل غزواته ولم يتخلف في واحدة منها . و"أبو بكر الصديق" هو أفضل
المسلمين جميعًا بعد النبي -صلى الله عليه و سلم- .
وبعد وفاة
النبي تولى "أبو بكر" مسئولية الدولة وأصبح خليفة للمسلمين ، وقد واجهته
منذ اللحظة الأولى مشكلة ارتداد كثير من القبائل العربية ، التي لم يكن
الإسلام قد تمكن منها ، وامتناع بعضها عن دفع الزكاة ، وقد وقف "أبو بكر
الصديق" موقفًا حازمًا من حركة الردة ، وأرسل إليها الجيوش حتى تمكن من
القضاء عليها ، وأعاد الأمن إلىالجزيرة العربية، وبعد ذلك أرسل الجيوش لفتح
"الشام" و"العراق" وأحرزت جيوشه انتصارات عظيمة على "الفرس" و"الروم" ،
وفى عهد "الصديق" جمعالقرآن الكريم في مصحف واحد ، وعهد بهذه المهمة إلى
"زيد بن ثابت" الصحابي الجليل . وتوفى "أبو بكر الصديق" سنة (13 ﻫ) بعد أن
قضى في الخلافة سنتين وثلاثة أشهر .
2-"عمر بن الخطاب" :
أسلم
في العام الخامس من البعثة وعمره سبع وعشرون سنة ، وعرف بشخصية قوية وإرادة
لا تلين ، وهيبة في القلوب ، ومنذ أن أسلم احتل المكانة التالية لمكانة
"أبى بكر الصديق" ، وكان النبي -صلى الله عليه و سلم- قد دعا بأن يعز الله
الإسلام بعمر بن الخطاب وقد لازم النبي -صلى الله عليه و سلم- ملازمة
تامة ، وشهد مع النبي -صلى الله عليه و سلم- الغزوات جميعها. ولحبه للحق
وحرصه على إقامته قال فيه النبي -صلى الله عليه و سلم- " إن الله جعل الحق
على لسان عمر وقلبه" . (رواه الترمذى)
وبعد وفاة "أبى بكر الصديق"
خلفه "عمر بن الخطاب" في منصب الخلافة ولقب بأمير المؤمنين ، فاستكمل ما
كان بدأه "أبو بكر" في الفتوحات ففتح "العراق" و"الشام" و"مصر" ، واتسعت
رقعة الدولة الإسلامية ، وانتشر الإسلام في كل المناطق التي فتحها المسلمون
.
وقد تميز عهد الخليفة "عمر بن الخطاب" بالعدل والأمن اللذين شعر
بهما الناس جميعًا، وبتدوين الدواوين، وهى التي تشبه الوزارات في الوقت
الحاضر ، مثل ديوان الجند (وزارة الدفاع حاليًا) وديوان الخراج (وزارة
المالية) . وتوفي "عمر بن الخطاب" سنة (23 ﻫ) بعد أن طعنه "أبو لؤلؤة
المجوسي" وهو يصلى الفجر في مسجد " النبوي " .
3- "عثمان بن عفان" :
أسلم
مبكرًا ، وتزوج من ابنتي رسول الله -صلى الله عليه و سلم- ، "رقية" و"أم
كلثوم" ، ولذلك سمى بذي النورين ، وجاهد مع النبي -صلى الله عليه و سلم-
منذ أن أسلم بماله ونفسه ، وهاجر الهجرتين إلى "الحبشة" وإلى "المدينة" ،
وبذل ماله في سبيل الله ونصرة دعوته ، وكان من أكثر "قريش" مالاً ، فاشترى
بئر رومة بمبلغ (12) ألف درهم، وجعلها للمسلمين في "المدينة"، وكانوا
يعانون من قلة المياه وارتفاع أسعارها، كما أنفق ماله في تجهيز ثلث جيش
العسرة في غزوة "تبوك" ، وكان عدد الجيش نحو ثلاثين ألفًا . وشهد "عثمان"
المشاهد كلها مع رسول الله عدا غزوة "بدر" التي تخلف عنها بأمر من رسول
الله .
وقد تولى الخلافة بعد استشهاد "عمر بن الخطاب" سنة (23 ﻫ) ،
وفى عهده استكمل المسلمون الفتوحات في بلاد "فارس" ، وفى شمال "إفريقية" ،
وبنوا أول أسطول إسلامي ، وقد حقق انتصارًا على "الروم" في موقعة "ذات
الصوارى" سنة (34 ﻫ).
