عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر ) رواه مسلم وأحمد و أبوداود و الترمذي.
الحديث
ثابت على الراجح من أقوال أهل العلم. في تحفة الأحوذي بشرح جامع
الترمذي(وفي الباب أيضا عن البراء بن عازب وابن عباس وعائشة .
قال
ميرك في تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم أما حديث جابر فرواه
الطبراني وأحمد والبزار والبيهقي , وأما حديث أبي هريرة فرواه البزار
والطبراني وإسنادهما حسن، وقال المنذري أحد طرقه عند البزار صحيح , وأما
حديث ثوبان فرواه ابن ماجه والنسائي وابن خزيمة في صحيحه وابن حبان ولفظه
عند ابن ماجه : (
من صام ستة أيام بعد الفطر كان كصيام السنة ){
من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها }
وأما لفظ البقية فقريب منه , وأما حديث ابن عباس فرواه الطبراني وأحمد
والبزار والبيهقي , وأما حديث عائشة فرواه الطبراني أيضا , كذا في المرقاة .
قلت : وأما حديث البراء بن عازب فرواه الدارقطني ، واختلف العلماء في
العمل بهذا الحديث:
الجمهور على العمل به وعلى استحباب الصيام وخالف
في ذلك أبوحنيفة و أبو يوسف فكرها الصيام وعللوا ذلك بمشابهة أهل الكتاب
وهو تعليل مردود لأن السنة تثبت بذلك .و خالف أيضا مالك فكان يصومها في
نفسه و إنما كرهها على وجه يخشى منه أن يعتقد فريضتها لئلا يزاد في رمضان
ما ليس منه. قال الإمام النووي في المجموع (
قَالَ
مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ : " وَصَوْمُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ
لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ يَصُومُهَا ، وَلَمْ
يَبْلُغْهُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ
كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ ، وَأَنْ يُلْحِقَ
بِرَمَضَانَ أَهْلُ الْجَفَاءِ وَالْجَهَالَةِ مَا لَيْسَ مِنْهُ لَوْ
رَأَوْا فِي ذَلِكَ رُخْصَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَرَأَوْهُمْ
يَعْمَلُونَ ذَلِكَ " هَذَا كَلَامُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ .
وَدَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ السَّابِقُ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ .
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ : " لَمْ أَرَ أَحَدًا يَصُومُهَا " فَلَيْسَ
بِحُجَّةٍ فِي الْكَرَاهَةِ ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ ثَبَتَتْ فِي ذَلِكَ
بِلَا مُعَارِضٍ ، فَكَوْنُهُ لَمْ يَرَ لَا يَضُرُّ . وَقَوْلُهُمْ :
لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى ذَلِكَ فَيُعْتَقَدُ وُجُوبُهُ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ
لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ ، وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ : ( إنَّهُ
يُكْرَهُ ) صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَسَائِرِ الصَّوْمِ
الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ . وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ . ).
الذين استحبوا صيامها اختلفوا في وقت صيامها:المذهب الأول/ تصام متتابعة من أول الشهر و هو قول الشافعي و ابن المبارك .
المذهب الثاني/ لا فرق بين أن يفرقها أو يتابعها و هو قول وكيع وأحمد .
المذهب الثالث/
لا تصام عقب يوم الفطر فإنها أيام أكل و شرب و لكن يصام ثلاثة أيام قبل
أيام البيض و أيام البيض أو بعدها و هذا قول معمر و عبد الرزاق.
و الراجح أنه يجوز صيامها متتابعة أو متفرقة.واختلف العلماء أيضا هل تصام قبل قضاء رمضان أم بعده؟. قولان في الباب:
الفريق الأول/ قالوا لاتصام إلا بعد قضاء رمضان لأن في الحديث ( ثم )وهي تفيد الترتيب.
الفريق الثاني/ قالوا الأمر في القضاء على التراخي واستدلوا أيضا بقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها و أرضاها (
إن كان ليكون علي الصيام من رمضان فما أستطيع أصومه حتى يأتي شعبان ).
قال الشيخ العثيمين في فتاوى نور على الدرب(
أما
إذا كان التطوع بغير الأيام الستة أي بعدد صيام الأيام الستة من شوال فإن
للعلماء كذلك قولين فمنهم من يرى أنه لا يجوز أن يتطوع من عليه قضاء رمضان
بصوم نظراً لأن الواجب أهم فيبدأ به ومنهم من قال أنه يجوز عن التطوع لأن
قضاء الصوم موسع إلى أن يبقى من شعبان بقدر ما عليه وإذا كان الواجب موسعاً
فإن النفل قبله أي قبل فعله جائز كما لو تطوع بنفل قبل صلاة الفريضة مع
سعة وقتها وعلى كل حال يعني حتى مع هذا الخلاف فإن البداية بالواجب هي
الحكمة ولأن الواجب أهم ولأن الإنسان قد يموت قبل قضاء الواجب فحينئذٍ يكون
مشغول به بهذا الواجب الذي أخره ) .
أما الحكمة من صيامها فقال الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف(
و
في معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة : منها : أن صيام ستة أيام من
شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله كما سبق و منها : أن صيام
شوال و شعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة و بعدها فيكمل بذلك
ما حصل في الفرض من خلل و نقص فإن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافل يوم
القيامة كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم من وجوه متعددة و أكثر
الناس في صيامه للفرض نقص و خلل فيحتاج إلى ما يجبره و يكمله من الأعمال
...و منها : أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان فإن
الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده....و منها : أن صيام رمضان
يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب كما سبق ذكره و أن الصائمين لرمضان يوفون
أجورهم في يوم الفطر و هو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرا
لهذه النعمة فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب).
سبق النص على
استحباب صيام الست من شوال وأنه الراجح من أقوال أهل العلم .خلافا لمن قال
بكراهته لثبوت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم قولا و فعلا .ومما يستحب
أيضا في شوال التزوج و التزويج و الدخول خلافا لمن يعتقد كراهته ويتطير
بذلك .وليعلم أن الامتناع من ذلك من عادات الجاهلية الفاسدة التي أبطلتها
الشريعة المحمدية العظيمة.
عن أم المؤمنين عائشة قالت (
تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال وبنى بي في
شوال فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني قال
وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال ).مسلم و الترمذي والنسائي، في شرح مسلم للنووي(
فيه
استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال , وقد نص أصحابنا على استحبابه ,
واستدلوا بهذا الحديث , وقصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه
, وما يتخيله بعض العوام اليوم من كراهة التزوج والتزويج والدخول في شوال ,
وهذا باطل لا أصل له , وهو من آثار الجاهلية , كانوا يتطيرون بذلك لما في
اسم شوال من الإشالة والرفع ). في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي(وقال
القاري : قيل إنما قالت هذا ردا على أهل الجاهلية فإنهم كانوا لا يرون يمنا
في التزوج والعرس في أشهر الحج انتهى). في شرح سنن النسائي للسيوطي (
قال طب في طبقات ابن سعد إنهم كرهوا ذلك لطاعون وقع فيه ).