ومن أعظم أعمال "عثمان بن عفان" أنه جمع الناس
على مصحف واحد ، وأرسل منه نسخًا إلى الأمصار ليلتزموا به ، وهذا المصحف
اشتهر بالمصحف العثماني ، وهو الأصل الذي لا يزال المسلمون يلتزمون به حتى
الآن . واستشهد الخليفة "عثمان بن عفان" في سنة (35 ﻫ) ، بعد أن اقتحم داره
مجموعة من الخارجين على الدولة ، وقتلوه وهو يقرأ القرآن في مصحفه .
4-"على بن أبى طالب" :
أسلم
صغيرًا ، ولازم النبي -صلى الله عليه و سلم- لأنه كان يعيش معه في بيته ،
اشتهر منذ صغره بالشجاعة والفروسية ، فشهد "بدرًا"مع الرسول الكريم ، وثبت
معه في غزوة "أحد"، وقتل في غزوة "الخندق" "عمرو بن عبدود" فارس العرب ،
وأعطاه النبي -صلى الله عليه و سلم- الراية في غزوة "خيبر" .
وكان
"على بن أبى طالب" واحد ممن حفظوا القرآن كله من الصحابة ، وعرضوه على
النبي -صلى الله عليه و سلم- ، ومن أكثرهم معرفة بالقرآن وبتفسيره وأسباب
نزوله وكان أيضًا من كتاب الوحي وقد زوجه الرسول- صلى الله عليه وسلم -
ابنته "فاطمة الزهراء" وأنجب منها "الحسن" و"الحسين" وهما اللذان حفظا نسل
الرسول -صلى الله عليه و سلم- .
وكان "على بن أبى طالب" موضع ثقة
الخلفاء الراشدين الذين سبقوه ، ومن أقرب المعاونين لهم ، وبعد وفاة "عثمان
بن عفان" سنة (35 ﻫ) تولى الخلافة ، وكانت الفتنة قد اشتدت بالمسلمين بعد
استشهاد عثمان , وفى أثناء ذلك تمكن "عبد الرحمن بن ملجم" أحد الخوارج من
قتل "على بن أبى طالب"، وهو يصلى الفجر في مسجد "الكوفة"، وذلك في رمضان
سنة (40ﻫ) .
القادة والفاتحون من الصحابة :
1-"خالد بن الوليد" :
واحد
من أعظم القادة المسلمين ، أسلم متأخرًا في العام السابع من الهجرة ، هو
و"عمرو بن العاص" و"عثمان بن طلحة" في يوم واحد . ومنذ أن أسلم أخذ يقاتل
في سبيل الله بكل قوة وإيمان ، وكانت معركة "مؤتة" أول معركة خاضها مع
المسلمين في العام الثامن من الهجرة ، وقد نجح بفضل مهارته العسكرية من
إنقاذ جيش المسلمين ، وهو يواجه جيش "الروم" الذي كان يفوقه أضعافًا مضاعفة
في العدد والعتاد، وبعد هذه المعركة سماه الرسول -صلى الله عليه و سلم-
سيف الله، وبعد وفاة الرسول -صلى الله عليه و سلم- ولاه الخليفة "أبو بكر
الصديق" أكبر الجيوش التي خصصت لحرب المرتدين ، وقد حقق انتصارات عظيمة ،
وقضى على "مسيلمة" الكذاب في أكبر معارك حروب الردة المعروفة بمعركة
"اليمامة" .
ثم قاد "خالد بن الوليد" أكبر معارك الفتوحات الإسلامية
على جبهتي "فارس" و"الشام" ، وحقق أعظم انتصاراته على "الروم" في معركة
"اليرموك" سنة (13 ﻫ) ، وتوفى "خالد بن الوليد" في مدينة "حمص" سنة (21 ﻫ)
في خلافة "عمر بن الخطاب" .
2- "سعد بن أبى وقاص" :
أحد العشرة
الذين بشرهم النبي -صلى الله عليه و سلم- بالجنة مع الخلفاء الراشدين
الأربعة و"أبى عبيدة بن الجراح" ، و"عبد الرحمن بن عوف" ، و"طلحة بن عبيد
الله" ، و"الزبير بن العوام" ، و"سعيد بن زيد" .
أسلم قديمًا وهو في
السابعة عشرة من عمره ، وهو أول من أراق دمًا في سبيل الله ، وأول من رمى
بسهم في سبيل الله . وقد شهد مع النبي -صلى الله عليه و سلم- "بدرًا"
و"أحد" و"الخندق"، وغيرها من المشاهد ، وأبلى يوم "أحد" بلاءً عظيمًا .
ويحكى
هو عن قصة إراقته لأول دم في سبيل الله فيقول : إن أصحاب رسول الله في
"مكة" كانوا يذهبون إلى خارجها بعيدًا عن عيون "قريش" لأداء الصلاة ،
فبينما هم كذلك إذ رآهم نفر من المشركين ، فعابوا عليهم دينهم وصلاتهم
فتشاجروا واقتتلوا ، فضرب "سعد بن أبى وقاص" رجلاً من المشركين بعظمة كبيرة
فأسالت دمه ، فكان هذا أول دم أريق في الإسلام .
وفى خلافة "عمر بن
الخطاب" ولاه قيادة الجيوش المتجهة لحرب "فارس"، وقد حقق نصرًا عظيمًا في
معركة "القادسية" التي استمرت أربعة أيام ، وفى هذه المعركة العظيمة قتل
"رستم" قائد "الفرس" وتشتت من نجا منهم ، وقد حسمت الجيوش أمر "العراق"
وأخرجته من السيطرة الفارسية التي دامت قرونًا طويلة ، وأعادته إلى أهله
العرب المسلمين . وبعد هذا النصر تمكن "سعد بن أبى وقاص" من فتح "المدائن"
عاصمة "الفرس"، وانتهت بذلك دولة "فارس" تمامًا ولم يعد لها وجود . وقد
توفى "سعد بن أبى وقاص" في المدينة سنة (55 ﻫ) .
الفقهاء والعلماء :
1- "عبد الله بن مسعود" :
كان
من السابقين الذين دخلوا الإسلام مبكرا فهو سادس من أسلموا ، وهو أول من
جهر بالقرآن في "مكة" ،وحين قرأه على مرأى من قريش قاموا بضربه ولطمه.
واشتهر "عبد الله بن مسعود" بإتقانه للقرآن ، وكان النبي -صلى الله عليه و
سلم- يقول عنه : "من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل، فليقرأه على
قراءة ابن أم عبد" ، وكان النبي -صلى الله عليه و سلم- يحب أن يسمع القرآن
من "ابن مسعود" فيقول له "عبد الله بن مسعود" : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟!
فيقول له النبي -صلى الله عليه و سلم- : "إني أحب أن أسمعه من غيري" .
وبلغ
من تمكن "ابن مسعود" من القرآن وتفسيره أنه قال : والله ما نزل من القرآن
شيء إلا وأعلم متى أنزل ، وفيم أنزل، وأين أنزل . وكان "عمر بن الخطاب"
يحبه ويستشيره في كثير من الأمور ، ولما أرسله إلى "الكوفة" ليتولى بيت
المال بها ، قال : والله لقد آثرتكم به على نفسي فخذوا منه وتعلموا .
هاجر
ابن مسعود الهجرتين إلى "الحبشة" وإلى "المدينة" ، وشهد "بدرًا" و"أحد"
و"الخندق" و"بيعة الرضوان" ، وسائر المشاهد مع رسول الله -صلى الله عليه و
سلم- ، وشهد "اليرموك" بعد النبي -صلى الله عليه و سلم- ، وهو الذي أجهز
على "أبى جهل" في غزوة "بدر" ، وشهد له النبي -صلى الله عليه و سلم-
بالجنة . وتوفى "ابن مسعود" بالمدينة سنة (32 ﻫ) .
2-"زيد بن ثابت" :
كان
عمره لما قدم النبي -صلى الله عليه و سلم- "المدينة" إحدى عشرة سنة ،
وأمره النبي -صلى الله عليه و سلم- لما رأى شدة ذكائه أن يتعلم لغة اليهود
حتى يقرأ له كتبهم وقال له :"إني لا آمنهم" ، وقد تعلم "زيد بن ثابت"
السريانية في مدة قصيرة لا تتجاوز شهرًا .
وقد شهد مع النبي -صلى
الله عليه و سلم- غزوة "الخندق"، وكان قد رده من قبل في غزوتي "بدر"
و"أحد" لصغر سنه . وكان "زيد بن ثابت" من كتاب الوحي ، وإذا نزل الوحي على
رسول الله بعث إليه ، فجاء فكتب ما نزل من القرآن .
وكان "زيد بن
ثابت" من فقهاء الصحابة على حداثة سنه ، وكان النبي -صلى الله عليه و سلم-
يقول عنه: "إنه أعلم الناس بالفرائض" . (رواه أحمد) وقد تولى "زيد بن
ثابت" جمع القرآن ، كلفه بذلك الخليفة "أبو بكر الصديق" وقال له:
إنك
رجل شاب عاقل لا نتهمك ، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صلى الله عليه و
سلم- ، فتتبع القرآن فاجمعه. فقام "زيد بن ثابت" بهذه المهمة على خير وجه
حتى أتمها ، وجمع القرآن كله في مصحف واحد. وكان "عمر" و"عثمان" لايقدمان
على "زيد" أحدًا في الفرائض والفتوى والقراءة والقضاء. وتوفى "زيد بن ثابت"
سنة (45 ﻫ).
المصدر : اسلام ويب